من منا لا يمرح أو لا يعشق المرح؟.. إلا أن المشكلة هى أن المرح هذه الأيام لم يعد مبهجا بل صار ماسخا كطعم الفاكهة المحقونة بالهرمونات، أو كطعم العصائر المحفوظة تتجرعها فلا تترك فى حلقك إلا لسعة حامضة كالمرارة. السر الذى لا نعرفه هنا هو أن للمرح، كأى مجال آخر من مجالات الحياة، أصولا وقواعد يجب اتباعها والالتزام بها حتى نحصل على أكبر قدر من المتعة والبهجة من ورائه.. فكيف إذن نمرح صَح يا ترى؟ (إيضاح مهم: نحن هنا سنتحدث عن المرح التليفزيونى بالتحديد). لكن ما الداعى لهذا السؤال الآن؟ سببه يا سيدى شكوى الكثيرين منا من أن ما يعرضه علينا التليفزيون فى رمضاننا هذا، فى عامنا هذا، من المسلسلات والبرامج والحوارات لم يعد يسلينا أو يبهجنا أو يجعلنا نطلق الضحكة من القلب زى زمان، حتى أن جانبا من الجمهور ليس بالقليل اتجه إلى محطة «ماسبيرو زمان» يبحث فيها عن فردوس استمتاعه المفقود.. فأين الخلل بالضبط؟ وهل العيب فينا أم فى الزمان؟ صدق أو لا تصدق.. إن المسئولية مشتركة. لكن قبل الاسترسال فى هذه القضية الجوهرية الحيوية المحورية التى تؤرق الشباب من الجنسين، دعونا نتفق على حقيقة أساسية لا مِرَاء فيها (مراء يعنى شك).. وتلك هى أن الإنسان منا لا يمكن أن يستمر فى العيش هكذا من دون ضحك وفرح وقليل من الفرفشة بين الحين والحين، فنحن لسنا آلات صماء لا قلب لها. وقد صدق رسولنا الكريم عليه صلوات الله حين أوصانا: روّحوا عن القلوب ساعة فساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت. خلاص؟ لا مراء؟ ماشى.. لا مراء.. طيب ندخل فى الموضوع: القصة يا عمنا أننا أساسا ننظر للتليفزيون وبرامجه ومسلسلاته بشكل يفوق التوقعات، ونحسبه اليقين الإعلامى الذى لا يأتيه الباطل، ولا ينبغى له أن يخطىء، وأنه النور الذى يضىء لنا حياتنا، والمصباح الذى ينير لنا العقول المظلمة. نحن ننتظر دائما من التليفزيون, والإعلام بشكل عام, أن يكونا هما المصدر الوحيد لكل ما هو جاد وحقيقى وصادق ومنضبط وصارم. هذا خطأ منهجى، لأن التليفزيون هو وسيط للتسلية بالقدر نفسه الذى يقدم لنا الجدية والانضباط والصرامة. يعنى إيه؟ يعنى أن الذين يتوقعون من التليفزيون أن يقدم لهم نهجا فكريا يسيرون فيه فى حياتهم هم وأبناؤهم من بعدهم مخطئون.. ويظلمون أنفسهم ويظلمون التليفزيون. يا سادة إن تليفزيونكم منكم وأنتم منه.. وكما تكونون يكون تليفزيونكم. تريد الدليل؟ إليكم إذن هذا المثال: أحد البرامج الرمضانية الذى تستضيف فيه مقدمته نجوم الفن والرياضة يثير لغطا وغضبا لا حدود لهما هذه الأيام.. ثم تنظر فتراه وقد حقق أعلى المشاهدات.. يا عم لمّا البرنامج موش عاجبك بتشوفه ليه؟ آآآآآه.. هنا مربط الفرس. أليس هؤلاء النجوم هم من تكلموا بإرادتهم؟.. هل ضربهم أحد على أيديهم؟ لماذا لم يتركوا التصوير من أول سؤال ( مُحرج)؟.. ولماذا أنت أصلا, عزيزى المشاهد الكريم , لم تمد كفك فتغلق فى وجوههم الشاشة كى لا تسمع أو ترى؟ ثم أليسوا هم نجومك المحبوبين الذين كم هرولت لمشاهدة أعمالهم أم أنهم أتوا بهم من المريخ.. فلماذا إذن تتمرد وتغضب؟ إنهم يحسبون أنهم إنما أتوا لتسليتك أيها الجمهور العظيم وهذا هو نهجهم فى التسلية.. ثم أليس التليفزيون الرمضانى بات عندنا جهازا للتسلية منذ عشرات السنين.. فما الجديد؟ ولماذا تلك الحمقة الكذّابة؟ نعود لموضوعنا الأساسى.. المرح. إنك كى تحصل على أقصى منفعة حدّية إيجابية من لحظات المرح عليك أن تتبع الكاتالوج التالى: أولا: عليك الإيمان بمبدأ مهم لا تتخلَ عنه أبدا هو «يا عمّ إن جالك الفرح انهبه». إن الحياة لا تمنحنا الفرحة كل يوم فلا تتردد فى خطف لحظة الفرحة إن هى أخطأت فأتتك. افرح على الآخر ومن القلب (لكن طبعا فى حدود صحتك ومرتبك وسمعتك وأخلاقك وإلا سينقلب الفرح لا قدّر الله إلى غمّ !). وثانيا: لا تناقش كثيرا أو تشغل رأسك بما تسمع أو ترى.. يعنى ببساطة ( ما تعقدهاش)، لأن إعمال العقل كثيرا فى أوقات المتعة يفسد المتعة. وعلى سبيل المثال وأنت تتفرّج على مسلسل لا ترتدِ عباءة المؤلف ولا المخرج ولا الممثل ولا واضع الموسيقى التصويرية أو مصمم الملابس بل كن مشاهدا وحسب.. فإن لم يعجبك العمل اقلب المحطة. إننا عندما نجعل من أنفسنا نقادا وما نحن بنقاد نخسر الكثير. جرّب مرة تعطّل دماغك أمام التليفزيون ولسوف ترى كم المتعة التى ستحوز. الأمر الثالث، اسعَ للمرح الذى يناسب ثقافتك واستعدادك. يعنى إيه إن شاء الله؟ يعنى لو أن سيادتك تحب مشاهدة كرة القدم شاهد كرة القدم ودعك من برامج الطبخ والماكياج والأزياء، لأنها موجهة أساسا للسيدات. ببساطة ركز فى المتعة التى تفهمها واعلم أن التنوع هو سنة الكون. وبالنسبة لموضوع الثقافة تصور مثلا أن هناك برنامجا عن الشِعر، وأنت لا تطيق سماع بيت واحد من الشعر، خلاص.. بلاه الشِعر يا سيدى.. ادخل على الأفلام الأكشن، أو إسماعيل ياسين والريحانى والمهندس وعادل إمام. البند الرابع لتحقيق المتعة عليك إدراك حقيقة العصر، لأن لكل عصر طريقته فى المرح، فلا تصادر على مرح الآخرين أو تحاول أن تحبسهم فى مرحك أنت.. افرح معهم، وتلك هى الوصية الخامسة: أنت لن تكون سعيدا ما لم تشرك المحيطين بك فى مرحك، لأن السعادة بدون الآخر لا وجود لها. لمزيد من مقالات ◀ سمير الشحات