ترامب: نحمي أمتنا من الغرباء غير الشرعيين ونحقق إنجازات تاريخية في الاقتصاد    وزير الأوقاف: اغتيال الدكتور مروان السلطان وأسرته جريمة حرب مكتملة الأركان    على ذمة التحريات.. النيابة تحجز المتهمين بواقعة ركل فتاة بكورنيش الإسكندرية    دون إصابات.. السيطرة على حريق في محطة وقود بالفيوم    أول تعليق لرئيس حزب الوعي بعد استقالة كرم جبر وعمرو الشناوي    تعرف علي آخر تطورات سعر الذهب اليوم الجمعة 4 يوليو 2025 فى مصر    استشهاد اللاعب الفلسطيني مصطفى أبو عميرة جراء القصف على قطاع غزة    القنوات الناقلة مباشر لمباراة الهلال ضد فلومينينسي في كأس العالم للأندية.. والمعلق    القانون يحدد ضوابط استعمال آلات رفع المياة في البحيرات.. تعرف عليها    حملة مرورية بالفيوم تضبط المخالفين وتحقق الانضباط.. صور    بعد وفاة أحمد عامر .. حمو بيكا يشكف حقيقة اعتزاله الغناء    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 4 يوليو 2025    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الجمعة 4 يوليو 2025    رئيس هيئة الاستثمار: المستثمر لن يضطر للتعامل مع 70 جهة.. والمنصة الرقمية تنهي الإجراءات ب 20 يوما    حزب المؤتمر: إشراف قضائي كامل في انتخابات الشيوخ المقبلة    الدكتور حاتم سلامة.. بصيرة تتحدى الظلام ورؤية تصنع الأمل    وظائف حقيقية في انتظارك.. أكثر من 2900 فرصة عمل في كبرى الشركات الخاصة ب الشرقية والمحافظات    ترامب: أريد أن أرى أهل غزة آمنين بعد أن مروا بالجحيم    حماس: سنسلم القرار النهائي للوسطاء بعد انتهاء المشاورات    العدل: نتحالف في القائمة ونتنافس في الفردي بتحالف آخر.. وقانون الانتخابات هو السبب    ملف يلا كورة.. اعتزال شيكابالا.. عروض وسام.. وصلاح يقطع إجازته    يلا كورة يكشف.. تفاصيل طلب الوصل الإماراتي لضم وسام أبو علي ورد الأهلي    «ظهور تلفزيوني»..شيكابالا يبدأ مهمته الجديدة بعد اعتزال كرة القدم    رئيس اتحاد المهن الطبية: نقف على مسافة واحدة من الجميع    مجدي البدوي: نرفض افتتاح سد النهضة دون اتفاق ملزم يحفظ حقوق مصر المائية    «الطقس× أسبوع».. شديد الحرارة رطب والأرصاد تحذر من الشبورة الكثيفة والرياح بالمحافظات    كان يلهو بالشارع.. تفاصيل مصرع طفل أسفل عجلات سيارة نائب بشبين القناطر    أهالي المنيا يشيعون جثامين الأطفال الثلاثة الذين قُتلوا على يد والدهم    الفاصوليا البيضاء ب 80 جنيها.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية الجمعة 4 يوليو 2025    اكتشفها خالد يوسف .. من هي ملكة جمال العرب سارة التونسي    لماذا الإسلام دين السلام؟| عالم بالأوقاف يُجيب    في شهر التوعية.. ما لا تعرفه عن مرض الساركوما    الشاي ب لبن| أخصائي تغذية يكشف حقيقة أضراره    "معكم" يعرض مجموعة من الصور النادرة لأم كلثوم ترصد مسيرة كوكب الشرق    ماكرون يهدد طهران بإجراءات انتقامية بسبب اتهام فرنسيين بالتجسس لصالح إسرائيل    شاهد لحظة غرق حفار البترول العملاق فى البحر الأحمر.. فيديو    مهرجان عمّان السينمائى .. خارج النص    في عيد ميلاد علاء مرسي.. رحلة ممتدة من النجاحات ويبوح ل "الفجر الفني" بأمنية لا تشبه أحدًا    السيطرة على حريق داخل محطة وقود بقرية سرسنا في الفيوم    روبيو يؤكد إبقاء العقوبات الأمريكية على الأسد.. ويبحث مع نظيره السوري ملفات الإرهاب والعلاقات الإقليمية    تصل للحبس والغرامة.. عقوبة تسلق الأثار دون ترخيص (تفاصيل)    ما الحالات التي يحق فيها للمؤجر إخلاء شقق الإيجار القديم؟.. القانون يجيب    "محدش جابلي حقي".. شيكابالا يوجه رسالة لجمهور الأهلي    كارولين عزمي على البحر ومي عمر جريئة.. