مجلس الشيوخ يستأنف جلساته العامة اليوم    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    أسعار الأسماك واللحوم اليوم 30 أبريل 2024    أسعار الذهب تتجه للصعود للشهر الثالث بفضل قوة الطلب    بايدن يخاطر بخسارة دعم الشباب في الانتخابات بسبب الحرب على غزة    ختام عروض «الإسكندرية للفيلم القصير» بحضور جماهيري كامل العدد ومناقشة ساخنة    «طب قناة السويس» تعقد ندوة توعوية حول ما بعد السكتة الدماغية    حقيقة نشوب حريق بالحديقة الدولية بمدينة الفيوم    تراجع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الثلاثاء 30 إبريل 2024    الجيش الأمريكي ينشر الصور الأولى للرصيف العائم في غزة    مقتل 3 ضباط شرطة في تبادل لإطلاق النار في ولاية نورث كارولينا الأمريكية    تعرف على أفضل أنواع سيارات شيفروليه    اندلاع اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في مخيم عسكر القديم شرق نابلس    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    مباراة من العيار الثقيل| هل يفعلها ريال مدريد بإقصاء بايرن ميونخ الجريح؟.. الموعد والقنوات الناقلة    تعرف على أسباب تسوس الأسنان وكيفية الوقاية منه    السيطرة على حريق هائل داخل مطعم مأكولات شهير بالمعادي    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    حبس 4 مسجلين خطر بحوزتهم 16 كيلو هيروين بالقاهرة    العميد محمود محيي الدين: الجنائية الدولية أصدرت أمر اعتقال ل نتنياهو ووزير دفاعه    نيويورك تايمز: إسرائيل خفضت عدد الرهائن الذين تريد حركة حماس إطلاق سراحهم    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    مجلس الدولة يلزم الأبنية التعليمية بسداد مقابل انتفاع بأراضي المدارس    حماية المستهلك: الزيت وصل سعره 65 جنيها.. والدقيق ب19 جنيها    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    فتوى تحسم جدل زاهي حواس حول وجود سيدنا موسى في مصر.. هل عاصر الفراعنة؟    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    محلل سياسي: أمريكا تحتاج صفقة الهدنة مع المقاومة الفلسطينية أكثر من اسرائيل نفسها    تعرف على موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    نظافة القاهرة تطلق أكبر خطة تشغيل على مدار الساعة للتعامل الفوري مع المخلفات    د. محمود حسين: تصاعد الحملة ضد الإخوان هدفه صرف الأنظار عن فشل السيسى ونظامه الانقلابى    أستاذ بجامعة عين شمس: الدواء المصرى مُصنع بشكل جيد وأثبت كفاءته مع المريض    مفاجأة صادمة.. جميع تطعيمات كورونا لها أعراض جانبية ورفع ضدها قضايا    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    «هربت من مصر».. لميس الحديدي تكشف مفاجأة عن نعمت شفيق (فيديو)    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    توفيق السيد: لن يتم إعادة مباراة المقاولون العرب وسموحة لهذا السبب    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    خليل شمام: نهائى أفريقيا خارج التوقعات.. والأهلى لديه أفضلية صغيرة عن الترجى    تقديم موعد مران الأهلى الأخير قبل مباراة الإسماعيلى    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهلا يا أنا..
هذا الطراز النادر من العشاق
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 05 - 2019

«فى عيون أمثاله من العشاق بريق مستقبل مختلف عن الماضى». هذا ما همس به صديقى العميد عدلى الشريف وهو يحدثنى عن لحظة استشهاد عبدالمنعم رياض احد الآباء الحقيقيين للانتصار الذى لا يحلو رمضان إلا بتذكاره؛ وهو انتصار أكتوبر الذى كان عبارة عن ضفائر من أفكار تبدو بسيطة ولكن كل فكرة كان وراءها تاريخ.
...........................................................
كان عدلى الشريف فى تلك الايام يتولى مسئولية التنسيق بين الخارجية المصرية وبين الصليب الأحمر كنائب للواء محمد صادق مسئول المخابرات الحربية. ولاتزال كلمة عدلى شريف ترن فى ذاكرتى، الكلمات تقول « المقاتل عبدالمنعم رياض هو واحد من قلة تعرف أن هناك خطوات يجب السير فيها بداية من تحديد الهدف ودراسة الطرق التى تحققه وكيف يمكن أن يتدرب عليها المقاتل حتى يصل إلى مبتغاه».
