تمثل الانتخابات العامة التي أجريت أمس الأحد في المكسيك، بالنسبة للعديد من الناخبين الذين يصل عددهم إلى 89 مليون نسمة، استفتاء على النخبة السياسية في البلاد واتجاهها الاقتصادي. وكان من المتوقع أن يلعب الشباب المكسيكي، الذين كبر الكثير منهم محاصرين بالفساد المستشري وعنف تجار المخدرات، دورًا رئيسيًا في اختيار اتجاه البلاد. حيث أشار عدد من المسؤولين عن الانتخابات في البلد الواقع في قارة أمريكا الشمالية، إلى أن هناك ما يقرب من 13 مليون ناخب تتراوح أعمارهم بين 18 و23 عاما، يصوتون للمرة الأولى في حياتهم. ويبدو أن اختيارهم وقع على السياسي اليساري ورئيس بلدية مكسيكو سيتي السابق أندريس مانويل، المعروف أيضًا باسم "أملو" للقيام بهذه المهمة، حيث تعهد خلال حملته الانتخابية بإجراء "تحول جذري" في البلاد و"القضاء على الفساد". وتشير التقديرات إلى أن الرئيس المنتخب لوبيز أوبرادور، حصل على أكثر من 53٪ من الأصوات، أي أكثر من ضعف مجموع منافسيه، وفقًا للجنة العليا للانتخابات في البلاد. وقال الرئيس الجديد لحشد من مؤيديه في إحدى الفعاليات في العاصمة "مكسيكو سيتي" في وقت متأخر يوم الأحد: "اليوم حققنا الانتصار". من جانبه، اتصل الرئيس المكسيكي انريكي بينيا نييتو، بلوبيز أوبرادور قبل قليل لتهنئته، وتعهد بمساعدته على إجراء انتقال منظم للسلطة، ومن المقرر أن يتسلم لوبيز أوبرادور مهام منصبه رسميا في الأول من ديسمبر المقبل. اقرأ المزيد: مرشح اليسار يفوز بالرئاسة المكسيكية.. وترامب أول المهنئين من هو لوبيز أوبرادور؟ ولد لوبيز أوبرادور في 13 نوفمبر 1953 في مدينة "تيبتيتان" الريفية، في ولاية "تاباسكو" جنوبالمكسيك، وبدأ حياته السياسية من خلال الحزب الثوري الدستوري الحاكم. في عام 1986، بعد أن شعر بخيبة أمل من توجهات الحزب الثوري الدستوري، انضم إلى حركة انفصالية تدعى "التيار الديمقراطي"، التي أصبحت فيما بعد حزب الثورة الديمقراطية اليساري، وانتخب لويز أوبرادور رئيسا لبلدية مكسيكو سيتي عن الحزب في عام 2000. وقام لوبيز أوبرادور خلال فترة إدارته للعاصمة المكسيكية، بالعديد من الإصلاحات التي نالت استحسان المواطنين، مثل إطلاق برامج الرعاية الاجتماعية للمسنين، والتعاون مع رجل الأعمال الشهير كارلوس سليم لتجديد وسط مدينة "مكسيكو سيتي". وترشح مرتين في انتخابات الرئاسة ولم يحالفه الحظ فيهما، ففي عام 2006، خاض السباق الرئاسي للمرة الأولى، وخسر بفارق ضئيل أمام فيليبي كالديرون في انتخابات اعتبرت الأكثر إثارة للجدل في تاريخ المكسيك الحديث، بسبب الفرق الضئيل في الأصوات بين المرشحين والذي بلغ 0.56٪ فقط. وقاد لوبيز أوبرادور احتجاجات جماهيرية اعتراضًا على النتائج وندد "بتزوير الانتخابات"، واعتصم أنصاره، وأعاقوا حركة المرور في العاصمة مكسيكو سيتي لعدة أشهر. وحاول خوض السباق مرة أخرى في انتخابات 2012، وهزم من قبل مرشح الحزب الثوري الدستوري إنريكي بينيا نييتو. وخاض الرئيس المنتخب الانتخابات ضمن ائتلاف من ثلاثة أحزاب بقيادة حزب حركة التجديد الوطنية "مورينا" الذي أسسه في عام 2014. اقرأ المزيد: وزير الأمن القومي الأمريكي: هكذا سنبني الجدار الحدودي مع المكسيك خطط التغيير أشارت شبكة "بي بي سي" البريطانية، إلى أن السياسي المخضرم البالغ من العمر 64 عامًا، تصدر استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، وألهب حماس الحشود الضخمة خلال حملته الانتخابية بخطاباته الشعوبية المفعمة بالحيوية، وهيمنت على السباق الرئاسي المخاوف من الفساد والعنف المرتبط بالمخدرات. وأضافت أن رسالته التجديدية لاقت صدى لدى جمهور الناخبين بسبب معارضته للفساد، وارتفاع