«البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 4 مايو 2024    هل تقديم طلب التصالح على مخالفات البناء يوقف أمر الإزالة؟ رئيس «إسكان النواب» يجيب (فيديو)    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    «فيتش» تشيد بمشروع «رأس الحكمة».. الإجراءات الاقتصادية تؤتي ثمارها    آخر تحديث.. سعر الذهب في ختام التعاملات المسائية اليوم الجمعة 3-5-2024    شهيدان و5 إصابات جراء استهداف الاحتلال منزل عائلة "البلبيسي" شرق مدينة القدس    حسين هريدي ل«الشاهد»: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    أول تعليق من رئيس مكافحة المنشطات على أزمة رمضان صبحي    محمود الخطيب يهنئ «سيدات سلة الأهلي» ببطولة الكأس    فوزي لقجع يكشف مفاجأة مثيرة لجماهير الأهلي    سيدات سلة الأهلي| طارق خيري: كأس مصر هديتنا إلى الجماهير    تعرف على اخر منتخبات مجموعة مصر في أولمبياد باريس    حالة الطقس اليوم السبت.. «الأرصاد» تحذر من ظاهرتين جويتين مؤثرتين    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    "والديه كلمة السر".. كشف لغز العثور على جثة شاب مدفونًا بجوار منزله بالبحيرة    "التموين" تضبط 18.8 ألف طن دقيق مدعم و50 طن سكر مدعم بالجيزة    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    أمن القليوبية يضبط «القط» قاتل فتاة شبرا الخيمة    جمهور حفل آمال ماهر في ليلة من ليالي الطرب :«خطفتي قلبنا»    حظك اليوم برج الجدي السبت 4-5-2024 مهنيا وعاطفيا    استعدادات لاستقبال شم النسيم 2024: الفرحة والترقب تملأ الأجواء    آمال ماهر تتألق بإطلالة فضية في النصف الثاني من حفلها بالسعودية    رشيد مشهراوي عن «المسافة صفر»: صناع الأفلام هم الضحايا    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    بلباو ب9 لاعبين يهزم خيتافي على ملعبه في الدوري الإسباني    التحقيقات تكشف سبب مقتل شاب علي يد جزار ونجله في السلام    أخبار الأهلي : عاجل .. استبعاد 11 لاعبا من قائمة الأهلي أمام الجونة    بحضور 25 مدربًا.. اتحاد الكرة يُعلن موعد الدورات التدريبية للرخصة «A»    عيد العمال الليبرالي    رئيس «إسكان النواب»: توجد 2.5 مليون حالة مخالفة بناء قبل 2019    إدخال 349 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من معبري رفح وكرم أبو سالم    حدث بالفن| مايا دياب تدافع عن نيشان ضد ياسمين عز وخضوع فنان لجراحة وكواليس حفل آمال ماهر في جدة    حظك اليوم برج القوس السبت 4-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مروة ناجي تتألق ونجوم الموسيقى العربية ينتزعون الإعجاب على المسرح الكبير | صور    البيت الأبيض: بايدن يستقبل العاهل الأردني الأسبوع المقبل    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    موريتانيا.. أقدم معارض يدعم الرئيس الغزواني في الانتخابات المقبلة    5 فئات ممنوعة من تناول الرنجة في شم النسيم    عمرو أديب ل مصطفى بكري: التعديل الوزاري إمتى؟.. والأخير يرد    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    طب الفيوم تحصد لقب الطالبة المثالية على مستوى الجامعات المصرية    قتلا الخفير وسرقا المصنع.. المؤبد لعاطل ومسجل خطر في القاهرة    أجمل دعاء ليوم الجمعة.. أكثر من الصلاة على سيدنا النبي    الوزراء: منظومة الشكاوى الحكومية تلقت 2679 شكوى بمخالفات مخابز    وظائف وزارة العمل 2024.. بالتعاون مع شركات القطاع الخاص    أخبار الأقصر اليوم.. تفاصيل لقاء قائد قطاع المنطقة الجنوبية لإدارة التراخيص والتفتيش ونائب المحافظ    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    المحكمة الجنائية الدولية عن التهديدات ضد مسئوليها: يجب أن تتوقف وقد تشكل أيضا جريمة    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم ما بعد شرق السويس
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 05 - 2019

استقر فى ذاكرة العالم ووجدانه أن الطلقة الأولى فى أى من المواجهات الدولية هى طلقة أمريكية غربية، فمنذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم كانت الطلقات الأولى فى كل الحروب الكبرى طلقة أمريكية غربية، إلا تلك فى حرب أكتوبر. ولهذا فإن كل من يتناول الأزمة الإيرانية يتناولها تحليلا من منطق أن الطلقة الأولى إذا حدثت فستكون أمريكية إسرائيلية. ثم يتتابع أغلب المحللين يفندون أن هذه الحرب مستحيلة أمريكيا بعد مأساة حرب العراق، فلقد أدت إلى كارثة إستراتيجية أمريكية بصعود إيران ذاتها. وهى مستحيلة اقتصاديا فمكاسبها محدودة، وهى كذلك معقدة سياسيا فهى تستدعى إجماعا غربيا أمريكيا غائبا الآن.
