مجلس النواب يوافق على إرجاء تطبيق قانون الإجراءات الجنائية إلى أكتوبر 2026    إسقاط الجنسية المصرية عن شخص لالتحاقه بالخدمة العسكرية بدولة أجنبية    جامعة بني سويف ال 7 محليا و99 عربيا في تصنيف QS    عزام : الثقافة المالية ضمن استراتيجية البورصة لتوعية المستثمرين    350 مليون دولار استثمارات هندية بمصر.. و«UFLEX» تخطط لإنشاء مصنع جديد بالعين السخنة    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    الجريدة الرسمية تنشر قرارين لرئيس الوزراء    كامل الوزير: المصانع المصرية جاهزة لتصنيع القطار السريع بعد الانتهاء من عربات المترو والسكة الحديد    قافلة المساعدات ال51 من «زاد العزة» تواصل التحرك إلى قطاع غزة    لقاءات لوزير الخارجية مع الإعلام الأجنبي لاستعراض جهود مصر في إنهاء الحرب في غزة    الهلال الأحمر المصري يدفع ب10 آلاف طن مساعدات إغاثية عبر قافلة «زاد العزة»    موعد مباراة الأهلي وإيجل نوار البوروندي في دور ال32 بدوري أبطال إفريقيا    سعد شلبي يكشف كواليس استعدادات الأهلي للانتخابات    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    حالة الطقس اليوم الخميس 16 أكتوبر 2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    المؤبد لفران وصاحب مغسلة بعد إدانتهما بالاتجار في المواد المخدرة    السيطرة على حريق داخل مزرعة دواجن بالفيوم دون إصابات    مهرجان البحر الأحمر يكشف قائمة الأفلام القصيرة الدولية المشاركة في دورته الخامسة    مهرجان الموسيقى العربية ينطلق اليوم بصوت آمال ماهر    ظهورها أثار الجدل.. من هى الفنانة عزة سعيد؟    «التعاون الصحي وصناعة الدواء».. قضايا هامة على طاولة وزيرا الصحة المصري والسعودي    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    الأولى من نوعها.. جامعة أسيوط تنجح في أول جراحة باستخدام مضخة "الباكلوفين" لعلاج التيبس الحاد بالأطراف    «رجال يد الأهلي» يتحفز لتخطي «البوليس الرواندي» في بطولة أفريقيا    حلقات ذكر ومديح وانشاد في الليلة الختامية لمولد "السيد البدوي" بمدينة طنطا    كصاب ونيومي يؤكدان: نحن مدعوون لأن نكون شركة أمل وسط عالم مضطرب    العنف ضد المرأة وآثاره النفسية والاجتماعية في ندوة بكلية التمريض جامعة بنها    ضبط 2 طن دقيق مدعم قبل تهريبه وبيعه في السوق السوداء بالعريش    ضبط شخصين بتهمة استخدام أحد التطبيقات الهاتفية للترويج لممارسة أعمال الفجور بالجيزة    صدر الآن| قرار جمهوري من الرئيس السيسي والجريدة الرسمية تنشره    ضبط 6 قضايا تجارة عملة في القاهرة خلال 24 ساعة    حصاد زيارة الشرع لروسيا.. ومصير الأسد في يد بوتين    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 24 فلسطينيا في الضفة    مجلس النواب يوافق على استقالة عبد الهادي القصبي ويعلن خلو مقعده    بعد توقف 7 سنوات.. انطلاق الدورة الرابعة من معرض الأقصر للكتاب    مجلس الوزراء يكشف اللمسات الأخيرة قبل افتتاح المتحف المصري الكبير    الصور الأولى من تحضيرات غادة عبد الرازق لمسلسل "عاليا" مع محمد رياض وصبري فواز    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 16اكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    شوقي علام: سأنضم للجنة الشئون الدينية بالشيوخ لمواصلة الجهد الوطني في مجال الدعوة    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الخميس 16-10-2025 في محافظة قنا    محافظ الفيوم: تكثيف الجهود لإنهاء ملفات التقنين والتصالح والمتغيرات المكانية في المواعيد المحددة    صفقة تبادلية بين الزمالك وبيراميدز؟ شوبير يكشف الحقيقة    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    فنزويلا تدين العمليات السرية الأمريكية: انتهاك للقانون الدولي    شبكة بريطانية تحذر منتخبات كأس العالم 2026 من ثنائية محمد صلاح ومرموش    سياسي ألماني: نزع سلاح حماس شرط أساسي لتحقيق السلام في غزة    أغذية الشتاء الذهبية.. 10 أطعمة تمنحك الطاقة والمناعة والدفء    كوريا الجنوبية.. عودة خدمة "يوتيوب" للعمل بشكل طبيعي بعد انقطاع مؤقت    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 16كتوبر 2025    دوري المحترفين.. «وي» يواجه الترسانة في الجولة التاسعة    ننشر أسماء مرشحي انتخابات النواب 2025 بالفيوم بعد غلق باب الترشح    مشكلة الميراث    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    أسعار التذاكر بعد حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    أوسكار يجتمع مع حكام تقنية الفيديو بعد عودته من تشيلي    أحمد الجندي: هدفي ذهبية أولمبياد لوس أنجلوس.. وظروف طارئة منعتني من التواجد بقائمة أسامة أبوزيد في نادي الشمس    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عَلَى دَربِ عِيدٍ بَعِيدْ

قريبًا من ذكريات حميمات يذوب طعمها فى الروح كلما زادت أيامُ العمر واشتعل الرأس شيبًا، وبعيدًا عن أى ضجيجٍ لمَدِينة، فى واقعنا الذى خبزَ التطور مُدُنَهُ، بأيادٍ قاسيات العَجّنِ والوَجَعْ، كان صباح كلُ عيدٍ، يحملنى رُفقة والدى الشيخ الجليل إلى القرية، لمْ تَكنِ الرحلة للوالد مجرد عَمَلٍ يؤديه لقاء ما تحملهُ له خزينة الأوقاف من جنيهات نظير الخُطبة، كما لم تكن بالنسبة لى مُجرَّدَ فُسحةٍ تبدأ بركوب (الأوتومبيل) العتيق من الموقف القديم بقلب مدينة (دمنهور)، وإن كان مجرد هذا الفعلِ فى حد ذاته يُمثِلُ حدَثًا يُروى فى أحاديث الفخر بين أقرانى من الأحداث (ركبنا أوتومبيل كان لونه بيبرق وواسع من جوه وسريع جدًا وقعدت جنب الشباك أو جنب السواق الذى عرفنى على كل شيء فى العربية).
مُنذ تفتح وعيى على الحياة، ولأيام الجُمَع والأعياد قداستها فى طقوس الوالد الشيخ أمد الله فى عمره، تجاوزت علاقته بالمنابر العقود الستة، غير أن طوارئ يوم الجمعة والأعياد لا تُضاهيها طوارئ، وطالما سألتُ نفسى (كيف لمن يعتلى المنبرَ كل أسبوعٍ أن يحمِلَ ذات التوتر الدورى معه؟، كيف لا تكسر رتابة الأداء توتر الإعداد؟)