جاء في السنة النبوية صور كثيرة تذكر أن النبي كان يمازح أصحابه ويمازحونه، وهذا يفيد إباحة المزاح إذا خلى عن الحرام كالكذب والترويع، ولكن كان مزاحه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن للعبث أو لمجرد الترويح، بل كان جزءًا من تربيته لأصحابه، فمن أهداف مزاح النبي صلى الله عليه وسلم-. المزاح للتحبب: قدم صهيب -رضي الله عنه- على رسول الله وبين يديه تمر وخبز قال: أدن فكل، فأخذ يأكل من التمر، فقال له النبي: «إن بعينك رمدًا»، فقال: يا رسول الله: إنما آكل من الناحية الأخرى، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله احملني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا حاملوك على ولد ناقة»، قال: وما أصنع بولد الناقة؟! فقال صلى الله عليه وسلم: «وهل تلد الإبل إلا النوق». المزاح للمواساة: وعن أنس رضي الله عنه: إنه كان -صلى الله عليه وسلم- ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: «يا أبا عمير ما فعل النغير»، وفي رواية لأحمد عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدخل على أم سليم ولها ابن من أبي طلحة يكنى: أبا عمير، وكان يمازحه فدخل عليه فرآه حزينًا فقال: «مالي أرى أبا عمير حزينًا ؟» فقالوا: مات نغره الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: «أبا عمير ما فعل النغير». المزاح من أجل التربية: وفيه أن خوات بن جبير الأنصاري -رضي الله عنه- كان جالسًا إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة، فطلع عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا أبا عبد الله مالك مع النسوة؟» فقال: يفتلن ضفيرًا لجمل لي شرود، فمضى رسول الله لحاجته ثم عاد فقال: «يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟». قال خوات: فاستحييت وسكت، فكنت بعد ذلك أتفرر منه، حتى قدمت المدينة فرآني في المسجد يومًا أصلي، فجلس إلي فطولت، فقال: «لا تطول فإني أنتظرك»، فلما سلمت، قال: «يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟»، فسكت واستحييت فقام، وكنت بعد ذلك أتفرر منه حتى لحقني يومًا وهو على حمار وقد جعل رجليه في شق واحد، فقال: «يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟» فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد منذ أسلمت، فقال: «الله أكبر، الله أكبر، اللهم اهد أبا عبد الله»، قال: فحسن إسلامه وهداه الله.