اقتربت الليلة الأربعين على اختفاء إسماعيل السمسار وقد شكل اختفاؤه لغزا كبيرا، فلم يشاهده أحد خارج منزله منذ عودته ذات ليلة إليه، ولكن زوجته وابنه الطالب الجامعي، أكدا عدم عودته وشاركا الجميع فى انتظار خبر ما بشأن اختفائه. كان شقيق إسماعيل يشعر بأن شيئا ما فى الأمر، فمنذ تزوج إسماعيل من سيدة أخرى على زوجته والمشاكل لم تهدأ بينه وبين زوجته القديمة وابنهما الذى اعترض على ما فعله أبوه، ساورت الشقيق الظنون، ولكنه كان يطردها من خياله، وكان أكثر ما يمكن له أن يفعله هو الإبلاغ باختفاء أخيه ثم انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة. كان من الممكن أن يمر الأمر ولا يكتشف أحد أن هناك جريمة شنعاء دبرت بليل بين الزوجة والابن ضد الأب، بل رسخ فى يقينهما أنهما حققا الجريمة الكاملة، فها هو اليوم التاسع والثلاثون قد أشرقت شمسه ولم يكتشف أحد أى شيء وقريبا سوف يطوى النسيان قصة اختفاء إسماعيل مثل قصص كثيرة تجرفها الحياة الصاخبة بأحداثها اليومية التى تلهى الجميع فى دواماتها التى لا تنتهي. لكن لم ينتصف اليوم، حتى تسربت رائحة كريهة من بيت إسماعيل التقطتها أنف أخيه الذى يسكن بجواره فى مدينة ملوى بمحافظة المنيا، وبدأت الرائحة تفوح لتخنق المكان، فوجد الشقيق على إثرها تفسيرا لهواجسه التى يطاردها وبات مؤكدا أن الرائحة التى تنبعث من «الطرنش» وهو خزان الصرف الخاص بمنزل السمسار، هى رائحة جثة ما، فسارع الشقيق بإبلاغ قسم شرطة ملوى بما حدث ليفصح للمرة الأولى رسميا بأن وراء أمر اختفاء أخيه جريمة. وعلى الفو أمر اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام بتشكيل فريق بحث لسرعة كشف غموض الحادث والقبض على الجناة. وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتأكد من وجود جثة بالخزان وتوجه العقيد عصام أبو الفضل رئيس فرع البحث الجنائى والرائد محمد يوسف رئيس مباحث ملوي، وتم فتح الخزان ليفاجأ الجميع بمجرد رفع الغطاء، بوجود جثة إسماعيل منتفخة تطفو على مياه الطرنش وقد بدأت فى التحلل. ولم يكن من الصعب التوصل إلى القتلة فارتكاب الجريمة داخل المنزل والتخلص من الجثة بهذا الشكل، لم يعد له سوى تفسير واحد، بأن الزوجة لها يد فى الأمر ومن هنا بدأ ضباط المباحث فى تحقيقاتهم بإشراف اللواء محمود ابو عمرة مدير الادارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الأمن العام، يحاصرون الزوجة بالأسئلة خاصة أنها كانت تنكر وجود زوجها فى البيت ليلة اختفائه بل وكانت تلمح إلى أن زوجته الجديدة قد يكون لها صلة ما بهذا الاختفاء!. لكن المفاجأة التى تفجرت فى اعترافات الزوجة بقتل زوجها عقب اكتشاف الجثة، هو أن ابنها طالب الجامعة أيد فكرتها فى التخلص من أبيه عقب زواجه من سيدة أخرى على أمه، بل وشاركها فى تنفيذ خطتها لقتله والتخلص من جثة، فقد قامت الزوجة بوضع قرص منوم فى كوب شاى للزوج وعندما استسلم للنوم العميق، قتلته هى والابن خنقا ثم حملا جثته معا وألقيا بها فى خزان الصرف وأحكما إغلاقه حتى لا تتسرب الرائحة!. وظلت جثة إسماعيل السمسار لمدة تسعة وثلاثين يوما مستقرة فى قاع الخزان، حتى انتشرت رائحتها فجأة لتكشف عن الجريمة التى تحدثت بها مدينة ملوى عقب اكتشافها. وبناء على ما استجد من أمور، قررت النيابة إعادة فتح التحقيق فى قضية اختفاء إسماعيل، لتتحول من مجرد محضر إدارى بغياب شخص، إلى جناية قتل عمد مع سبق الإصرار وإخفاء جثة قتيل. وطوال مراحل التحقيق منذ العثور على الجثة وحتى صدور قرار حبس الزوجة وابنها، لاحظ المحققون أن الزوجة القاتلة، لم يهتز لها طرف عند اكتشاف الجريمة ومواجهتها بالتحريات ومحاصرتها بالأسئلة، وكان كل همها أن تنفى التهمة عن ابنها الذى شاركها الإصرار على قتل أبيه عقابا له على زواجه من أخرى وإساءة معاملة أمه بعد هذا الزواج وكان اختيار خزان الصرف للتخلص من الجثة هو اعتقادهما بأن الجثة ستتحلل دون أن يلاحظ أحد شيئا مريبا ولما مر أكثر من شهر على الجريمة ومع قرب قدوم اليوم الأربعين، رسخ فى يقينهما أنهما أفلتا من العقاب لولا ما حدث من تسرب الرائحة الكريهة فى اليوم التاسع والثلاثين لتفشل كل ترتيباتهما وتقضى على أوهامهما بأنهما ارتكبا جريمة كاملة!.