، ولم تقدنى الإجابات يومًا إلا إلى خانة المسئولية، إنها التى كانت تحملنا للمشى من (الموقف القديم) حيث لا عربات تتحرك بعد صلاة الفجر، وهو ما يعنى البحث عن عربة عند مدخل دمنهور من ناحية كوبرى (أبو الريش)، فى الطريق يُراجع الشيخ خطبته التى سطر عناصرها فى ورقة يحملها إلى جوار منديله القماش، فيما أُتابع الأشجار التى تتحرك فى طبقات ظلام ليل يرحل، ترسم لوحاتها فى فضاء الطريق، أُفَتِش بينها عن المئذنة الصفراء العتيقة لمسجد (السلانكلي) التى تُخبرنى بأننا على وشك الوصول، وعادةً ما تُسيرنا حسابات الشيخ لنصل المسجد مع ميقات صلاة العيد، هكذا علمنى (فى العيد يصل الإمام مع موعد الصلاة)، كُنَّا إذا ما يسرت المواصلات وصولنا قبل الموعد بقليل نتلكأ فى مسيرنا عبر المسافة الصغيرة بين المحطة والمسجد، وكان رجال القرية كلهم يقفون بجلابيبهم وطواقيهم على أبوابه فى انتظار الدخول خلف الشيخ، بينما أطفالها يستثمرون وقت الانتظار فى اللعب حول المسجد، كما كان يجلس حلاقو القرية يمارسون مهامهم لمن فاتته الحلاقة يوم وقفة العيد، وبمجرد دخول المسجد تختلط نسماتُ هواء العيد الطازجة مع أنواعٍ متعددة من (الكولونيا)، ويصطف الجميع خلف الشيخ فيما أُختصُ بالوقوف مع الكبار فى الصف الأول كونى ابن الشيخ، ومع تكبيرات الصلاة تعلو أصوات الحضور مرددة بنشاط وفرحة
تنتهى صلاة العيد فى القرية الصغيرة الملاصقة لقريتنا (شرنوب)، لتبدأ طقوس عيد خاصة، فبمجرد انتهاء الخطبة يخرج كل من فى المسجد ويصطفون فى طابور طويل، بينما يكون على الشيخ أن يخرج وخلفه كبار رجالات القرية ليُصافحوا أهلها مهنئين بالعيد، وبالطبع لكونى ابن الشيخ يُسمح لى بالسير معه ومصافحة الخلق، وعادة ما كانت المصافحة مقرونة بالتقبيل، كان للأيادى قلوب تحركها، وكان للمصافحة طرح ودٍ فى الكفوف. وتنتهى طقوس القرية فى عقب صلاة العيد، ورغم كلِ محاولات الأهالى دعوة الشيخ إلى الإفطار، إلا إنه كان يعتذر ليتمكن من استكمال طقوس صباح العيد فى قريتنا (شرنوب)، إذ نتوجه مباشرة إلى مقابرها، حيثُ عيدٌ آخر رغم كونهِ على المقابر، سريعًا يُصافح الوالد الشيخ من ودَع عزيزًا خلال العام المُنصرم.
مع عصر أول ايام العيد، كانت مُهمتنا فى قريتنا تنتهى لنبدأ التحرك صوب المحطة ليحملنا (أوتومبيل) إلى البيت، عادة ما كنت أركب سيارة العودة، حاملًا عددًا من أوراق مالية جديدة فئة خمسة وعشرة قروش، أتحسسها لأتأكد من كونها لم تسقط أثناء المرجحة على أرجوحة صنعت من حبل بين شجرتين، أو عندما رميت نفسى عن الحمار الذى أخافنى اندفاعه فى الركض، أو حين كنت مع أبناء عمومتى نلعب فى تلال التبن، أتحسس عيدياتى الجديدة، وبعض خدوشٍ تركها اللعب فى القرية على ركبتي، أقلق من رد فعل أمى بسببها، لكنى أعوِّل على كونه العيد وبالتأكيد لن يكون غضبها عليَّ شديدا، وهكذا أعود إلى مدينتنا الصغيرة تاركًا عيد قريتنا الذى انقضى على ساعاته القليلة، ناحتًا على جدران الروح ملامحَ إنسانٍ كان قادرًا على صناعة عيده وفرحته بين مسجد وقبر وجرنٍ ومندرة، وهكذا صار العبد لله كل عيد يُغمض عينيه لتحمله الذكرى إلى درب عيد باتَ بعيدًا رغم أن إنسانه واحد، ليبقى بعدها سؤال ما الذى تغير فى عيدنا هل العيد أم الإنسان أم الأوطان؟ إنه السؤال الذى ينبغى أن نفتش عن إجابته علها تصل بنا إلى طعمِ عيد تحن إليه أرواحنا ... فاللهم عيد.
لمزيد من مقالات ◀ عبد الجليل الشرنوبي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.