جاءني صديقي يحدثني عن رحلته إلي وطن الأديب الملهم وليام شكسبير, فأخذ يتحدث بافتنان عن الشوارع النظيفة, وإشارات المرور التي تنظم السير, وعن الأدب الجم الذي يتعامل به المواطنون بعضهم مع بعض. كنت أنصت إليه وأري في حديثه حالة الانبهار التي يشعر بها كل من خرج من وطنه فشاهد متسعا أرحب من الحياة فبدأ يوجه سهام النقد إلي الداخل قبل أن يحاول تغيير ما ينتقده, ناسيا أن هذا الخارج له أيضا جانبه السيي, وكان الجانب السيئ في أحداث الرواية التي أخذ صديقي في حكيها يتعلق بإرث من الحضارة, وهو أن المكتبات في الوطن الذي عرف علي مر تاريخه بولعه بالقراءة مهددة بالإغلاق بسبب الضائقة المالية, إذ بعد اسهابه في الحديث عن الصورة الجميلة وهي واقعية للمملكة المتحدة البريطانية, نقل حديثه إلي رواية مشهد قال إنه آلمه كثيرا عندما راي واحدة من المكتبات العريقة في بريطانيا وهي تغلق أبوابها في وجه زائريها استجابة لخطط التقشف التي تجريها حكومة رئيس الوزارء البريطاني ديفيد كاميرون, حدثني صديقي عن رؤيته الكتب حاضنة الأدب وحافظة التاريخ- وهي تهجر بأوامر حكومية الأحضان الدافئة للرفوف الخشبية جميلة الشكل والتصميم لتستقر في مجموعة من الصناديق الورقية دون أن تعرف إلي أي مصير ستنهي إليه هذه الصناديق. سمعت من صديقي وصفه لهذا المشهد, فاستفزني شعور الألم علي مصير المكتبات في وطن( قال أحد أهم ونستون تشرشل ذات يوم انه مستعد للتضحية بكل المستعمرات البريطانية ولكنه لا يستطيع التضحية ببيت واحد من قصائد شكسبير) فتابعت الصحف البريطانية لأصل إلي النتائج التالية, أولا هناك ما يقرب من245 مكتبة محلية مهددة بالإغلاق من قبل المجالس المحلية بينها209 مبان كاملة ونحو36 مكتبة متحركة- من أصل4000 مكتبة. ثانيا, منذ تولي الحكومة الائتلافية الحكم عام2010 برئاسة رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون تحملت المكتبات العامة عبء تخفيضات ضخمة أجرتها الحكومة في الانفاق علي المكتبات في أنحاء بريطانيا التي دفعت بسبب الحاجة إلي الإغلاق, بينما جاهد بعضها من أجل البقاء, وفي سبيل ذلك قام بتسريح عدد كبير من الموظفين فيه, حتي أن عددا من الموظفين مدفوعي الأجر في المكتبات شهد تراجعا بنسبة4% خلال العام الماضي, في حين ارتفع عدد المتطوعين بنسبة22%. ثالثا, هناك حركة واسعة يقوم بها الأدباء والمثقفون البريطانيون لحماية مئات الفروع من المكتبات المحلية المهددة بالإغلاق. ففيما يبدو وكأنه تأثير لثورات الربيع العربي, اتفق أصحاب الرأي علي الثورة من أجل حماية راعيات الحضارة ولكن بطريقة إنجليزية حيث قرر عدد من النواب البريطانيين مع عدد آخر من الكتاب من بينهم كاتب كتب الأطفال الشهير فيليب ارداج, والكاتبه كيت موس المؤسس المشارك والمدير الفخري لجائزة أورانج للأدب, وهي أرقي جائزة سنوية أدبية في المملكة المتحدة للكاتبات العالميات بالتميز والابتكار, لعقد مؤتمر تحت عنوان تحدثوا من أجل المكتبات في10 نوفمبر المقبل بمبني بلومسبري بوسط لندن في محاولة لإنقاذ ما تبقي من المكتبات من الإغلاق. وتعد المكتبات المكان الأكثر حيوية للمجتمع البريطاني المتعدد الأعراق, وطبيعتها لا تميز بين الفقراء والأغنياء من روادها, لذلك يسعي المؤتمر إلي بحث الخيارات لإنقاذ هذه المكتبات المهددة بالإغلاق في البلدات والقري. وكان قد سبق هذا المؤتمر خروج مستخدمي المكتبات المحلية, والموظفين والنشطاء في مسيرة ضخمه في13 مارس الماضي جابت شوارع لندن وانتهت بالتظاهر أمام البرلمان البريطاني لتسليط الضوء علي أهمية المكتبات في توفير فرص الحصول علي التعليم والتأكيد علي كون هذا المكان شريانا حيويا في الكثير من المجتمعات حتي الأكثر فقرا أو جهلا أو أمية. وحمل المتظاهرون رسالة واضحة إلي النواب في البرلمان مفادها أن المكتبات العامة ساهمت طويلا في توفير سبل الحصول علي المعلومات ومحو الأمية حتي خلال فترات الركود الاقتصادي, وارفع المحتشدون أصواتهم مطالبن النواب باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استمرار خدمات المكتبات العامة في القرن ال.21 ربما لا نحتفظ بالكتاب في المنزل, ولكنه موجود دائما في المكتبات العامة تحت سيطرة هذه الفكرة, حدثني صديقي أنه لمر ير الكثير من المكتبات الخاصة مثل التي نشاهدها في المسلسلات العربية كدليل علي الرقي في منازل اقرانه من البريطانيين الذين زارهم, فالمساحات في البيوت الحديثة لا تسمح بوجود مكان مخصص للكتب حتي ولو كان مكان محدود المساحة, خاصة أن الكتب متوفره في المكتبات العامة التي لا ترغب من زائريها فيي أكثلا من احترام الكتاب. ولهذه الفكرة تقود الروائية البريطانية زادي سميث واحدة من الحملات الهادفة إلي مواجهة عملية إغلاق فروع المكتبات المحلية من آجل المحافظة علي ارث أسهم في صنع معرفة أجيال من البريطانيين. وتحاول الروائية الحاصلة علي جائزة اورانج عن روايتها عن الجمال مع عدد من الناشطين جمع نحو70 الف جنية استرليني لانقاذ مكتبة كينسال رايز الصغيرة المهددة بالإغلاق. وعن حملتها قالت الكاتبة البريطانية من أصول جامايكية: إنها تقاتل من أجل منع إغلاق مكتبة في البلدة التي تعيش فيها, بعد أن تم إغلاق ست مكتبات من قبل المجلس المحلي. ونقلت صحيفة الجارديان عن سميث تأكيدها أهمية المكتبات المحلية خصوصا لأبناء الطبقات المتوسطة في بريطانيا حيث قالت إن الأمر يتعلق بالتساوي في الفرص المتاحة لللجميع, فإن لم يكن الآباء من المتعلمين, فأن أولادهم لا غني لهم غير الذهاب إلي المكتبات المحلية القريبة من مناطق سكنهم, لا نتوقع بالطبع أن يحقق الجميع نفس المستويات من العلم أو الثقافة, ولكن من حق الجميع أن يصل إلي المعرفة, أن يكون أمام الجميع طريق ميسر للحصول علي المعلومة, وهذا لن يحدث إذا ما استمرت السياسيون في خططهم الخاصة بإغلاق شريان الحياة عن الأجيال القادمة.