نحن فى العيد.. كل عام وأنتم بخير.. فهل نحن نُعيّد كما ينبغى لنا التعييد؟ ما هذا.. وهل التعييد صار هو الآخر مشكلة يا أفندى؟ صدق أو لا تصدق «نعم»، بل مشكلة المشكلات. وللمشكلة وجوه عديدة، أولها، وأهمها، أنك تأخذ معك همومك وأنت داخل على العيد، وهكذا يزورك العيد ثم يرحل وأنت كما أنت؛ مهموما تعيسا شايلا فوق رأسك طاجن سِتّك وطواجن جاراتها كلهن. غلط يا عمّ الحاج لأن أول مبادئ التعييد (الصح) أن تلقى بهمومك خلف ظهرك، ولو ليومين أو ثلاثة.. فهل فعلنا ذلك؟ أبدًا ! .. إن لسان حال معظمنا الآن للأسف بات كلسان حال الشاعر القديم امرئ القيس حين وقف ينوح ويندب حظه ويلطم خديه شاكيا معتذرا للملك النعمان بن منذر، ويردد: وبِتُّ كأن العاديات فرشن لى هراسا / به يُعلى فراشى ويُقشب.. يعنى بالعربى: لم أستطع النوم من وطأة الهم .. فكأنهم وضعوا لى فوق السرير أشواكا.. وكل يوم يجددونها. يا خال ارحم نفسك فأنت فى العيد. يعنى أعمل إيه يا فصيح اللسان؟ سأقول لك : أولا: خُذ قرارا عاجلا ونفذه فورا بمنتهى الصرامة، وبإرادة من حديد، بنسيان التفكير فى المستقبل. قل لنفسك أنا الآن فى عيد ولن أفكر إلا فى الفرحة.. ألا يقولون إن العيد فرحة؟ افرح يا سيدنا (ما حدّش واخد منها حاجة). اهمس لنفسك: إنما المشكلات مثل النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.. فكن ذكيا ولا تجعل من نفسك وقودا لنار الخوف والقلق والأرق. ربك سوف يعدّلها.. وكم من نار طلع عليها الصبح فصارت رمادا على رأى الست أم كلثوم (كل نار تصبح رماد مهما تقيد). ثانيا: انسَ الشغل ومسئولياته وتعبه وقرَفه فأنت فى إجازة تكرمت بها علينا الحكومة ربنا يسترها لمدة أربعة أيام. وإن كنت فى مصيف (والكثيرون منا يصيفون هذه الأيام) فاغطس فى المالح حتى أذنيك وبلبط سعيدا منتشيا، واضرب الماء بكفيك فى مرح.. وبقدر استطاعتك انفخ الماء بفمك فى وجه الأيام، ولو كنت شجاعا اصرخ بعلو صوتك فى الهموم طظ فيكِ يا هموم. يا باشا متاعب العمل لا حدود لها ولن تنتهى.. وبعد العيد يفرجها صاحب الخيمة الزرقاء الذى لا ينام. ثالثا: افرح بعيالك إن كنت ذا عيال، فإن لم تكن فشارك الأقارب ( أو بعضهم) فرحة العيد. اذبح إن كنت تذبح ( نقصد ذبح الأضاحى وليس شيئا آخر!).. وارتدِ ملابس جديدة.. حتى لو قميصا رخيص السعر ( وإن كنا نشك فى أن هناك حاجة رخيصة هذه الأيام). شاهد التليفزيون ثم اضحك بملء رئتيك على أى مادة به حتى لو كانت ( نُص نُص).إنك حتما ستجد شيئا ما لإسماعيل ياسين أو الريحانى أو عادل إمام.. أو غيرهم.. فتّش فى القنوات ولسوف تجد. ستقول: وماذا لو لم تكن عندى رغبة فى الضحك؟ يا سيدى اعمل نفسك وكأنك تضحك وسوف يجيب الضحك بعضه. رابعا: انسَ موضوع الفلوس تماما.. ولا تظل تسأل نفسك طوال الوقت: ماذا سأفعل عندما ينتهى الراتب؟ وبدلا من ذلك قل إن الرزق بيد الله تعالى.. وحتما سيأتيك رزقك ولو بعد حين فلن ينام أحد جائعا. وعلى فكرة؛ إن الكآبة لم تكن فى يوم من الأيام مجلبة للرزق.. بل الاستبشار والأمل هما ما يجلبانه.. فكفاك اكتئابا وخنقة وافتح صدرك للهواء ليقتحم رئتيك فيغسل قلبك وعقلك فتنتعش وتبتهج. خامسا: لا تسرف أرجوك فى التهام اللحوم. وطبعا هذا الكلام موّجه لمن لديه وفرة من اللحم.. أما من اكتفى بكيلو واحد أو كيلوين، سواء من الجزار أو من منافذ البيع الحكومية، فليس عليه حرج، ولا هو محتاج لتلك النصيحة أصلا لأنها خلاص (ولله الحمد) أتت من عند ربنا. صحيح إنهم يقولون إن العيد الكبير هو عيد اللحمة لكن هذا يا حبيبى كان زمااااان.. عندما كنا لا نأكل اللحم إلا فى المواسم، أو فى كل خميس ليلة الجمعة، أما الآن فلا يخلو بيت من لحم أو فراخ أو سمك طوال الأسبوع (واسألوا الفرارجية). وطبعا يعرف الكثيرون كم للحم الأحمر ( سواء كان من خروف أو من بقرة أو من عِجل سمين) من أضرار على الصحة لا قبل لنا بها (والمستشفيات يا اخويا موش ناقصة عيانين). سادسا: ابتعد عن كلام السياسة، ومناقشة أوضاع البلد وأحواله، على الأقل فى أيام العيد، واجعل كلامك مقصورا على كل ما هو مفرح.. وبالتأكيد سوف تجد. إن أحاديث السياسة والاقتصاد والأسعار والبطالة وقضايا سوريا واليمن وفلسطين والإرهاب وغيرها ليس وراءها إلا التعب وخوتة الدماغ بلا داعٍ.. ( بلاها خوتة). نعم.. يجب أن تؤجل هذا الحديث الماسخ إلى أن ينتهى العيد فأنت فى كل الأحوال كلامك لن يقدم ولن يؤخر ( كان غيرك أشطر). طبعا لا نقصد هنا أن يكون كلامك كله هزلا وتفاهة ومزاحا عبيطا لا سمح الله.. فقط نطلب بعض التأجيل لزوم إراحة الأذهان والعقول . سابعا: حاول أن تنام بعمق وملء جفنيك. إن أمامك أربعة أيام كاملة يا عم الحاج (وبعض الأذكياء الحاذقين سيتحايلون ويجعلونها سبعة؛ من يوم الإثنين إلى الإثنين الذى يليه).. فلماذا لا تهتبل الفرصة وتغرق فى النوم حتى الظهيرة؟ ألم يقل أجدادنا من قبل إن الأيام (الوحشة) فايدتها النوم؟ نم يا سيدى فما فاز فى هذه الدنيا إلا النُوّمُ. المهم فى الموضوع أن يكون عيدك مفيدا مريحا ويجدد حياتك.. وكل عام وأنت بخير. لمزيد من مقالات ◀ سمير الشحات