أنا رجل فى التاسعة والستين من عمرى، ولم يخطر ببالى قط أن أبعث بمشكلة تخصنى إليك برغم كثرة أزماتى ومتابعتى بابك الشهير منذ سنوات بعيدة، وها هو الوقت قد حان لاطلاعك على ما أعانيه، والذى حاولت كثيرا التغلب عليه بنفسى كما تعودت فى كل مشكلاتى، فالمسألة صعبة وأكبر مما كنت أتصورها، ودعنى أروى لك حكايتى منذ البداية، حيث تزوجت زواجا تقليديا من بنت أحد الجيران، وهى تصغرنى بأربعة عشر عاما إذ رشحتها لى أسرتى، وقد جمعتنا بأهلها الألفة والمحبة، فأسرتانا تتسمان بالبساطة، ونعيش معا حياة جميلة ومستقرة، وتوسمت فى فتاتى الجمال والاحتشام والأخلاق الحميدة، وسارت بنا الحياة فى هدوء، ثم بمرور الأيام أحسست أن فارق السن يقف حائلا بيننا فى كثير من الأمور الزوجية، وأنها لم تكن راضية عن زواجنا، لكنها «تدارى» عنى ذلك لكى تسير الأمور، وقد رزقنا الله بثلاث بنات وولد، وكرست حياتى كلها لتربيتهم وتعليمهم، وتزوجوا جميعا وصارت لهم بيوت مستقلة. والحقيقة أننى لم أشعر بمشكلات مادية تذكر إلا عند تجهيز البنت الصغرى للزواج، إذ لم أجد مفرا من اقتراض مبلغ كبير من أحد البنوك، وأوفيت بمتطلبات ابنتى اللازمة لزواجها، لكن زوجتى أدخلتنى فى دوامات كثيرة، وأرهقتنى بكلامها المستمر عن أن زيجة ابنتنا سوف تفشل لأننا لم نشارك فيها بالقدر المناسب لما يشارك به أهل عريسها، ووجدتنى فى حيرة بالغة بين التوقف عن الصرف المبالغ فيه مع ما قد يترتب على ذلك من فسخ الخطبة، أو الاستمرار إلى النهاية متحملا مبالغ مادية لا طاقة لنا بها، وأخيرا أتممنا كل شىء وانتقلت ابنتنا إلى بيت الزوجية. ولم تمر أيام حتى انقلبت حال زوجتى رأسا على عقب، فلم تعد مطيعة لى، وراحت تفتعل أى أسباب تافهة لإثارة المشكلات، وهجرتنى إلى غرفتها الخاصة، وصارت العبارة الوحيدة التى ترددها بمناسبة وبدون مناسبة هى «ليس لك سوى الأكل والغسيل، ويكفينى أننى أديت مهمتى نحو الجميع، وإذا لم يعجبك كلامى، طلقنى فورا».. وعندما سمعت طلبها هذا أصبت بصدمة شديدة، وفكرت كثيرا فى الأسباب التى دفعتها إلى ذلك بعد العشرة الطويلة بيننا والتى تصل إلى سبعة وثلاثين عاما، ومع ذلك لم أرد عليها، ولم أجد من ألجأ إليه سوى والدتها وهى سيدة عجوز، فإذا بها تقول لى: «إنت بطل يا ابنى.. وكتر خيرك إنك صابر عليها, وربنا يهديها وتفوق من اللى هيه فيه». وذات يوم حاولت أن أعرف ما الذى يضايقها منى، فردت علىّ بغلظة «إنت اديت كل الأولاد حقوقهم.. فأين حقى؟، فليس لدىّ ذهب مثل الموجود مع الأخريات ممن هن فى مثل ظروفنا، وأين سيارتنا الخاصة؟، وأين عفشنا الجديد؟، فما نسكن فيه قديم ومتهالك».. وضغطت علىّ لشراء أجهزة منزلية حديثة، واضطررت إلى شراء بعضها، برغم أن أسعارها مغالى فيها، ومع توالى الضغوط علىّ قلت لها: «لو أنك لا ترغبين فى استمرار معيشتك معى، اخلعينى»!، فردت علىّ: «مش قبل ما آخد حقى كاملا منك»!.. وتصاعدت وتيرة الخلافات وتدخل أبناؤنا لوضع حد لها حتى لا يشعر بنا الآخرون، ونحن الذين عشنا حياتنا كلها دون أن يعرف أحد عنها شيئا، وحاولوا إثناءها عن موقفها منى، ولكن هيهات، فلقد ازدادت تعنتا ضدى.. وإزاء الديون التى تراكمت علىّ وحاصرتنى من كل جانب، لم أجد مفرا من أن أعرض على صاحب المنزل الذى نقيم فيه أن أترك له الشقة مقابل مبلغ كبير، وسددت ديونى، وهنا أصرت على الطلاق وأخذت حقها غير منقوص، ورحت أبحث عن شقة بالإيجار الجديد ففوجئت بما لم يكن فى الحسبان، وهو أن مطلقتى تمتلك شقة جديدة اشترتها باسمها، وأثثتها بعفش جديد، وبعثت رسائل إلى أبنائنا، بل وشقيقتها بأنها اشترت شقة باسمها ولم يسأل أحد عن مصدر مالها، وهى لا تعمل ولا تملك شيئا، وإنما نهبت أموالى، وابتزتنى على مدى سنوات، وأنا غافل عما تصنعه، وعرفت بعد فوات الأوان من ابنتى الصغرى أنها كانت تبلغنى بثلاثة أمثال سعر كل جهاز أو سلعة تشتريها، وتوهمنى بأنها أسعار جديدة، وفقا لمتغيرات السوق وماركات الأجهزة. ووجدتنى