عندما تم تجسيد حياتهن فى أحد الأفلام السينمائية الشهيرة الذى عرض أخيرا وحصد العديد من جوائز الأوسكار هذا العام، برزت معاناتهن ومأساتهن.. فكان طرح هذه القضية الحساسة في فيلم «روما»، نقطة انطلاق لتغيير أوضاعهن، وعاملا مساعدا على تأهيل المجتمع المكسيكى لتقبل قانون يمنحهن حقوقهن، كما أنه دافع عن أكثر من مليونين وثلاثمائة خادمة مكسيكية يعشن وسط ظروف بائسة، حيث يعملن دون أى ضمانات قانونية لحقوقهن، علاوة على انتهاك حياتهن الخاصة والتحكم فيها، وعدم تحديد ساعات العمل التى يقمن بها ليعشن حياة أشبه بحياة العبودية، لا سيما أن قطاع العمل فى المنازل ظل حتى وقت قريب مهمشا في المكسيك، ثانى أغنى بلد فى أمريكا اللاتينية، ولكن أخيرا، وبعد سنوات من المطالبات الاجتماعية، تم تمرير قانون يحافظ على حقوق هذه الفئة الضعيفة. فما إن أعلن عن تصويت الكونجرس المكسيكى بالموافقة بالإجماع على القانون الجديد الذى يعد انتصارا حقيقيا لأحد قطاعات المجتمع المكسيكي المحرومة تاريخيا من أبسط حقوقها، سلط تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية الضوء على هذا القانون الذى سيستفيد منه أكثر من مليوني شخص معظمهم من النساء الفقيرات اللواتى لم يتم الاعتراف بهن كجزء من سوق العمل الرسمية، بعد أن تركن مجتمعاتهن الريفية الفقيرة ليهاجرن إلى المدن الكبرى بحثا عن العمل فى المنازل، وهي الفئة التي يشار إليها غالبا باسم «الخدم». ويشير التقرير إلى أن الدراسة التى تم نشرها خلال هذا العام من قبل منظمة العمل الدولية، كشفت عن حجم سوء أوضاع هؤلاء الخادمات، حيث إن 9 من بين كل 10 عاملات فى المنازل يفتقدن وجود عقد عمل رسمى، ولا يحصلن على خدمات الرعاية الصحية، وعلاوة على ذلك، فإن 4 فقط من بين كل 10 عاملات يكسبن في المتوسط 156 دولارا في الشهر، وهو يعد الحد الأدنى للأجر الشهرى فى البلاد. وبموجب القانون الجديد، سيحصل عمال النظافة والطهاة وجليسات الأطفال ومن يعملن في البستنة وغيرهن من عاملات المنازل على حقوق العمل الأساسية، مثل تحديد ساعات العمل وإجازات مدفوعة الأجر. واشترط القانون على أى شخص يوظف هؤلاء العاملات إضفاء الطابع الرسمى على عملهن من خلال عقد مكتوب، كما يحق لعاملات المنازل تحديد نفس الحد الأدنى من مزايا أي عمل رسمي آخر، بما في ذلك الحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والمكافآت المدفوعة و إجازة الأمومة، وعلاوة على ذلك، يحظر القانون العمل المنزلي للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 15عاما، ويقصر ساعات العمل على ست ساعات في اليوم للمراهقين الأكبر سنا، أما بالنسبة للعاملات المقيمات في المنازل، فإنه يستوجب حصولهن على تسع ساعات متواصلة من الراحة. ويعد هذا القانون وفاء بالوعد الذى قطعه على نفسه الرئيس المكسيكي لوبيز أوبرادور العام الماضى خلال حملته الانتخابية بالدفاع عن العمال وتحسين أوضاع الفقراء، ولذلك، صرح أوبرادور صبيحة تمرير هذا القانون خلال مؤتمر صحفى في مكسيكو سيتي بأن هذا القانون يعتبر تقدما هائلا لعمال المكسيك، فقبل هذا الإصلاح، لم يتمكن العمال من التصويت بحرية من خلال الاقتراع السري لانتخاب ممثلي نقابتهم، إلا أنه الآن يمكنهم الاختيار، حيث إن المكسيك تعد الدولة الوحيدة في أمريكا اللاتينية وواحدة من الدول القليلة المتبقية في العالم التي لم يكن للعمال فيها الحق في التصويت بالاقتراع السرى لتنظيم نقابة عمالية واختيار ممثلي نقاباتهم على الرغم من أن المكسيك لديها العديد من النقابات العمالية، ولكن الشركات والمسئولين الحكوميين يسيطرون عليها منذ فترة طويلة، حيث