إلى هذه اللحظة التى يقرأ القراء الأعزاء هذا المقال، لا أزال ابحث عن السبب أو الأسباب التى دفعت الارهابيين إلى فتح معركة جديدة فى بلاد بعيدة. بعيدة لا علاقة لها بالمعارك الدائرة فى بلادنا حيث النفط والتعصب والتدخل الخارجى والطائفية. وتاريخ العملية كان 21 أبريل والهدف كان كنائس المسيحيين اثناء تأدية صلاة عيد الفصح. والبلد هى سريلانكا تلك الدولة الصغيرة النامية والمتعددة الإثنيات والأديان، وتقع فى المحيط الهندى جنوب شبه الجزيرة الهندية وتديرها دولة بعيدة عن صراعاتنا الداخلية والخارجية معا.وهى جزيرة استوائية تتشكل جغرافيتها على شكل مثلث تقع فى قاعدته منطقة جبلية عالية ثم تمتد منها سهول خصبة ترويها بجانب الأمطار 103 أنهار . بمعنى انها بلاد زراعة وفلاحين فى الاساس. وقد عرفنا، نحن المصريين هذه البلاد فى القرن التاسع عشر كمستعمرة بريطانية اسمهاجزيرة سيلان التى استقبلت مجموعة من ضباطنا وعلى رأسهم الزعيم أحمد عرابي، عندما نفى إليها مع رفاقه بعد هزيمة الثورة العرابية. كما عرفناها لاحقا بعد حصولها على الاستقلال عن العرش البريطانى عام 1948 واصبحت مستقلة وعضوا فى الكومنولث والأمم المتحدة،كما عرفناها بعد ان تغير اسمها عام 1972 واصبح الجمهورية الديمقراطية الاشتراكية لسريلانكا. ولكن تستمر هذه البلاد نموذجا للحركات النسوية لأنها كانت من اوائل البلاد التى انتخبت امرأة رئيسة لها. وكان ذلك عندما انتخبت شاندريكا بندرنيكا رئيسة للجمهورية. ولكن قبل كل هذا التاريخ عرفها العرب عن طريق تجارة الحرير والتوابل فى القرن الثامن الميلادى وأسلم عدد من اهلها وتكاثروا فى البلاد حتى صاروا يشكلون نسبة 10% من سكانها. ولكن تستمر هذه البلاد مشهورة فى محيطنا كالمنتج الجيد للشاى السيلانى بالرغم من انتاجها الثانى الجيد والوفير من الارز. وبجانب ان التركيبة البشرية السريلانكية اثنية نجد تركيبتها الدينية كذلك. فهى دولة تضم اتباع لديانات اربعة. تأتى البوذية كديانة الاغلبية 70% ثم تأتى بعدها الهندوكية 12% ثم يأتى الاسلام 10 ٪ والمسيحية 7% لكل منهما كديانتين متساويتين فى النسب. فى اطار هذه التركيبة المتعددة الإثنيات والديانات يتمتع الشعب هناك بدرجة من الحريات الدينية الملحوظة والتى تتيح حالة من التعايش المشترك الذى استمر قرونا. فلم تنقل لنا الاخبار انباء عن حساسيات الا ما كان يخص حركة التاميل الشمالية التى كانت تسعى بالاستقلال بالمنطقة الشمالية عن وسط وجنوب الجزيرة. فللمسلمين مساجدهم وللبوذيين والهندوك معابدهم وللمسيحيين، بروتستانت، كنائسهم، هكذا كانت الحياة فى الجزيرة قبل الحادى والعشرين من أبريل الماضي. ثم انقلب الأمر بعد أن تم الهجوم على عدد من المنشآت المسيحية الدينية وغير الدينية يوم عيد الفصح وسقوط 250 قتيلا من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب على يد جماعة ارهابية تنتمى الى تنظيم داعش، كما أعلن بعد يوم 21 ابريل. فلم