الدولار يتراجع.. أسعار العملات اليوم الثلاثاء بالبنك المركزي (تفاصيل)    محافظ كفرالشيخ: توريد 178 ألف طن من القمح وصرف مستحقات المزارعين بانتظام    ترامب: أبلغت الرئيس الروسي بضرورة وقف إراقة الدماء في أوكرانيا    الحوثيون يُعلنون حظرًا بحريًا على ميناء حيفا في إسرائيل.. ما السبب؟    «تليق يا مو».. كيف تفاعلت جماهير ليفربول مع قرار سلوت تجاه صلاح؟    التعليم تكشف عن سن التقديم لمرحلة رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي    مهرجان كان يعدل جدول أعماله بسبب دينزل واشنطن ويفاجئه بجائزة "السعفة الذهبية الفخرية" (فيديو)    فلسطين.. الطائرات الإسرائيلية تشن 10 غارات على شرق غزة وجباليا شمال القطاع    نتنياهو: الحرب يمكن أن تنتهي غدا إذا تم إطلاق سراح الرهائن المتبقين    الملاذ الآمن يتألق من جديد.. ارتفاع ب أسعار الذهب مع تراجع الدولار وتصنيف «موديز»    أحدها لم يحدث منذ 2004.. أرقام من خسارة ليفربول أمام برايتون    لحل أزمة استقالة كامل أبو علي.. جلسة طارئة مع محافظ بورسعيد    أحمد دياب: إيقاف النشاط أمر غير وارد    عاجل| عرض خليجي خرافي لضم إمام عاشور.. وهكذا رد الأهلي    صيام صلاح مرة أخرى.. ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي الممتاز بعد خسارة ليفربول    الأهلي والزمالك.. من يتأهل لنهائي دوري السوبر لكرة السلة؟    تكريم طالبين بجامعة عين شمس لحصولهما على جائزة بمسابقة عمرانية    4 قرارات عاجلة من النيابة بشأن بلاغ سرقة فيلا نوال الدجوي    نفوق 10 آلاف دجاجة.. 7 سيارات إطفاء للسيطرة على حريق بمزرعة دواجن بالفيوم- صور    الأرصاد تُحذر: شبورة ورياح مثيرة للرمال والأتربة على هذه المناطق اليوم    حبس شاب متهم بالشروع في قتل آخر بالعياط    إصابة 3 أشخاص في مشاجرة بسبب خلافات الجيرة بسوهاج    مشروعات عملاقة تنفذ على أرض أشمون.. تعرف عليها    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    فضل حج بيت الله الحرام وما هو الحج المبرور؟.. الأزهر للفتوى يوضح    محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل ويشدد على سرعة الإنجاز (صور)    سيلان الأنف المزمن.. 5 أسباب علمية وراء المشكلة المزعجة وحلول فعالة للتخفيف    رئيس شعبة مواد البناء: لولا تدخل الحكومة لارتفع سعر طن الأسمنت إلى 5000 جنيه    إغلاق 7 منشآت طبية مخالفة و7 محال تجارية فى حملة بقنا    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    منافس الزمالك في ربع نهائي كأس الكؤوس الأفريقية لليد    هل يوجد في مصر فقاعة عقارية؟.. أحمد صبور يُجيب    شعبة المواد الغذائية تكشف 4 أسباب لعدم انخفاض أسعار اللحوم مقارنة بالسلع التموينية (خاص)    وفد قبطي من الكنيسة الأرثوذكسية يلتقي بابا الڤاتيكان الجديد    سامي شاهين أمينا للحماية الاجتماعية بالجبهة الوطنية - (تفاصيل)    جامعة حلوان تنظم ندوة التداخل البيني لمواجهة تحديات الحياة الأسرية    بعد نجل محمد رمضان.. مشاجرات أبناء الذوات عرض مستمر في نيو جيزة| فيديو    وزير الاستثمار يتوجه للعاصمة الألمانية برلين لتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين    عليك إعادة تقييم أسلوبك.. برج الجدي اليوم 20 مايو    تامر أمين ينتقد وزير الثقافة لإغلاق 