وكانت دموع عدلى الشريف فى تلك اللحظة تنسال رغما عنه وهو يحكى لى عما تعلمه من أستاذه عبدالمنعم رياض. فقد روى كيف اعتذر عن قبول أى مهمة لها علاقة بالشأن السياسى اليومى وهو من أقنع ضباط يوليو أنهم يحتاجون لمن يدرس العلوم العسكرية بجانب عملهم السياسي؛ فلم يكن عبدالمنعم رياض غافلا عن طبيعة الصراع فيما بعد. فقد رأى بعيون المستقبل أن هناك أكثر من مواجهة بين المصريين وبين ما تحشده قوى الحضارة الغربية وراء دولة إسرائيل الوليدة؛ طبعا كان العالم العربى _فى مجموعه_ قبل ثورة يوليو مجرد مستعمرات تدار بواسطة دول كبرى. وان الثورة قد تنجح فى مصر لكن دول الاستعمار القديم ستحرص على إيجاد تنافس لا محل له من الإعراب بين مصر السابقة بالتعليم عن بقية العالم العربى المقسم بين فرنسا وإنجلترا والدولة الحوت البازغة من خلف الاطلنطى المسماة الولايات المتحدة.
وكانت المدفعية هى الباب الملكى الذى دخل منه عبدالمنعم رياض لفهم العالم. وكانت هى شهادة إتقانه فيما قبل اليوم الاخير الذى خرج من بعده من دنيانا فحرب الاستنزاف التى بدأها فى اليوم السابق لاستشهاده كانت درسا مهينا لخبرات الإسرائيليين. حشد الرجل كل المدافع قديمها وحديثها وتخيل مستطيلا افتراضيا فوق خط المواجهة. ضحك الخصم لأن تجميع المدفعية بشكل علنى لتطلق النيران هو الدرس الاول للمدفعية؛ ولم ينتبه الخصم إلى ان عبدالمنعم رياض قرر إطلاق كمية من النيران تستهلك كل الاوكسجين الموجود لحظة الانفجار فينهى حياة الموجودين تحته. وتكبدت الخصوم لحظتها أعدادا لم تتوقع لها النهاية؛ فكان درسا يقول إن البدايات يمكن ان تصنع نهايات ايضا. وطبعا لم تنس إسرائيل ان مجلس وزراء إسرائيل اجتمع ليدرس الرعب يوم الخامس من يونيو 1967 عندما قاد عبدالمنعم رياض الجبهة الاردنية؛ وكان قد سبق له تنبيه القاهرة فيما بعد منتصف ليل الرابع من يونيو إلى أن الحرب ستبدأ فى الصباح؛ لكن ترهل العقول والقلوب لم ينتبه فكان الخامس من يونيو يوم عار شامل للعالم العربى. و عندما تولى رئاسة أركان القوات المسلحة بعد الهزيمة كان رجاؤه الحار لعبدالناصر زميل دفعته الا يقبل اى انسحاب إسرائيلى من سيناء إلا بعد معركة حربية لانه متيقين بأن هناك عقولا مصرية قادرة على هزيمة الخصم.
ولم يكن عبدالمنعم رياض ناسيا ما قرأه لكل ملفات الضباط الموجودين بالجيش المصرى ليعرف مواهب وخصائص القادة منهم كما جاء ذلك فى الإصدار التسجيلى الذى أصدرته القوات المسلحة بعد مرور خمسة وعشرين عاما على حرب أكتوبر.
والمؤكد أن حساباته السياسية لم تكن لتغفل قدرات سعد الدين الشاذلى أو الجمسى، أو إبراهيم الرفاعى الذى انتقم لمقتل عبدالمنعم رياض بقتل كل من كان فى الموقع الذى انطلقت منه النيران التى أنهت حيوية جسد القائد النبيل لكن حيوية الفكر وإعادة الترتيب هى من وهبتنا بعد صعوده إلى الملأ الاعلى روحا من المثابرة والإتقان تحقق بهما انتصار رمضان.
كان الرجل قد عاش وخبر ودرس واستوعب ما استقر عليه يقينه عندما اعتذر عن الانضمام لتنظيم الضباط الاحرار ورصد نفسه للعلوم العسكرية؛ وتابع بالمودة والتقدير رحلة زميل دفعته جمال عبدالناصر الذى كان يعيش أكثر من حلم ومحاصراً بأكثر من هاجس. وكان معه ومن حوله كثير ممن يقدسون قيادته وعدد لا يستهان به ممن يطمعون فى تحويل الثورة إلى غنائم صغيرة. لتمضى أيام يوليو محروسة بالحظ الطيب وسط صراعات قادة كل منهم يعطى وينتظر مغنما هو إنجاز جزء من المسئولية؛ فهناك قائد الأسراب الطيار جمال سالم الذى امتلأ حماسا للإصلاح الزراعى ولبناء السد العالى وهناك زميله عبداللطيف البغدادى الذى استطاع بناء كورنيش النيل بطول 63 كيلو مترا فى ثلاثة أشهر وهناك الرابض بين أفرع التجاذبات السياسية أنور السادات المتجهة عيونه صوب ما يشير به جمال عبدالناصر؛ ومضت قافلة 23 يوليو فى محيط عالم متلاطم الأمواج وصارت قيادة عبدالناصر مؤكدة فى مصر بتأميم قناة السويس التى استطاع محمود يونس ورفاقه استخلاصها بجدارة من أحفاد ديليسبس الذى أشرف على حفرها بعظام وجوع ودم عشرات الالاف من الفلاحين.
