مولد "سيدى سرحان"..كانت تحتفى به قريتنا الصغيرة ..حين كنا صغارا .. ثم توسعت رقعتها على مدى السنوات التى زادت فيها خطوط الزمن على الوجوه..كانت "دلهمو"..قريتنا الأزهرية المتدينة بفطرتها.. تتسابق إلى الإعداد لإقامة مولد سيدى سرحان . ويمر الموكب على البيوت يرغبنا فى البركات نتيجة ما يخرجه كل بيت..ويحذرنا ضمنيا مغبة التقاعس عن العطاء بما تجود به النفس, حتى لو كان الفقر المدقع يمثل أحد أفراد البيت ..وتسهر القرية رجالا ونساء وأطفالا على حلقة الذكر الملتفة حول المنشد حتى مطلع الفجر..ونفيق نحن الصغار الذين ناموا أثناء إحياء الليلة على أشعة الشمس.. ينتفض الصغار سريعا.. فينفضون التراب عن وجوههم ويذهبون إلى المسجد يصلون ..ثم إلى دورهم فيفطرون ..ثم إلى الكتاب ينطلقون. من مولد سيدى سرحان إلى مولد سيدى على أبو شوشة ولى قرية كاتبنا سميح شعلان رئيس تحريرسلسلة الدراسات الشعبية بهيئة قصور الثقافة ,تأخذنا الدكتورة سعاد عثمان الأستاذ بكلية البنات جامعة عين شمس مطوفة بنا فى رحلة بحثية حول موالد الأولياء من خلال كتابها الجديد الذى أصدرته الهيئة مؤخرا تحت عنوان "النظرية الوظيفية فى دراسة التراث الشعبى ..دراسة ميدانية لتكريم الأولياء فى المجتمع المصرى". تأتى هذه الدراسة فى جزءين , يزيد عدد صفحاتهما على 1200صفحة, نظرا لكثافة المعلومات التى أوردتها الباحثة من تفاصيل تدور حول الأولياء فى مجتمعنا, حيث ترصد الوظيفة الاجتماعية للاعتقاد فى الأولياء ودورالمولد فى تقوية شعور الفرد بانتمائه القبلى وترسيخ ارتباط المعتقد بالبناء الاجتماعى. يتناول الجزء الأول من الدراسة عرضا تاريخيا لتطور مفهوم مصطلح "وظيفة " عند علماء الاجتماع العرب والأجانب ,واستخدام العلوم المختلفة له , وانتشاره فى عدد من دول العالم . مع استعراض نقدى لعدة دراسات حول الموالد ومواعيدها وظروف إقامتها والفئات المشاركة فيها , والنذور والطواف بالأضرحة والأمراض التى يعالجها كل ولىّ وفقا للمعتقد الشعبى مركزة على حى الخليفة بجنوب القاهرة. ويتناول الجزء الثانى الطقوس والممارسات الدينية لظاهرة تكريم الأولياء, وتشمل إقامة الحضرات وحلقات الذكر والدعاء والخطب. بالإضافة إلى الأنشطة غير الدينية المرتبطة بالظاهرة, كالنشاط الاقتصادى من طعام وشراب , والاجتماعى مثل الختان والوشم والحلاقة وتأجير الأماكن للمبيت , وجمع الهبات والنذور, فضلا عن النشاط الترويحى والفنى, مثل زيارة المولد وضريح الولى ومشاهدة الموكب وبعض مظاهر الزينة المنتشرة فى الموالد وألعاب الأطفال والمراجيح ولعبة النيشان وحمل الأثقال وكمال الأجسام والمسارح والراوى الشعبى والمداحين. ولاننسى النشاط العلاجى ,حيث تشكل زيارة الضريح بهدف الشفاء من المرض عند بعض الأفراد جانبا مهما للزيارة إن لم يكن أساسا, فهناك حسب معتقدهم أولياء متخصصون فى علاج أمراض محددة, فالشيخ فلان يعالج أمراض الأطفال والآخر يعالج العيون..والثالث يخرج الجان .. وهكذا. لكن هناك ملمحا سلبيا رصدته الدكتورة سعاد حول الأنشطة المحظورة التى تقع فى الموالد, مثل السرقة والتسول والقمار بأشكاله المختلفة وبيع وتعاطى المخدرات والانحرافات الجنسية..وبالإضافة إلى ذلك فإن الموالد تكون مناسبات أيضا للانتشار الخفى للبغايا المحترفات.كما أنها فرصة لانتشار المعاكسات والتعرض للنساء فى الطرق العامة والتلفظ بعبارات تخرج عن آداب السلوك العام.