120 وحدة ثقافية: «ده إحنا في عرض مكتبة متر وكتاب»    "يا بختك يا أبو زهرة".. الصحفي محمد العزبي يكشف تفاصيل وقف معاشه بعد بلوغه ال90 عاما    حدث بالفن | حقيقة إصابة عبدالرحمن أبو زهرة ب "الزهايمر" وموعد حفل زفاف مسلم    موعد نقل القناع الذهبي لتوت عنخ آمون إلى المتحف المصري الكبير    أستاذ علاقات دولية: الاتفاق بين الهند وباكستان محفوف بالمخاطر    ما مصير إعلان اتصالات بعد شكوى الزمالك؟.. رئيس المجلس الأعلى للإعلام يوضح    4 أبراج «زي الصخر».. أقوياء لا ينكسرون ويتصرفون بحكمة في المواقف العصيبة    استشهاد 10 فلسطينيين بينهم أم وأطفالها الستة في قصف للاحتلال على قطاع غزة    ترامب يوقع مشروع قانون يجعل نشر الصور الإباحية الانتقامية جريمة اتحادية    سلطات فرنسا تعلن مصرع مهاجر وإنقاذ أكثر من 60 آخرين فى بحر المانش    سرعة الانتهاء من الأعمال.. محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل    وزير العمل: قريباً توقيع اتفاقية توظيف للعمالة المصرية في صربيا    هل يجوز للمرأة أداء فريضة الحج عن زوجها أو شقيقها؟.. أمينة الفتوى: هناك شروط    «للرجال 5 أطعمة تحميك من سرطان البروستاتا».. تعرف عليهم واحرص على تناولهم    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    مزارع الدواجن آمنة إعلامى الوزراء: لم نرصد أى متحورات أو فيروسات    ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟    رئيس جامعة دمياط يفتتح المعرض البيئي بكلية العلوم    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنيا 2025.. جدول رسمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد رسول الحرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 05 - 2019

المؤكد أن سيرة النبى - عليه الصلاة والسلام - قد جذبت إليها أنظار أقلام الكثيرين على مر العصور ليكتبوها مثل ابن إسحاق الذى توفى فى منتصف القرن الثانى للهجرة. وقد جاء بعده ابن هشام الذى كتب السيرة النبوية للنبى محمد رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. وتعد «سيرة ابن هشام» من أهم كتب السيرة ومصادرها الرئيسية. وقد أجرى ابن هشام على ابن إسحاق بعض التعديلات إضافة وحذفا، حيث قام بتهذيبها وحذف الكثير من الإسرائيليات والأشعار المنتحلة فعرفت السيرة باسم ابن هشام، واهتم بها الباحثون، وأُلِّفت عليها العديد من الشروحات والمختصرات. وقد استمر الاهتمام بسيرة النبى الكريم إلى عصرنا الحديث، وأُعيدت كتابة هذه السيرة من منظور أدباء عصرنا الحديث إلى أن جاء جيل ثورة 1919، وأعاد كتابة هذه السيرة من منظوره الحديث ونزعته العقلانية التى فرضت نفسها على كتابة السيرة، فسعت إلى عقلنتها وتخليصها من كثير من الخرافات والخزعبلات، وقدَّمتها على نحو يخاطب العقل والوجدان عند المسلم الذى عاش فى أعقاب ثورة 1919، متأثرًا بما جاء بعدها من تطورات فى العلوم الإنسانية والطبيعية، وبما طرأ على عوالم الفكر الإنسانى من نزعات عقلية أخرجت أمثال طه حسين الذى كتب كتابه الرائع «على هامش السيرة»، وهو سرد مبسط للسيرة النبوية، متابعًا ما ورد فى كُتب السيرة ولكن بطريقة حديثة حاولت عقلنة هذه السيرة وتخليصها من الخرافات التى امتلأت بها عبر العصور، وكان ذلك عام 1933.
.................................
