أحوج الناس إلى الرحمة هم العُصاة والمذنبون، ولكنهم يَحتاجون إلى رحمة التوجيه والهداية لطاعة الله، فإن الإسلام رحمة، والهداية والالتزام رحمة، وهناك أممٌ تنتظر منك أن تدلَّهم عليها، وأن تهديَهم بإذن الله إليها، وأن تأخذ بمجامع قلوبهم إلى الله، فتُحببهم فى طاعة الله ومرضاته؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أنا رحمةٌ مُهداة). هكذا كان منهجه صلى الله عليه وسلم. ويوضح الدكتور عبد الغفار عبد الستار رئيس قسم الحديث بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: أن رحمة النبى الشاملة كانت من علامات كماله صلى الله عليه وسلم، وكانت رحمته مع المذنبين والعصاة سبيلا لفتح قلوبهم واستيعاب دعوته، فمن رحمة النبى صلى الله عليه وسلم مع بعض أخطاء الغير، يحكى خوَّات بن جُبير عن نفسه، فيقول: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران (اسم مكان بمكة)، قال: فخرجت من خبائي، فإذا أنا بنسوة يتحدثن فأعجبنني، فرجعت فاستخرجت حلة فلبستها، وجئت فجلست معهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبة، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هِبته واختلطت، وقلت: يا رسول الله، جمل لى شرد، فأنا أبتغى له قيدًا، ومضى فاتبعته، فألقى إليّ رداءَه، ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضَّأ، فأقبل والماء يسيل على صدره من لحيته، فقال: (أبا عبدالله، ما فعل ذلك الجمل؟)، وارتحلنا، فجعل لا يلحقنى فى المسير إلا قال: (السلام عليك أبا عبدالله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟)، فلما طال ذلك عليّ أتيتُ المسجد، فقمت أُصلِّي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره، فجاء فصلى ركعتين، فطولت رجاء أن يذهب ويدَعني، فقال: (أبا عبدالله، طوِّل ما شئت أن تطوِّل، فلست بمنصرف حتى تنصرف)، فقلت فى نفسي: والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبرئن صدره، فلما انصرفت، قال: (السلام عليك أبا عبدالله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟)، قلت: والذى بعثك بالحق، ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت، فقال: (يرحمك الله) ثلاثًا، ثُمَّ لَمْ يُعِدْ لِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ.