تزخر آيات الصيام بمفاتيح كنوز تثرى حياة المسلم عبادة ومعاملة. ويعرج الدكتور أبو اليزيد العجمى أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم، علي ما تحمله الآيات من كنوز موضحا أن في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تنبيها واضحا إلى أن الصيام يفتح لك كنز التقوى، الذي هو جماع الأمر كله؛ حيث لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك، وحين تكون على هذه الحالة فأنت تنهل من كنز المراقبة الذي يمدك بكل ما يرضي الله ورسوله في كل أحوالك وأقوالك وأفعالك. فإذا جئنا إلى الآية التي بعدها (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ.. إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) وجدنا أنفسنا أمام كنز التيسير من الله علينا، ومقتضاه أن نتعلم التيسير الذي هو سمة دعوتنا (إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين). وحين يكون التيسير عقيدة وفكرًا للمسلم، تهنأ الحياة، ويموت التشدد الذي هو عدو الدين، وآفة بعض المتدينين تدينًا منقوصًا. فإذا جئنا إلى آية (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.. وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وجدنا مفتاحًا لكنز لا ينضب. إنه القرآن الكريم، وما به من هداية وفرقان، وهذا يعني أنك في الشهر الذي أنزل فيه القرآن ليبقى معجزة خالدة، تمدنا ومن بعدنا بالهدى والبينات والفرقان، وهذا يعني أن كل مسلم ينبغي أن يشغل بالقرآن في رمضان وغيره، لكنه في رمضان أولى ليستعد لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فهي لأهلها وليست عامة، والحديث عن كنز القرآن يطول، لكن لنفتح الكنز دائمًا وننهل منه. ثم في ختام هذه الآيات وقبل أحكام أخرى تجيء آية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) وهي تنبه المسلم إلى كنز هو العبادة (الدعاء هو العبادة) والصلة ملحوظة، فمن أفاد من كنز التقوى، وفهم مغزى التيسير، وعايش القرآن تتوق نفسه إلى الدعاء لتكمل كنوز الهداية، وتتحقق غايات القرب عن طريق العبادة.