ومضت السنوات إلى أن جاء الأستاذ عبدالرحمن الشرقاوى، فكتب كتابه «محمد رسول الحرية» فى مطالع الستينيات (تحديدًا فى العشرين من فبراير سنة (1962). والفارق بين كتابة عبدالرحمن الشرقاوى وكتابة طه حسين هو الفارق بين مدرستين حديثتين. الأولى تلتزم بوقائع السيرة التاريخية، فلا تحذف منها إلا ما كان خارجًا عن العقل، وتصوغ الوقائع الثابتة فى أسلوب أدبى جميل يعطى للسيرة نكهة جديدة وأسلوبًا حديثًا فيجذب إلى قراءتها الأجيال الجديدة التى كان منها جيلى الذى قرأ «على هامش السيرة» فى الخمسينيات الباكرة إلى أن مر الوقت وقرأ هذا الجيل عمل عبدالرحمن الشرقاوى «محمد رسول الحرية» الذى كتبه فى الستينيات. وكان الفارق بين سيرة طه حسين وسيرة عبدالرحمن الشرقاوى فارقًا كبيرًا، فقد كان طه حسين مهتمًا بالشخص «الإنسان» وبالكائن الاستثنائى الذى اختاره الله نبيًّا ورسولًا، ومن هنا قَبِل طه حسين أحاديث عدد من المعجزات التى اقترنت بسيرة الرسول الكريم منذ مولده ونشأته إلى نضوجه وهبوط الرسالة الربانية عليه فى غار «حراء»، فضلًا عن رعاية الله سبحانه وتعالى له ولصاحبه أبى بكر الصديق، وهما يفران من أهل مكة بظلمها وجبروتها إلى ترحيب أهل يثرب وإقبالها على العقيدة الجديدة. أما عبدالرحمن الشرقاوى، فقد قرر أن تكون سيرته للرسول الكريم، هى سيرة للإنسان الذى كان يصف نفسه دائمًا بأنه بشر: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» (سورة الكهف: الآية 110)، لا يفترق عن غيره من البشر، وأنه كان ابن امرأة تأكل القديد (اللحم المجفف)، ولذلك لم يقبل عبدالرحمن الشرقاوى فى سيرته أى خبر يدخل فى باب المعجزات أو يرتبط ارتباطًا مباشرًا بما اقترن بحياة الرسول من معجزات حدثت بسببه أو من أجل حمايته من أعدائه الذين أصبحوا أعداء الإسلام.
لقد كان هدف عبدالرحمن الشرقاوى فى سيرته هو أن يؤكد أن للإسلام دورًا تقدميًّا وتحريريًّا لم يزل يؤثر فى تاريخ البشرية ومستقبلها، كما كان يهدف فى الوقت نفسه إلى تصوير محمد بوصفه «رسولًا يبشر بالحرية والإخاء الإنسانى» والعدل على السواء، ولذلك فهو يعترض على الكثيرين من كُتّاب عصره الذين دارت معظم كتاباتهم فى السيرة حول النبوة والمعجزة، أى حول الرسول لا الرجل، وما كان يقصد إليه عبدالرحمن الشرقاوى تحديدًا هو أن يركِّز على «الرجل وليس النبى». لقد كان يؤمن أن فى حياة الرجل «ثروة لا تنفد من الإباء والرحمة والحب والحكمة والبساطة، والقدرة الخارقة على التنظيم والإبداع وكسب القلوب». ويؤكد الشرقاوى «أننا نخاف من الحديث عن الرجل؛ لأن فى مجتمعاتنا كثيرًا من الذين لا تروق لهم الحياة إلا إذا نصبوا فيها الفخاخ». وضد هؤلاء الذين يؤذيهم أن يجتهد الناس ليعالجوا فتح أبواب جديدة إلى المعرفة، وإلقاء الضوء على جوانب لم يعهدوها فى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم، فإن عبدالرحمن الشرقاوى يختار الكتابة عن محمد «الإنسان» وليس محمد «النبى». فالإنسان فى محمد يظل فى حاجة إلى الكشف، كما يظل فى حاجة إلى إلقاء الأضواء على الجوانب الإنسانية التى تؤكد بشريته، كما تؤكد ضعفه وحيرته أحيانًا مثل غيره من البشر، كما تؤكد فى أحيانٍ أخرى عجزه عن اتخاذ القرار الصائب والحتمى، ولذا كان يستشير صحابته ويسمح لهم أن يسألوه أو يُسائلوه عن طبيعة قراراته: أهى وحى يوحى إليه أم رأى بشرى قابل للاجتهاد؟ فإذا قال لهم إنه رأى بشرى عارضوه وأخبروه بالقرار الأصوب والأسلم، وهذا ما فعله عمر بن الخطاب معه كثيرًا، وما فعله الحُبَاب بنَ المُنذِرِ فى غزوة بدر حينما تحرك رسول الله إلى موقع ماء بدر، وبالقرب من مكان المعركة، نزل بالجيش عند أدنى بئر من آبار بدر فقال له الحُباب: «يا رَسُولَ اللّهِ، أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللّهُ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ ولا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: بَلْ هُوَ الرّأيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرَ [أى ندفن] مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنى عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ – صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: «لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرّأْى» فاستجاب إليه النبى، وبهذه الاستجابة انتصر المسلمون فى بدر أولى معاركهم الحربية، وما فعله سلمان الفارسى فى غزوة «الأحزاب» حين أشار عليه أن يحفر خندقًا حول المدينة كما يفعل الفرس وذلك لحماية المدينة من قريش وأحلافها، فاستجاب إليه النبى، وبهذه الاستجابة انتصر المسلمون فى المدينة، وخابت جحافل قريش وأحلافها وعادوا بالخزى، مُكللين بالعار.