لكن هذا المنطق يتجاهل واقع العالم وحقيقة أن هناك تناغما وتحالفا دوليا نشأ فى غمار أحداث الأعوام العشرين الماضية، وهو تحالف الكيانات والدول التى كانت على شفا النهاية تحت تهديد حد السكين الأمريكى والإسرائيلي. وهو تحالف الدول التى ذاقت الأمرَّين فى العقود الأخيرة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.
ويقال إن الاقتراب من الموت هو أكبر محفز للحياة. فروسيا التى كانت على شفا الموت شهدت تجرؤ الولايات المتحدة عليها فى حشد الثورات البرتقالية فى جنباتها من أوكرانيا لجورجيا لداخل روسيا ذاتها، بل وتطاولت إسرائيل على العملاق النووى الروسى فدعمت المرتزقة فى جورجيا وإبخازيا فسقط جنود ومواطنون روس بأيادى مرتزقة مدعومين ومتمرنين من قبل إسرائيل محدودة القيمة مقارنة بالعملاق الروسي. عادت روسيا إلى الحياة بتحالف الشيوعيين والقوميين الروس فهم من يديرون روسيا اليوم.
عادت روسيا عبر رحلة معقدة طويلة استمرت عشرين عاما، ولكنها عادت بمنظومة عسكرية متقدمة تحمل فى طياتها خروجا عن المتعارف عليه عسكريا، فقفزت لتكون قادرة على إصابة عالم الغرب بالشلل الإلكترونى الكامل والمفاجئ، وما قد يصاحب هذا من انهيارات مالية ضخمة وشلل فى مختلف جوانب الحياة؛ هذا بغض النظر عن تطور قدراتها العسكرية التقليدية والنووية فى جميع المجالات.
يمتد (حلف حد السكين) أيضا ليضم الصين الثرية التى تدرك بعمق أن العملاق الأمريكى يضمر لها الشر. فلقد اعتادت الولايات المتحدة وحلفاؤها تصفية أى قوة إقليمية مهما صغرت. والعراق وليبيا نماذج حديثة استؤصلت أنظمتها السياسية لأنها تجرأت على الممانعة. وكان لهذا التجرؤ ثمن، فلقد فتكت القوى العسكرية الدولية بنسيج تلك المجتمعات وتركته أشلاء نازفة حتى اليوم. فالصين تعلم أنها عدو معلن وليس أمامها إلا الاستناد للعناد. أما كوريا الشمالية فهى تعلم أن حياتها قصيرة إذا لم يكن لها منظومة صاروخية مسلحة وحلفاء من موسكو لبكين. ولهذا فإن (حلف حد السكين) المترابط يستند دون إعلان على صواريخ كوريا الشمالية التى خلقت فالقا عسكريا جيواستراتيجيا فى بحر اليابان. ويستند الحلف كذلك إلى بحر أموال الصين التى صارت أكبر دائن للولايات المتحدة. أما إيران فهى حليفة لروسيا.
