قبل عامين، قلت لشاب طلب منى التوقيع على نسخة مقلدة من أحد كتبى، إن القرصنة تدمر صناعة النشر فى باكستان. وقال إنه يتفهم ذلك، لكنه أضاف أن الكتب المقلدة أرخص، ولذلك استطاع شراء عدد أكبر منها، وأضاف أن الأمر لن يكون كذلك إذا كانت كراتشى زاخرة بالمكتبات العامة. وفى لندن، بعد أسابيع قليلة، ذهبت إلى المكتبة العامة المحلية التى أرتادها، وشعرت بامتنان عظيم لسهولة توافر الكتب من دون ارتكاب جريمة تقليد. ولم تكن لدىّ فكرة وقتها عن الأزمة التى تواجه المكتبات العامة البريطانية. وخلال العام أو العامين الماضيين، كنا نعيش دون دراية بما يحدث.
●●●
ويشهد الجزء الذى أعيش فيه من شمال لندن بجوار مجلس برنت، معركة قانونية مكثفة الآن لإنقاذ المكتبات العامة المحلية، صارت طليعة لجهود مماثلة فى أنحاء البلاد. وفى 29 ديسمبر، قام ضباط الشرطة بصد المتظاهرين مرة أخرى خارج مكتبة بريستون بينما أزال مسئولون بالمجلس المحلى جميع كتبها، فى تجاهل لملصق قريب يصور سانتا كلوز، يخرج من رأسه فقاعة كلام مكتوب تقول: «لا تعتمد علىّ، أعد إلى الأطفال كتبهم مرة أخرى». ومنذ أبريل 2011، هناك 423 مكتبة إما مغلقة بالفعل أو بسبيلها للإغلاق وهو ما يقرب من 10 فى المائة من جميع المكتبات العامة فى بريطانيا.
وفى برنت، يتم الترويج لهذه الخطوة بين الجمهور باسم «مشروع تحويل المكتبات». وسيتم إغلاق ست من 12 مكتبة عامة فى برنت، وبعد ذلك سوف يستخدم المبلغ المتوفر والذى يقال إنه أكثر من 1.5 مليون دولار لتحسين المكتبات المتبقية، وإنشاء مكتبة افتراضية وفتح «مكتبة هائلة». وسوف تبلغ تكلفة المبنى الجديد أكثر من 4.6 مليون دولار، وهى النفقات التى ينبغى أن تدفع كل من يدعو إلى ضرورة اتخاذ قرارات صعبة فى هذا العصر من التقشف إلى التوقف، الذى قد يتحول إلى الوجوم بمجرد أن تدرك أن مجلس برنت دفع 460 ألف جنيه استرلينى للاستشاريين فى مارس 2011، وهو نفس الشهر الذى أوصى فيه المسئولون بإغلاق جميع المكتبات. فوداعا للتقشف، ومرحبا بالتحول.
وبطبيعة الحال، ستكون خسارة نصف مكتبات المجلس تحولا. لكن الكلمة عادة ما تعنى تغييرا للأفضل، ومهما كان ذلك رائعا فإن إنشاء مكتبة هائلة لن يقدم فائدة تذكر لأولئك الذين يعيشون على بعد أميال. وخلال عملية التشاور فى بداية عام 2011 قال تسعين فى المائة من المستخدمين الذين شملهم الاستطلاع أنهم يذهبون إلى مكتباتهم سيرا على الأقدام، ومن الواضح أن نقل تلك المكتبات إلى مسافة يصعب قطعها سيرا، سوف يحد من إمكانية الوصول إليها.
ويبدو أن هذه الحقيقة البسيطة غابت عن رئيسة مجلس برنت، آن جونز، التى بررت اغلاق المكتبات فى المنطقة على أساس أن أسعار الكتب ليست مرتفعة، وأن الجميع يمتلكون بالفعل أجهزة الكمبيوتر وسوف يمتلكون قريبا جهاز قارئ الكتب الإليكترونى. وزعمت أن جميع سكان مجلس برنت يستطيعون الدخول إلى المكتبة الافتراضية.
فبالإضافة إلى أن هذا القول يتجاهل عدد من يذهبون إلى المكتبات بالتحديد من اجل استخدام أجهزة الكمبيوتر العامة، فإن المرء ليتساءل عما إذا كانت جونز تعتقد حقا انه من المرغوب فيه قراءة الحرب والسلام أو تان تان حتى على الشاشة. أما بالنسبة لقارئ الكتب الإلكترونى: يعتبر برنت بين أكثر المجالس حرمانا فى بريطانيا. وتعتبر فكرة أن الناس الذين يحجمون عن زيارة المكتبة بسبب تكلفة أجرة الحافلة، سرعان ما سيغرقون فى أجهزة كيندلز وآى باد، فكرة أكثر خيالية من الاعتقاد بأن سانتا كلوز يمكن أن ينقذ مكتبة عامة.
●●●
ويتزايد الآن عدد المتظاهرين فى الوقفة الاحتجاجية خارج مكتبة كينسال رايز، الوحيدة من بين المكتبات التى أغلقت فى برنت التى لم يتم إفراغها بعد. وقد افتتحها مارك توين فى عام 1900. وكتب ذات مرة: «إن المكتبة العامة أكثر ديمومة من النصب التذكارية، وهى أكثر أثر يحفظ حدثا أو اسما أو عاطفة. لذلك فقط، تحظى باحترام فى الحروب والثورات، وتنجو منها» لكنها على ما يبدو، لا تحظى بقدر كبير من احترام المجالس المحلية، وقد لا تنجو منها.