وأعتقدُ أن إلحاح عبدالرحمن الشرقاوى على هذا الجانب، هو إلحاح مبرر، فقد كان يريد أن يبرز الجوانب الإنسانية فى شخصية «النبى» بوصفه إنسانًا، تنتابه لحظات من الضعف أو القوة، ويؤمن بالشورى فى كل الأحوال، فلا يستبد بالرأى وحده، ويشاور أصحابه مؤكدًا احترامه لعقولهم وليس انفراده بالرأى دونهم مع أنه كان يعلم أن الله معه ولن يُضيِّعه، ولكنه كان يحاول أن يعلِّم صحابته – ومن ثم يعلِّمنا نحن المسلمين- أن الحياة ينبغى أن تكون قائمة على الشورى بيننا، وأنه لا فارق بيننا نحن البشر إلا فى العقل الذى هو حجة الله علينا وأننا مأمورون بالاجتهاد فى كل ما يعرض لنا فى الحياة، ما لم يوجد هناك نص إلهى يحدد مسيرتنا وأهدافنا. ولم يكن يعادل إيمان محمد الإنسان بالله سوى إيمانه ب»العدل» بين الناس، و»العقل» الذى هو حجة الله عليهم. ودليلهم إلى حسن الاختيار وسبيل التقدم على السواء، ولذلك أمرهم بأن يتعلموا، وأن يتلقوا العلم حيث وجدوه ولو كان فى أبعد مكان فى الدنيا. وبقدر ما كان يُعلِّمهم الحب والخير والمساواة كان يعلمهم الحرية وضرورة إعمال العقل، فما كان يعلمهم أن فضائل الإنسان هى الأسوار المنيعة التى تحميه لا من نقاط الضعف فيه بل من كل ما يقع خارجه من غوايات يمكن أن تودى به إلى الجحيم. «إن الشرير دائمًا يتسول الحماية فى ظل الفضيلة، عندما يعجز عن قهر القيم الفاضلة.. وإن واجب الأخيار أن يدركوا هذا، وألا يسمحوا للشرير بأن يخدعهم، فإنه إنما يتلمس العفو لا لينضم إليهم جنديًّا من جنود القيم الشريفة، بل ليضرب الراية التى يتحركون تحتها حين يجيء الوقت.. على الذين يناضلون من أجل تحرير القلب والعقل والوجدان، أن يدركوا جلال مسئوليتهم التاريخية».
