الشراكة التى جمعت بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية (حكومة تسيير الأعمال) بنيامين نيتانياهو لم تكن شراكة هينة، استطاع كل منهما أن ينهل منها بقدر استطاعته لصالح مشروعه الشخصى أولاً. عوامل التقارب بين الرجلين لم تنل القدر الذى تستحقه من البحث والدراسة المعمقة، وربما تكون الأشهر القادمة من الآن وحتى إجراء الانتخابات العامة الجديدة التى تقرر إجراؤها فى إسرائيل يوم 17 سبتمبر القادم، بعد أن فشل نيتانياهو فى تشكيل حكومته الجديدة منذ تكليفه بتشكيلها من جانب الرئيس الإسرائيلي، فرصة لإجراء مثل هذه الدراسات وبالذات من جانب المتضررين من صعود نيتانياهو غير المسبوق وتطلعهم لإزاحته سواء كانوا من حلفائه داخل تكتل الليكود اليمينى وهم كُثر خاصة كل من جدعون ساعر وإسرائيل كاتس ويولى ادلشتاين، وجلعاد أردان كل منهم يتطلع لزعامة الليكود ويعتقد أن بقاء نيتانياهو على رأس الزعامة هو الذى يحول دون ذلك، أو منافسه الأكبر على طول الساحة السياسية الإسرائيلية وعرضها افيجدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، ولا يغيب زعماء المعارضة الإسرائيلية من يسار الوسط واليسار الحريصين على إعادة فرض اليسار قوة سياسية حاكمة فى إسرائيل وبالذات زعماء أحزاب: «أزرق أبيض» والعمل وميرتس عن هذه المهمة بالطبع فهم المنافسون التقليديون الذين دفعوا أثمان صعود زعماء اليمين وخاصة بنيامين نيتانياهو. إذا كان كل هؤلاء أصحاب مصلحة فى معرفة عوامل وأسباب التقارب بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وبنيامين نيتانياهو فإنهم الآن أضحوا فى موقف أفضل بسبب التطورات المتلاحقة على صعيد المستقبل السياسى لكل من ترامب ونيتانياهو. نيتانياهو يواجه الآن تهديدين كل منهما كافٍ لإنهاء حياته السياسية، أولهما، أن يقدم للمحاكمة- القضائية، ويواجه عقوبة السجن قبل أن يتمكن من تشكيل حكومة جديدة، فى حالة ما إذا كان قد فاز حزبه بالأغلبية فى الانتخابات العامة المقبلة. فموعد إجراء هذه المحاكمة هو أكتوبر القادم، والانتخابات ستجرى 17 سبتمبر، أى أن نيتانياهو، إن فاز بالأغلبية، لن يكون وقتها رئيساً للحكومة لأنه سيحتاج شهرين على الأقل لتشكيلها أما إذا كان قد فشل فإن المحاكمة ستكون مؤثرة، خاصة أنه فشل فى إصدار «قانون الحصانة القضائية» الذى يمنح عضو الكنيست حصانة تلقائية تحول دون محاكمته، وعلى تقييد صلاحيات المحكمة العليا بشأن إلغاء قرارات الكنيست. أما التهديد الثانى فهو الفشل فى الانتخابات القادمة، سواء بسبب نجاحات متوقعة للمعارضة أو لتحالفات انتخابية أو لتبدل جوهرى فى مواقف الرأى العام، أو لهذه الأسباب كلها عندها ستكون حياة نيتانياهو السياسية قد انتهت. وفى هذا المعنى كتب «تسفى برئيل» فى صحيفة «هاآرتس» يقول أنه إذا كانت إسرائيل تواجه تهديدات حقيقية سواء من حماس والجهاد الإسلامى أو حزب الله أو الوضع الجديد فى سوريا، أو الأزمة المتفجرة بين إيران والولايات المتحدة فى الخليج التى ستجرها حتماً كطرف أصيل فى أى