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    «حد كلمني أخليه يعتزل».. ممدوح عباس يكشف مفاجأة بشأن شيكابالا    خالد الجندي: "عاشوراء" سنة نبوية قديمة ليست مقتصرة على الإسلام    خالد الجندي: شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يخالف شرعنا    مراجعة ليلة الامتحان في الرياضيات فرع (الإستاتيكا) للثانوية العامة 2025 (pdf)    ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة إلى 101 منذ فجر الخميس    تفاصيل القبض على أصحاب فيديو السباق في مدينة 6 أكتوبر.. فيديو    منتخب الشباب يؤدي تدريبه الأول استعدادا لوديتي الكويت    لميس جابر: الإخوان وضعوني على قوائم الإرهاب وفضلت البقاء في مصر رغم صعوبة فترتهم    خالد الغندور: جون إدوارد لديه مشروع جديد والزمالك يحتاج الدعم الكامل    مستشفى 15 مايو ينجح فى إنقاذ مريضين في عمليات حرجة تنتهي بلا مضاعفات    مدير التأمين الصحي بالقليوبية تتفقد مستشفيات النيل وبنها لضمان جاهزية الخدمات    من يتحمل تكلفة الشحن عند إرجاع المنتج؟.. الإفتاء المصرية توضح الحكم الشرعي    أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا لثبوت ضرره بالقطع من الأطباء    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى حلوان العام ومركز أطلس ويوجه بإجراءات عاجلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب والترك
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 05 - 2019

الصراع على السلطة هو آفة الحكم العربى الإسلامى منذ بدايته؛ والفشل فى تنظيم السلطة وتقاسمها ومحاسبتها وتداولها هو الإخفاق الأكبر الذى قامت عليه كل الإخفاقات التالية التى أصابت الحضارة العربية الإٍسلامية. تصارع العرب على السلطة، وانقسموا إلى أنصار ومهاجرين، وإلى قبائل اليمن وقبائل العدنانيين من مضر وربيعة، وإلى شيعة وسنة.
استعان العباسيون بالفرس بعد أن خذلهم العرب وفقدوا الثقة فيهم، فقامت الدولة العباسية، وكادت تكون خلافة ودولة فارسية. تغول الفرس وتجبروا، وتآمروا للسيطرة على الدولة، فأتى الخليفة المعتصم، ثامن الخلفاء العباسيين، بالأتراك ليوازن بهم نفوذ الفرس المتغطرسين. استخدم المعتصم الأتراك فى الجيش على نطاق واسع، وجعلهم تحت إمرة قادة منهم، وبنى لهم مدينة جديدة – سامراء، وجعلها عاصمة لملكه بدلا من بغداد التى لم يعد يأمن لأهلها.
أتى المعتصم بالجنود الأتراك من الخزان البشرى الكبير للشعوب التركية فى آسيا الوسطى، وهى المنطقة التى توجد فيها اليوم دول تركمانستان وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا. كان ذلك فى القرن التاسع الميلادي، أى قبل أن يصل ترحال الترك وغزواتهم إلى الأناضول، التى كانت حتى ذلك الوقت أرضا تابعة للدولة البيزنطية، تسكنها أغلبية من اليونانيين.
انتهى الآلاف من الترك جنودا فى جيش المعتصم عن طريق تجارة العبيد، والأسر فى الحروب، وعن طريق الهدايا من الرقيق التى أداها ولاة الأقاليم للخليفة. ظهر الجنود الأتراك على مسرح أحداث الشرق الإسلامى أولا فى هيئة الجنود العبيد، الذين تطورت عنهم بعد ذلك طائفة المماليك، التى كانت الظاهرة الأهم فى سياسات المنطقة حتى وقت قريب، والتى تركت بصمة ثقيلة على السياسة والثقافة السياسية لشعوب الشرق العربى إلى اليوم.
إلى جانب المماليك أسست قبائل تركية دولا حكمت مساحات واسعة من العالم الإسلامي، فكان هناك أولا الدولة السلجوقية، ثم لاحقا الإمبراطورية العثمانية. هؤلاء هم الأتراك المسلمون، الذين إما أسلموا اختيارا، أو أنهم أسلموا فى العبودية والأسر عندما جرى تداولهم كمماليك. لكن كان هناك أيضا قبائل تركية وثنية، وهى القبائل التى تركت بصمة لا تنسى فى تاريخ الشرق، لعل أشهرها اجتياح التتار جميع الممالك الواقعة بين الصين والبحر المتوسط فى القرن الثانى عشر الميلادي.
تاريخ الشرق الأوسط هو تاريخ تغلب شعوب الرعاة المقاتلين على شعوب المزارعين المستقرين، وتقلب دول الرعاة واحدة بعد أخرى، كلما أصابت رفاهة الحكم والاستقرار والحضارة سلالة حاكمة، تغلبت عليها سلالة جديدة فيها جلافة الصحراء وصرامة البدو. لم يعكس شيء هذا النمط فى تاريخ الشرق الاوسط قدر ما عكسه تاريخ الشعوب التركية.