بين يوم وليلة مضطرا لامتهان عمل شاق بالأجر اليومى، ولا يتناسب مع صحتى ووضعى السابق، وأيضا سنى الكبيرة، وأضطر إلى النوم فى المصنع بعد انتهاء العمل، ولا يبدو فى الأفق أى أمل لأن أستقر فى سكن وعمل مناسب.. لقد بدأت مطلقتى حياتها معى كأنها ملاك يمشى على الأرض، ثم تحولت إلى وحش كاسر، وتآمرت مع نفسها ضدى، فكانت مؤامرة قاسية لم أفق منها، ولا أظننى سأفيق منها، فما أصعب الغدر من زوجة يعيش فى داخلها شيطان، وتحركها أهواؤها، ويكون اكتشاف أمرها بعد فوات الأوان.. إننى أتعذب وأتساءل ليل نهار: ما الذى يدفع أى زوجة إلى أن تصنع بزوجها هذا الصنيع، وهما فى سن الجلال والاحترام كما تصفه دائما فى ردودك؟. ولكاتب هذه الرسالة أقول: تعتمد علاقة كل زوجين بينهما فارق كبير فى السن على توفير الطرف الأكبر عمراً مستوى اقتصاديا أفضل بالنسبة للأصغر سناً، ولذلك فإن حدوث أى هزة إقتصادية للشريك الأكثر ثراء ينتج عنها على الفور تململ وغضب لدى الطرف الأصغر سناً، الذى يشعر أنه قد دفع ثمناً كبيراً من عمره وشبابه دون أن يحصل على الأمان المادى والإستقرار الذى كان يتوق إليه، وبطبيعة الحال، فإنه فى منتصف العمر تتراكم المشكلات والخبرات القاسية، ويصبح الأزواج أقل ثقة فى وجود المعانى الجميلة بهذه الحياة، ويصيرون أقل مرحاً وحيوية وقدرة على تحمّل المتاعب اليومية، وفى الشيخوخة يصيبهم القلق على حالتهم الصحية والأمان المالي، ولا يتحمسون لأى شيء كما كانوا يفعلون فى الماضي، ويفقدون طاقتهم وحيويتهم إلى الأبد. إن هذا هو ما حدث بالفعل لزوجتك، ولكنها لم تتصرف التصرف الطبيعى، بمناقشة مشكلاتكما بهدوء، ومصارحتك بمخاوفها من حالتك المادية المتردية بعد بلوغك سن المعاش، والسعى معا للوصول إلى حل مشترك قائم على وعى بأموركما، وإنما لجأت إلى نهب مالك بالمغالاة فى أسعار الأجهزة التى اشترتها لعفش ابنتكما الصغرى، والأجهزة المنزلية الخاصة بكما لزوم تجديد أثاث منزلكما، وكان هدفها استنزافك، واضطرارك إلى التخلى عن شقتك لصاحب المنزل مقابل مبلغ كبير، ومن ثم تجد ذريعة لطلبها الطلاق منك، وما فعلته حرام شرعا، فلا يجوز أن تأخذ الزوجة شيئًا من أموال زوجها دون علمه، ما لم يكن شحيحًا لا ينفق عليها أو على أولادهما بما يكفيهم، فإن كان كذلك جاز لها أن تأخذ من ماله دون إذنه، فإنفاق الزوج على زوجته وأولاده واجبٌ شرعاً، ويدخل فى ذلك المسكن المناسب، فتأمينه من واجبات الزوج، ويدل على ذلك قوله تعالى: «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (البقرة233)، وقوله تعالى: «لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ» (الطلاق 7). ولابد أن يتفاهم الزوجان على القضايا المالية، حتى لا يؤثر خلافهما على حياتهما الزوجية، ويجب على الزوج أن يحفظ حقوق زوجته، ومن المعلوم أنه فى حالاتٍ كثيرةٍ تُسهم الزوجةُ الموظفةُ فى بناء بيت الزوجية وتأثيثه ونحو ذلك، دون أن توثق الزوجةُ مساهمتَها لإثبات حقها، ومن ثمّ يجب توثيق العلاقات المالية بين الزوجين، ولا يُعتمد على عامل المحبة والمودة بينهما، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ…وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا» (البقرة 282)، ويجب أن يعلم الزوجُ أن مال الزوجة محرَّمٌ عليه إلا برضاها لقوله تعالى: «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا» (النساء4)، وإذا شاركت الزوجةُ زوجها فى مشروع أو بيت أو نحوهما، فحقها ثابتٌ بمقدار حصتها، وإذا قدمت له مالا على سبيل القرض، فلها أن تسترده, وإذا وهبته فلا يجوز الرجوع فى الهبة بعد القبض. إن ما فعلته زوجتك بناء على ما ذكرته من وقائع، أمر لا يقرها عليه أحد، وعليها أن تفيق من غيها وظلمها لك، ولأولادك دور كبير فى ذلك بتقريب المسافات بينكما، وأرجو أن تراعى الله فى تصرفاتها معك، وعلى الباغى تدور الدوائر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.