نادرا ما يقدمون أي مساعدة للعمال خلال تفاوضهم على عقود عملهم، وهو الأمر الذى يعد من أحد الأسباب الرئيسية وراء تدنى الأجور التى يحصل عليها العمال فى المكسيك، وشجع ذلك العديد من الشركات الأمريكية على إنشاء مصانع هناك، حيث لا يتعدى متوسط أجر العاملين في مصانع المكسيك أربعة دولارات أمريكية ليوم عمل كامل مقارنة بالحد الأدنى للأجور فى الولاياتالمتحدة والذى يبلغ نحو دولارين في الساعة. وتعد السطور القادمة استعراضا لتجارب وآراء بعض العاملات المكسيكيات. انخفاض الأجور وساعات العمل المفتوحة كانا أبرز مظاهر ظلم العاملات فتقول بيترا هيرميلو - 60 عاما - وهي مؤسسة منظمة غير ربحية تقدم المشورة إلى عاملات المنازل، إنه عندما كانت تعمل خادمة فى المنازل كان يحرمها أصحاب عملها السابقون من تناول نفس الطعام الذى يتناولونه أو استخدام نفس دورة المياه التي يستخدمونها، كما أنه من بين العائلات التى عملت لديهم يوجد من رفض دفع راتبها، مدعين أن الطعام والمأوى الذى قدموه لها خلال فترة عملها لديهم كان تعويضا كافيا. وتعليقا على القانون الجديد تقول هيرميلو إنه «سيساعد الكثير من النساء مثلى على الاستمرار في هذا العمل، ولكن بوعى ومن خلال الحقوق القانونية وبدون خجل». أما مارسيلينا باوتيستا، رئيس اتحاد العمال، فتقول : «أجبرت على مغادرة منزلى للمساعدة فى إعالة أسرتى وخاصة فى ظل قلة فرص الحصول على التعليم الرسمى، ولم يكن أمامى سوى العمل كخادمة فى المنازل فى مدينة مكسيكو سيتي وعمرى 14 عاما، وكانت الأشهر الأولى لي فى المدينة صعبة للغاية». وتضيف: «ينظر إلى الأعمال المنزلية على أنها وسيلة للخروج من الفقر، لكن بالنظر إلى أن أكثر من 30% من عمال المنازل يحصلون على أقل من خمسة دولارات فى اليوم، فإن الغالبية العظمى تبقى فقيرة». وتقول السيناتور مارثا لوسيا التى تعد واحدة من المشرعين الذين ساعدوا على تمرير مشروع القانون: «هذا عمل عادل»، مضيفة: «نحن نتحدث عن الأشخاص الذين يمكّنون العائلات الأخرى من الخروج والعمل، بينما يظل هؤلاء العمال في منازلهم لرعاية ذويهم». وتصف سيبولادا جاي حال الخادمات اللواتى يعانين من ظروف العمل السيئة وعدم المساواة الاجتماعية بقولها: «هؤلاء العاملات، بعد العمل طوال حياتهن، ينهين حياتهن فقراء، ولذلك يجب أن يحصلن على حقوقهن من خلال إضفاء الطابع الرسمي على عملهن من خلال تحسين ظروف العمل السيئة». وبطبيعة الحال، أثار القانون الجديد حالة من الجدل فى البلاد، ففى حين أيدت معظم الأحزاب السياسية الرئيسية في المكسيك هذه التغييرات الجديدة، فإن العديد من الشركات المكسيكية غير سعيدة بفقدان نفوذها، فهذا التشريع يعد خطوة أساسية لضمان الحقوق الأساسية لهؤلاء المواطنين.. وعلاوة على ذلك، تشير الكثير من التكهنات إلى أن تنفيذ هذا القانون سيشكل تحديا كبيرا، خاصة أن نحو 60% من سكان البلاد يعملون فى وظائف غير رسمية. ويعزز ذلك ما ذكره مايت أزويلا المدافع عن حقوق الإنسان والمحلل السياسى المستقل في مكسيكو سيتى، حيث قال: «من المرجح أن يواصل العديد من الناس توظيف عاملات المنازل دون التسجيل أو الامتثال للقوانين»، مضيفا «أن هذا يتطلب بلا شك تحولا ثقافيا تدريجيا وهو لن يحدث بين عشية وضحاها». ويشير الخبراء إلى أنه فى حالة إذا كان للقانون تأثير حقيقي، فسيستوجب ذلك الحاجة إلى مزيد من التشريعات لوضع جدول زمنى لإجراءات التنفيذ، كما يجب أيضا وضع رادع مالى كبير لأصحاب العمل الذين يخالفون القواعد الجديدة. إلا أنه بالرغم من ذلك، يرى كثير من النشطاء أن المعركة ضد التمييز وإساءة معاملة عاملات المنازل في المكسيك لم تنته بعد.