يعد المجتمع المتسامح القديم متسامحا، ولم تصبح دور العبادة مفتوحة للجميع يدخلونها وقتما شاءوا ليمارسوا عباداتهم كما تعودوا عليها ولم يعد الجار المسيحى يستطيع الاطمئنان على حياته إذا كان جاره مسلما أو بوذيا أو هندوكيا. أعلنت حالة الطوارئ فى البلاد. وباتت دور العبادة تفتح تحت وجود وشروط الشرطة وحراستها وبعد تفتيش الداخلين إليها للصلاة ومراقبتهم فى الداخل. وبدأت حالة تبادل السلع تتم على أساس دين كل من المشترى والبائع. ولم يعد يوم 21 أبريل يوما استثنائيا فى حياة البلاد وإنما يتابعون وقوع أحداث مماثلة من الهجوم والاعتداء على الممتلكات ودور العبادة وعلى رأس هذه الدور تأتى المساجد المنتشرة فى البلاد. ولم ينحصر الخلاف او الاشتباكات بين المسلمين والمسيحيين فحسب وإنما دخل الشك فى قلوب المواطنين ولم يعد احد يثق فى الآخر. فقد ضاعت وتلاشت الثقة القديمة بعد ان خرج من بين صفوفهم ارهابيون مسلحون ويمتلكون ترسانة مخبأة لزمان طويل دون أن يكتشفوها. أما التعايش فقد ذهب الى حيث لا يدرون وبات سقوط قتلى امرا مؤسفا ولكنه يحدث كما حدث يوم 14 مايو عندما سقط مواطن مسلم على يد مواطن آخر غير مسلم. لم يصدقوا أن الهجوم الارهابى على المصلين يوم الفصح كان انتقاما للهجوم عل المصلين المسلمين فى نيوزيلندا أو ثأرا له، وهو فى كل الأحوال جريمة لا يقرها القانون سواء كانت الجريمة او الثأر لها، لم يصدقوا هذا التبرير لأن حجم الترسانة العسكرية التى تم اكتشافها تدل على أن هذا التنظيم الارهابى فى سريلانكا ظل تنظيما نائما سريا يستظل بتنظيم دعوى يخفى ما فى باطنه.وتحديدا بعد ان تم الكشف عن رأس التنظيم والذى اتضح انه ملياردير سريلانكى مسلم يحتكر تجارة التوابل فى البلاد. فهو اكبر التجار المحليين سواء كان فى مجال التجارة الداخلية او الخارجية. وهو بالتالى اكبر ممولى هذا التنظيم الدعوى والارهابى. وربما أخفت تجارته الداخلية ثم الخارجية حركة تمويل التنظيم وبناء ترسانته المسلحة ثم فرض حمايته على حركة تنظيمه وحركة افراده. ثم نعود الى السؤال، ما الذى دفع هؤلاء المواطنين الى تبنى الفكر العنصرى المتعصب ليصلوا الى هذا الطريق العنيف بالرغم من انهم يمثلون أقلية صغيرة ولكن تستمتع بالحريات الدينية وممارسة شعائرها فى 60 مسجدا بنيت على طول البلاد كما انهم يمارسون نشاطهم الاقتصادى دون تمييز حتى إن واحدا منهم بات المحتكر الاساسى لتجارة التوابل فى البلاد. يقولون: إن بداية التغيير بدأت مع نزوح أعداد من فقراء البلاد من الذكور والإناث للعمل فى المنازل فى بلدان الخليج. هناك تغيرت افكارهم تجاه الآخر المختلف وعندما عادوا كانوا يرتدون ملابس غير تلك الملابس الوطنية السريلانكية، وظهر لأول مرة النقاب والحجاب، بناء على قولهم هذا نستنتج أن القضية لا تقف عند تطوير الخطاب الدينى وإنما فى إدارة ثورة ثقافية ليس فقط حماية لأنفسنا وانما لحماية الآخرين. لمزيد من مقالات أمينة شفيق