الأتراك، تاريخيا، هم أمة من الرعاة البدو المحاربين، الذين عاشت قبائلهم فى آسيا الوسطى حتى حدود الصين. تاريخ الأتراك فيه الكثير من الترحال والغموض والفترات غير المدونة، وهم يشبهون فى ذلك العرب الذين لم يشرعوا فى تدوين تاريخهم إلا بعد الانتقال لمرحلة الاستقرار وبناء الدولة مع ظهور الإسلام، وإن كان العرب قد سبقوا الترك فى ذلك بعدة قرون. مثل غيرهم من شعوب الرعاة، بنى الأتراك مجدهم على الغزو. أغارت قبائل الرعاة الأتراك على المجتمعات الزراعية المستقرة وشكلوا تهديدا كبيرا لها، وقد بلغ هذا التهديد ذروته عندما اجتاح التتار الدولة العباسية، ودمروا عاصمتها بغداد فى عام 1258، وأحرقوا مكتباتها وكنوزها الثقافية.
المفارقة اللافتة للنظر هى أنه رغم الأثر السياسى الكبير الذى خلفه الأتراك على تاريخ المنطقة، فإن أثرهم الثقافى عليها يبدو محدودا بدرجة كبيرة. يرى أحمد أمين أن الحضارة الإسلامية تأثرت بثلاثة روافد ثقافية مهمة، فارسية وهندية ويونانية. بعض الباحثين الآخرين يزيد عدد الأمم التى أثرت بثقافتها فى حضارة الإسلام لتشمل أيضا المصرية والسريانية. اللافت للانتباه هو أن الثقافة التركية لا تظهر أبدا ضمن المصادر التى تركت أثرها فى الثقافة والحضارة الإسلامية، فبماذا أسهم الترك فى الثقافة والحضارة الإسلامية؟
لن تكون بعيدا جدا عن الصواب لو أن إجابتك على هذا السؤال هي: لا شيء. لا يوجد تاريخ علمى وثقافى مهم للأتراك، لكن لهم بالتأكيد تاريخ عسكرى شديد الأهمية. لقد أسهم الكثيرون فى بناء المعرفة والثقافة والحضارة الإسلامية. أطلق الإسلام قريحة العرب وفتح آفاق تفكيرهم، فكان منهم فقهاء ومحدثون وفلاسفة متكلمون، وأطباء، ونحاة، وشعراء، ومؤرخون. الفرس أيضا كان لهم إسهام كبير جدا فى الحضارة العربية الإسلامية، مرة عندما ترجموا الكتب الفارسية القديمة للغة العربية، ومرة ثانية عندما ألف المثقفون الفرس باللغة العربية كما لو كانت لغتهم الأم، فمنحوا الحضارة العربية الإسلامية أسماء لامعة، وإسهامات لا يمكن تخيل حضارة وثقافة العرب دونها؛ ومن تلك الأسماء والإسهامات كان هناك سيبويه فى النحو، وابن المقفع فى الأدب، وبشار بن برد فى الشعر، وعبد الحميد الكاتب فى النثر، والترمذى والنسائى فى الحديث، والخوارزمى فى الرياضيات، وابن سينا وأبو بكر الرازى فى الطب، وأبو حامد الغزالى فى الفقه والعقيدة. كم اسما لأتراك أسهموا فى الحضارة العربية الإسلامية يمكنك تذكره؟ لا أعتقد أنه يمكنك تذكر الكثير، لأنه لا يوجد إلا النذر اليسير الذى يمكن إهماله دون أن تتأثر معرفتنا بميراثنا الحضاري.
نبغ الأتراك فى فنون القتال، فحققوا انتصارات عسكرية مشهودة ضد خصومهم فى الشرق والغرب. لكن الأتراك لم يكونوا أهل علم وحكمة ومعرفة، فعطلوا عملية تطوير الفكر والحضارة الإسلامية. حكم الأتراك العثمانيون القسم الأهم من العالم الإسلامى فى اللحظة التى كان فيها الأوروبيون ينتقلون لتأسيس حضارة الغرب ومصادر قوتها على علوم وأفكار ومعارف جديدة، فيما فرض الأتراك الجمود على الحضارة والثقافة الإسلامية. واصل الأتراك العثمانيون المراهنة على الجنود الانكشارية وسيوفهم القديمة فيما كان العالم يتغير ويتقدم. خسر الأتراك الرهان، وجلبوا الخسارة للعرب وللحضارة الإسلامية كلها.
لمزيد من مقالات د. جمال عبد الجواد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.