الجريمة والمصاعب الاقتصادية، كما وعد لوبيز أوبرادور بتقديم برامج النمو الاقتصادي وفرص العمل والتنمية الاجتماعية. وفي برنامجه الانتخابي تعهد المرشح اليساري "بتحقيق السلام وإنهاء الحرب" في المكسيك، حيث كسرت معدلات القتل جميع الأرقام القياسية بسبب العداء بين عصابات المخدرات. وفي الوقت الذي قال فيه إنه لن يستمر في الاستراتيجية العسكرية في "الحرب على المخدرات" التي شنها الرئيس الحالي إنريكي بينيا نييتو، وسلفه فيليبي كالديرون، لم يوضح لوبيز أوبرادور سياسته الأمنية، حيث أثار الانتقادات والسخرية، عندما طرح فكرة "العفو" عن المجرمين. وأشار إلى أنه سيعمل على خطة سلام مع ممثلين عن الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، والمنظمات الدينية، للمساعدة في مواجهة معدلات القتل المرتفعة. وارتفعت معدلات جرائم القتل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عهد بينيا نييتو، الذي اتهمه منتقدوه بالفشل في التعامل بشكل مناسب مع الجريمة والفساد وعدم المساواة الاقتصادية. وبعد الإعلان عن انتصاره، وعد لوبيز أوبرادور أمام حشد من المؤيدين، بالتصدي للعنف والقضاء على الفساد الذي قال إنه "نتيجة لنظام سياسي في حالة انحلال". اقرأ المزيد: تعرف على المدن الأكثر عنفًا في العالم.. لوس كابوس المكسيكية تتصدر وأضاف: "نحن على يقين من أن هذا الشر هو السبب الرئيسي لعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، فبسبب الفساد اندلع العنف في بلادنا". ووجه لوبيز أوبرادور، بصفته مرشحا مناهضًا للمؤسسات، الكثير من النقد لما سماه "مافيا السلطة" التي حكمت المكسيك لعقود. ويقول معارضو لوبيز أوبرادور، إن تعاطفه مع اليساريين يخاطر بتحويل المكسيك "إلى فنزويلا"، وحذروا من أنه يسير على نهج استبدادي ويسعى إلى التشبه بالرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافيز، وأنه سيدمر اقتصاد المكسيك بنفس الطريقة التي حدثت في فنزويلا. من جانبه، يرفض لوبيز أوبرادور المقارنات مع قادة فنزويلا، قائلًا إنه لن يقوم بمصادرة الممتلكات الخاصة، أو سيسعى لإعادة انتخابه بعد انتهاء فترة ولايته. غير أنه وعد بمراجعة العقود التي منحتها شركة النفط الحكومية المكسيكية "بيميكس" إلى شركات خاصة خلال فترة إدارة الرئيس المنتهية ولايته إنريكي بينا نييتو، قائلًا «إن ذلك بسبب شبهة الفساد». وقال إنه سيخفض مرتبات كبار المسؤولين، وسيمنح زيادات في أجور الفقراء، ووعد ببيع الطائرات الرئاسية وتحويل القصر الرئاسي إلى حديقة عامة. مواجهة ترامب وفي مواجهة العداء تجاه المكسيك من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حافظ لوبيز أوبرادور على موقف ثابت مبني على التحدي والفخر، حيث قال إنه لن يسمح للمكسيك بأن تكون "شماعة" أخطاء ترامب. اقرأ المزيد: مرشح للرئاسة المكسيكية يقدم شكوى ضد ترامب في خطابه إلى المؤيدين، صرح الرئيس المنتخب بأنه سيقيم علاقة جديدة مع الولاياتالمتحدة "قائمة على الاحترام المتبادل والدفاع عن مواطنينا المهاجرين الذين يعملون ويعيشون بأمانة في ذلك البلد". ومع ذلك، فقد انتقد سياسات ترامب المناهضة للمهاجرين ووصفها بأنها "غير مسؤولة" و"عنصرية"، كما سيتعين على الزعيم الجديد للمكسيك أن يتعامل مع تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا"، ودعواته إلى بناء جدار حدودي بين البلدين، بالإضافة إلى نقاط أخرى مثيرة للخلاف. كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد هنأ لوبيز أوبرادور في تغريدة، وقال إنه يتطلع للعمل معه، وأضاف أن "هناك الكثير من الأمور التي ينبغي العمل عليها من أجل مصلحة الولاياتالمتحدةوالمكسيك".