ولم تكن عيون روح عبدالمنعم رياض وهى تصعد إلى الملأ الاعلى بعيدة عن تذكار ما أضافه محمود يونس حين استعان بخبرات رشحتها له قدراتهم على إنجاز أصعب المهام؛ وكانت المهمة هى تأميم قناة السويس بغرض استرداد مصر حقها ولتستطيع بناء السد العالى الذى أشرف على بنائه زميل شديد التواضع والدقة اسمه صدقى سليمان هذا الذى عاش رحلة بناء السد والتى من خلالها تعلم مهندس شاب هو باقى زكى كيفية تحريك جبال الرمال بمدفعية المياه؛ تلك المدفعية التى نقلها باقى زكى لقادته فكانت هى القاتلة لأسطورة خط بارليف الذى تهاوى لتعبر القوات فى العاشر من رمضان المجيد.
ولم يوجد ضابط عظيم فى تلك الحرب الجليلة إلا وقد مر ملفه العسكرى تحت عيون التقييم من عبدالمنعم رياض.
وعن نفسى ما زلت أذكر فن زراعة عشق العلم والعمل الذى زرعه عبدالمنعم رياض فى أجيال أضاءت التاريخ المصرى بما يفوق الخيال.ومازلت أذكر عبدالرحمن الابنودى وهو يرتل شعره فى وداع البطل وكان قد لمس بنفسه كيف اخذت الجماهير جمال عبدالناصر من مقدمة مودعى عبدالمنعم رياض لتتعب حراسته الخاصة ولتفاجأ به فى الصف الاول من المصلين على جثمان البطل الذى أعطى ليأخذ ما حلم به وهو الاستشهاد ولن أنسى حكايات صديقى الطبيب النفسى الجليل احمد عكاشة الذى كانت عائلته فى الصبا تسكن فى العمارة نفسها التى تقطنها عائلة عبدالمنعم رياض؛ وكان رياض مشهورا بأنه سيد الرياضيات القادر على حل أى مسالة فى الميكانيكا أو الجبر ويتلو المعادلات الكيميائية فور قراءتها مرة واحدة؛ فضلا عن تفوقه الرياضى وحرصه على مشاركة الكبير ثروت عكاشة فى سماع السيمفونيات وعشقهما المشترك لفاجنر هذا المؤلف الموسيقى الذى آمن بانحطاط التعصب رغم اتهام الصهونية له بالتعصب. وتظل عبقريته فى الاوبرا خالدة لما بعد كتاباتى هذه وإلى أن يرث الله الارض ومن عليها. وكثيرا ما رويت لثروت عكاشة كيف تغسلنى اوبرا تانهاوزر من اثقال الهموم والظنون بما يفوق ما كتبه لى شقيقه دكتور أحمد عكاشة من اقراص تحارب الاكتئاب. وأضحك قائلا «عن نفسى كنت أكره مضاد الاكتئاب الاشهر التربتيزول خصوصا بعد ان علمت انه يتسبب فى زيادة رغبة الإنسان فى التبول فيخرج من جسمه قدرا كبيرا من الماء فيقع الإنسان فريسة للعطش. وقد استخدمته الولايات المتحدة فى حرب فيتنام بكثرة حتى لا يفكر الجنود عن سبب وجودهم فى فيتنام؛ فكل منهم راغب فى التبول معظم الوقت وعطشان فيما بقى من زمن؛ أفهى الحرب التى لم يعرف احد سببا لها حتى كتابة كلماتى تلك».
وإن كانت ذاكرتى مازالت تحمل تفاصيل محاولة الولايات المتحدة لتوسيط جمال عبدالناصر فى تهدئة قتال الجنرال جياب للقوات الامريكية فى هانوى وكيف سخر عبدالناصر من هذا المطلب. وكان من روى لى لمحة من هذا الأمر هو أندرييه السكرتير المساعد للحزب الشيوعى الفرنسى وهو من أكد لى أن إسرئيل سوف تحارب مصر لتكسر شوكة القومية العربية. وكنت أظن أن محمد شكرى حافظ ضابط المخابرات المصرى بسفارتنا الباريسية؛ وهو من اكد لى ان كل المعلومات الخاصة بذلك قد وصلت إلى القاهرة, لكنه ألمح إلى الفجوة غير الظاهرة بين من هم حول عبدالحكيم عامر وبين الجادين من القادة الجادين القادرين على فهم حقيقة الصراع العربى الإسرائيلى هؤلاء الملتفين حول عبدالمنعم رياض فيما كان يسمى القيادة العربية المشتركة.
لمزيد من مقالات منير عامر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.