تحالف حد السكين ليس بجديد، فمن يدقق فى الأمر سيجد جذوره فى عام 2006، فى معركة حزب الله مع إسرائيل. فالتكنولوجيا التى تعامل بها حزب الله فى هذه المعركة مع إسرائيل تتجاوز قدراته وتحتاج لدعم قوة عظمى وهى فى الأغلب روسيا، فلا يوجد غيرها. امتدت تداعيات تلك التجربة حديثا لمعارك غزة وصواريخها التى يروج لأنها نتاج عمل ذاتى محض، بينما هى فى حقيقتها تكنولوجيا متقدمة ينقلها وسطاء محليون سوريون لبنانيون ايرانيون.
هذا الحلف الكبير يمتلك قدراتٍ عسكرية وإستراتيجية كبيرة جدا، ولكنها لا تكفى لإنزال هزيمة عسكرية ساحقة بالغرب، ولكنها تكفى بلا شك لصنع أزمة إستراتيجية كونية تجبر الجميع على الاعتراف بحقائق جديدة. فإذا أطلقت إحدى دول هذا الحلف الطلقة الأولى عبر الخليج أو من سماوات غزة أو جنوب لبنان، فإن التداعيات ستكون كبيرة وضخمة، لا يشابهها فى حجمها إلا تلك فى حرب السويس عام 1956 عندما أمم جمال عبد الناصر قناة السويس. فقبل أزمة السويس عام 1956 كان الاسترلينى عملة دولية عملاقة وكانت بريطانيا إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس. ومع نهاية الأزمة انهار الاسترلينى وسقطت الحكومة البريطانية، فظهر العالم ثنائى القطبين بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة.
فهل تكون الطلقة الأولى من غزة أو من إيران أو من حزب الله بداية لمواجهة دولية تؤدى لأزمة خليجية، ولانفلات أسعار النفط وارتفاعها بشكل كبير جدا... وهو ما يهدد بدفع شمال العالم لكساد اقتصادى مميت. أزمة قد تصاحبها هيروشيما إلكترونية تغلق بورصات العالم وتطلق العنان لذئاب المضاربات الدولية على العملات. تُرى هل أزمة شرق السويس الجديدة قد تصاحبها سكتة إلكترونية دولية فيتوقف البيع والشراء الإلكترونى بكروت الائتمان؟ هل تتهاوى قيم عالم السمسرة الرقمية عديمة الإنتاج. ففى نهاية الأمر فإن شركات كونية كأمازون وأوبر هى شركات سمسرة وليست شركات إنتاج. ترى هل تفجر مواجهة شرق السويس الجديدة فقاعة الثروات العقارية. ألا يمكن أن ينهار الدولار كعملة دولية ومعه منظومته البترودولارية.
أليس هذا هو الانتقام الروسى من انهيار الاتحاد السوفيتي؟ أليست تلك الأزمة ضرورية لتحرر الاقتصاد العالمى من سحر المضاربات العقارية وإطلاق الأموال الحبيسة فى المبانى للاقتصاد، أليست أيضا ضرورية لإعادة القيمة للمنتجات الحقيقية كالمواد الخام والمحاصيل الزراعيه والمصنوعات الثقيلة مقارنة بسيادة وتفجر قيم البرامج الإلكترونية.
قد تكون تلك أزمة ضرورية. أزمة تجبر الولايات المتحدة على الاعتراف بعالم متعدد الأقطاب، فيعود توازن المصالح مصاحبا بالشرعية الدولية. عالم جديد نتيجته ستكون تراجع هيمنة عالم القطب الواحد وغطرسة إسرائيل وسيادة قطاعات اقتصادية عقارية وإلكترونية غربت شمسها. هذا الخيال لا بد أنه يداعب أطرافا ما فى (حلف حد السكين). قد تكون إرادة هذا التحالف لم تصل بعد للهجوم ولكن اقتراب السكين من حبل الوريد يجعلها حتمية إلا إذا راجعت الولايات المتحدة حسابات المكسب والخسارة لتلافى الدخول فى حرب ضروس شاملة. فبغض النظر عمن يطلق الطلقة الأولي، فلا مسار تاريخى إلا الإقرار بعالم متعدد الأقطاب... عالم ما بعد السويس أو ما بعد شرق السويس.
لمزيد من مقالات ◀ د. حازم الرفاعى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.