وكان محمد «الإنسان» يدعو فى الوقت نفسه إلى الرحمة رغم أنه كان يتلقى العذاب فى مكة الظالم أهلها مع مشرق كل شمس، ذلك لأنه كان يريد أن يصل بدعوته إلى كل من حوله، غير هيّاب ولا وَجِل من أعداء دعوته الذين لم ييأس قط من هدايتهم واستمالتهم إلى الحقيقة العادلة التى كانت تنطوى عليها دعوته إلى الإسلام الذى كان، ويجب أن يكون كما أراد الله له دينًا للحب والرحمة والعدالة والمساواة. وفى سبيل ذلك تحمَّل ما لا يتحمله غيره من البشر. وكان يقول إلى نفسه – كشخصية روائية فى كتاب عبدالرحمن الشرقاوي- «ألأنك تريد أن تفرض العقل على سلطان الفوضى، يجب أن تزكى عن نبالة ما تريد برؤوس أعز أصحابك أيضًا..؟! ما أفظع أن يكتب على الفكر أن يواجه قوى غاشمة بلا أخلاق!. الحياة نفسها تتحول إلى مجاهل من أشواك تسكنها العقارب والأفاعى الهائلة. كيف يواجه الإنسان هذا كله، وما يملك من سلاح أقوى من الكلمة؟!. بأية كلمات يجتاز الإنسان طريق الشوك حيث تقوم دولة الزواحف الرهيبة السامة، وتقهقه مروعة ساخرة من عجز الإنسان، تجلجل فى الآفاق العقيمة الخرساء! أيجب على الإنسان أن يبكى، تكفيرًا عن عجزه؟ ثم ماذا بعد البكاء؟! لكم بكينا فى الليالى السود من الزمن القديم، وحلمنا بأن يسود الإنسان، وأن يطهِّر الأرض، من كل ما يروعه! وكابدنا، وهاجرنا مع صحاب أعزاء، وواجهنا الموت معًا، والنصر معًا، والهزيمة معًا.. ثم عدنا نبنى بأيدينا حضارة وارفة يتغنى فيها القلب بالعدل والمستقبل. وعادت الزواحف الرهيبة السامة تهدد الإنسان، وضحكات المسوخ تنطلق فى سخرية، والقوة التى تعرت عنها الأخلاق، تتبجح وتتخايل وتتعدى.. وتعبث بكل ما هو رائع وجليل ونبيل من أحلام القلب المُضنَى».
هكذا كان محمد «الإنسان» يناجى نفسه، وهو يواجه بعض الهزائم فى السرد القصصى الذى يبدعه عبدالرحمن الشرقاوى فى قصه لحياة محمد «الإنسان» فينطق بصوته كما ينطق بصوت أصحابه صانعًا منهم شخصيات سردية حية تملك على القارئ وجدانه وعقله، وتُريه كيف استطاع هذا النبى «الإنسان» أن يصنع من الظلمة الحالكة نورًا ساطعًا، وأن يحقق بذكائه وحُسن تخطيطه وحرصه على مشاورة من يحيطون به من المخلصين المؤمنين برسالته الانتصار، وأن يواجهوا معًا كل مؤامرات قريش وأحلافها، وأن يخوضوا المعارك معركة إثر معركة، ينهزمون أحيانًا لكن الله ينصرهم فى أغلب الأحوال، معتمدين على شجاعتهم وعلى إيمانهم بالدعوة التى آمنوا بها والتى تقوم على طلب العدل فى عالم يسوده الظلم، وعلى طلب الحرية فى عالم يستعبدفيه الإنسان أخاه الإنسان، ويُحيله إلى عبدلا يختلف كثيرًا عن الحيوان. إن هذا «الإنسان» الذى حاول عبدالرحمن الشرقاوى أن يستبطن وعيه وأن يصوِّره قصصيًّا فى لحظات الضعف أو القوة ناطقًا دائمًا بالحق، لا يخاف شيئًا إلا الله الذى أخلص له وآمن من أعماق وجدانه بالرسالة التى حمَّله إياها للبشر الغارقين فى الإثم والشر والمعصية والظلم. ولذلك طالب كل إنسان بأن يعمل ليكسب عيشه ولكن على الأغنياء ألا يكنزوا، وعلى الذين أخذوا أن يعطوا، وظل يقول لهم: «ما آمن بى من بات شبعان وجاره طاوٍ». وكان يقول لهم: «أيما رجل مات ضياعًا بين أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وسوله».. «من كان له فضل ظهر فليَعد به على من لا ظهر له»، «من كان له فضل مال فليعد به على من لا مال لهم»، فلا حق لأحد منهم فى فضل». «من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم».