حرب ضد إيران فإن «التهديد الأكثر خطراً هو غياب سلطة إسرائيلية موثوقة تستطيع إيجاد طريقها بين كل هذه الألغام». ويوضح ذلك بقوله إن الدولة الإسرائيلية «يديرها رئيس حكومة ووزير دفاع (هو نفسه نيتانياهو) قدماه مكبلتان بملفات قضائية»، ويخلص إلى أنه «من المحظور إبقاء أمن الدولة فى أيدى من موقفه موزع بين همومه الشخصية وهموم الدولة، وكل قرار يتخذه فى مجال الأمن، حتى ولو كان صائباً، سيبدو كمناورة تستهدف خدمة مصالحه الشخصية. هذا الشخص الذى أثبت أنه لا يرتدع عن اتخاذ أى خطوة من أجل إنقاذ جلده، غير صالح لمواجهة التهديدات التى تقف على أعتاب الدولة». هموم ترامب لا تقل عن هموم نيتانياهو، فهو الآخر يصارع من أجل مستقبله السياسي، وإذا كان قد كتب أنه سيعلن ترشحه لولاية رئاسية ثانية فى 18 يونيو الحالى من أورلاندو بولاية فلوريدا، فإنه يفعل ذلك على وقع دعوات متزايدة يطلقها قادة الحزب الديمقراطى لعزله من منصبه الحالى كرئيس للجمهورية، ومن ثم عدم تمكينه من خوض تلك الجولة الانتخابية التى يأملها، على خلفية تصريح للمحقق الخاص روبرت مولر حول تحقيقات التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية لصالح ترامب عام 2016، حيث صرح مولر (29/5/2019) بأن «سياسة وزارة العدل تمنعه من اتهام رئيس يمارس مهامه بجريمة»، مشيراً إلى أن «الدستور يتطلب عملية خارج نظام العدالة الجنائية لتوجيه اتهام رسمى لرئيس حالى بارتكاب مخالفات» فى تلميح إلى أن الكرة باتت فى ملعب الكونجرس لاتخاذ المبادرة بهذه المحاكمة، الأمر الذى وجد أصداء قوية خاصة داخل مجلس النواب حيث الأغلبية للديمقراطيين، فقد أكدت نانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب الأمريكى أن «خيار مساءلة الرئيس ترامب تمهيداً لعزله لم يستبعد من على الطاولة، لكن ينبغى أن تكون القضية دامغة قبل أن يتناولها مجلس النواب»، ومؤكدة أن «لا شىء مستبعد من على الطاولة». ترامب معرض لاحتمال العزل إذن، وإذا لم يُعزل فإن الضجيج الذى سيصاحب تلك الحملة سيؤثر حتماً على فرص نجاحه فى الانتخابات القادمة خاصة إذا كان حليفه بنيامين نيتانياهو قد غادر موقعه كرئيس للحكومة الإسرائيلية وحل محله شخص آخر سيكون أكثر ميلاً للقصاص من ترامب ودعم المرشحين المنافسين بسبب انحيازات ترامب لشخص نيتانياهو، ما يعنى أن الكتلة التصويتية اليهودية سوف تواجه انقساماً بين ترامب ومنافسيه، وهذا سيؤثر حتماً على فرص نجاحه، فى وقت ستلاحقه حتماً ملفاته الفاشلة وصراعاته مع الحلفاء الأوروبيين وصدامه مع الصين، ناهيك عن الفشل المؤكد لمشروع «صفقة القرن» سواء بسبب الرفض الفلسطيني، والانقسام العربى أو بسبب فشله فى إدارة الأزمة مع إيران على النحو الذى روج له واضطراره للتراجع عن خيار التصعيد بالحرب أو بسبب الأزمة السياسية المتعاظمة الآن داخل إسرائيل بعد حل الكنيست، وكلها معالم تؤكد أن الأحلام بدأت تتداعى فى وقت كان يتوقع فيه الكثيرون أن هذا هو زمن «الفرص التاريخية». لمزيد من مقالات ◀ د. محمد السعيد إدريس