بعد أن خسر هتلر الحرب العالمية الثانية وقرر هو وكبار مساعديه الانتحار، وتقدم الحلفاء المنتصرون من الغرب والشرق واستولوا على ألمانيا وبدأوا لعبة سياسية خاصة ومعقدة بتقسيم البلد عام 1945، عاشت ألمانيا المنكسرة المهزومة أسوأ فترة فى تاريخها، احتلال وفقر، ونقص فى المواد الغذائية مع انهيار وتدمير الجميع مرافق الحياة تقريبا، إنه البؤس والفقر وانكسار الكرامة الوطنية فى أجل صوره، والدول المحتلةأمريكا والاتحاد السوفيتى وبريطانيا وفرنسا كل واحدة مشغولة بالحصول على نصيبها من الدولة التى روعتها وحملت الدمار إلى كثير من عواصم العالم. وسط هذا الرماد والخراب بدأ مشروع مارشال أولى الخطوات لبعث ألمانيا مرة أخرى من تحت الرماد عام 1948، وتشكلت حكومة مستقلة إلى حد ما عن دول الاحتلال. وفى عام 1954 اشتركت ألمانيا فى بطولة كأس العالم، وكان ينظر إليها على أنها جواد خاسر ليس لديها أى فرصة للمنافسة. وقد اعتبرت هذه الكأس ميدانا آخر للصراع فألمانيا تحاول أن تستعيد كرامتها وكبرياءها الوطنى، والدول الأخرى تحاول أن تثأر من ألمانيا التى اجتاحت جيوشها معظم دول أوروبا قبل أن تحل بها الهزيمة المروعة. استطاع الفريق الألمانى أن يحقق أول مفاجأة ويهزم تركيا بأربعة أهداف مقابل هدف، لكنها وجدت نفسها لقمة سائغة أمام المجر - كانت ألمانيا احتلت المجر عام 1944، وجاءت المباراة لتصبح ساحة أخرى للصراع، واستطاع فريق المجر أقوى فرق العالم فى ذلك الوقت أن يلحق بالألمان هزيمة ساحقة بثمانية أهداف مقابل ثلاثة. ورغم الهزيمة الثقيلة جاء الفريق الألمانى ثانى مجموعته وصعد لدور الثمانية. واستطاع أن يهزم يوغسلافيا والنمسا مثلما اجتاح هتلر البلدين خلال الحرب العالمية الثانية. ووجد الألمان أنفسهم أمام فريق المجر مرة أخرى فى النهائى. كان يوم المباراة من الأيام المشهودة فى تاريخ ألمانيا، الطقس سيئ والمطر ينهمر من السماء وأغلب الألمان فى الشوارع يشاهدون المباراة بإحساسهم وجوارحهم. فى أول عشر دقائق تقدم المجريون بهدفين مما أنذر بهزيمة ثقيلة للألمان لكن الفريق الألمانى تماسك واستطاع بعد ربع ساعة أن يحرز هدفين ويتعادل بما يشبه المعجزة. وتمكن فريق المجر من السيطرة تماما على المباراة فى الشوط الثانى، ولكن الألمان نجحوا من خلال هجمة مرتدة فى إحراز هدف الفوز قبل انتهاء المباراة بخمس دقائق. وفازت ألمانيا المهزومة المحتلة بكأس العالم لأول مرة فى تاريخها. واشتهرت المباراة فى البلاد باسم «معجزة برق». وبهذا الفوز استطاع الألمان عبور هزيمتهم المروعة فى الحرب العالمية، وخرج ملايين الألمان إلى الشوارع للاحتفال، وكانت تلك هى المرة الأولى التى تذوق فيها الجماهير الألمانية طعم الفرح منذ الحرب العالمية الثانية... واعتبر البعض يوم 4 يوليو 1954 هو يوم تأسيس الجمهورية الألمانية. ومنذ هذه اللحظة التى استعادت فيها ألمانيا روحها القومية وكبرياءها الوطنى بعد فوزها بكأس العالم، انتقلت ألمانيا من حطام دولة مهزومة ومدمرة إلى أكبر الدول اقتصادا فى أوروبا. واستطاعت أن تنقل روح الفريق من الملاعب الخضراء إلى المصانع والمزارع والمدارس والجامعات، وإلى كل مجال فى ألمانيا، لتصبح معجزة من المعجزات الاقتصادية. التى خرجت من ركام الهزيمة لتصبح من أقوى دول العالم مثلها مثل اليابان والصين. إنها روح الفريق التى يجب أن تنتقل من ملاعب الكرة إلى كل مكان فى الوطن. كرة القدم ليست فقط مجرد لعبة للتسلية وتفريغ الطاقات السلبية، لكنها النموذج الفذ على أن التدريب والتخطيط الجيد مع العمل بروح الفريق عوامل تصنع النصر والتقدم لأى وطن. وتلك هى فلسفة الكرة التى تلعب بإحساسنا ومشاعرنا على أمل لحظة فوز، وفرح، لاتعرف إن كانت مرتبطة بهذا الهدف الذى نتمنى دائما أن يتحقق بأقدام لاعبينا أم هدف آخر نبحث عنه دائما بعقول وسواعد أبناء وطننا للوصول إلى التقدم والحياة السعيدة التى يبحث عنها الانسان دائما. إنه الصراع الأزلى بين البشر والدول. نراه بين أقدام اللاعبين فنغضب ونفرح ونحزن، ونحب ونكره. ولا نعرف هل هذا من أجل الكرة فقط أم أنه من أجل حياتنا ومصيرنا الذى لا نعرف عنه شيئا، وهو فى النهاية مثل ركلة كرة... لاتعرف هل تصيب الشباك أم ترتد من العارضة بحثا عن فرصة أخرى، أم تضيع نهائيا خارج المرمى، ويحزن عليها الجمهور بعد أن تضيع خارج الشباك. لمزيد من مقالات محسن عبدالعزيز