وقد هزت كلماته الكثير من أغنياء المسلمين وعرض أحدهم أن يتنازل عن كل ماله للصدقات. فقال له: «أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهو خَيْرٌ لَكَ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى». وبقدر ما وقف هذا الموقف مطالبًا الأغنياء بالعدل فى علاقاتهم بالفقراء، فقد أكد أنه لا رهبانية ولا تنطع فى الإسلام «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ...» (سورة الأعراف/ الآية 32). هكذا شجع العمل، كما شجع الكسب ولم يحرم الغنى من أن يزداد غِنى، ولكنه حرم أن يزداد الفقير فقرًا أو المحروم حرمانًا، وآخَ بين الناس الذين علَّمهم العدل والحرية والكرامة والإيثار، كما علَّمهم أيضًا أن «يصبح الإنسان – هو ما يعمله.. عمله هو الذى يُشكِّله، وهو الذى يُحدد له مكانه.. العمل وحده، لا الغنى، ولا صداقة محمد، ولا القرابة ولا شيء غير ما قدمت يداه.. لكم يبدو هذا كله عادلًا ورائعًا...، وهو ما برح يحضهم على تحرير العبيد ويقول لهم: « أَيُّمَا رجل مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّار»ِ... ويطالبهم أن ينفروا لإنقاذ المستضعفين فى كل مكان وينذرهم إن تخلفوا، ويتلو عليهم: «إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ» (سورة التوبة/ الآية 39). هذه القيم النبيلة التى هى بعض القيم التى تجسدها شخصية محمد «الإنسان».
صحيح أن آيات الله البينات التى تهبط عليه تؤكد مكانته المُفارِقة ولا تتناقض مع مكانته الدينية، فالإنسانى فى محمد لا يتناقض مع وجهه النبوى، كلاهما يطالب بالعدل والحب، وكلاهما يطالب بأن يكون فى مال الغنى حق معلوم للسائل والمحروم. عندما يدخل مكة تدمع عيناه ويتذكر هذا الغلام الصغير الذى ظل يتيمًا فى قومه، ولكنه أصبح اليوم يحمل مسؤولية تنوير الجميع. تدين له مكة والطائف، وتتبعه قريش وترتفع رايته على المدينة وعلى مضارب الخيام العديدة فى الصحارى الشاسعة، فبعد عشرين عامًا من الضنى والجهد المتصل ومكابدة الأهوال: «أصبح الذين طاردوه بالأمس أتباعًا خاضعين.. والذين سخروا منه وسبّوه وأغروا به السفهاء أقبلوا اليوم يلتمسون منه نظرة أو ابتسامة أو أى شىء.. يشير إلى رضاه عنهم.. البيوت التى أُغلقت فى وجهه تُفتح اليوم، والأسوار تلين، وأكاليل الغار تضفر، ولكن لا أكاليل الغار، ولا المُلك، ولا أُبهة السلطان ولا شيء من هذا كله، كان من بين ما يبحث هو عنه، لقد جاء يحمل كلمات مضيئة إلى الناس.. وما كان يلتمس غير الحقيقة، وكل ما ينشده الآن هو أن يجمع هؤلاء العرب المتنافرين تحت راية واحة ليكونوا أمة واحدة، يتحرر فيها الإنسان من سيطرة كل قوى الظلام».
ويظل محمد «الإنسان» زاهدًا فى مخايلات الدنيا يعيش حياته بما فيها من خير وشر، قانعًا برسالته الثقيلة التى حمَّله الله إياها، والتى كادت تودى به فى المهالك، ولكنه صبر على الصعاب وواجه الأهوال إلى أن نصر الإسلام وغرس أعلامه فى كل مكان. ويلتف الجميع حوله كى ينصروه بالمديح والثناء، فيقول لهم: «يا أيها الناس لا ترفعونى فوق مكانى.. لا تطرونى «إنما أنا بشر مثلكم».. وإنى لأكره أن أتميز عليكم».. وظل كما هو بعد انتصاره يقابل الجميع ويُعلِّم الجميع ويحدثهم عن الحياة والموت والعدل والرحمة والإخاء. وتمضى به سنوات شيخوخته فيعلن أنه يخرج إلى الحج، ويأخذ معه كل زوجاته ويتقدم أكثر من مائة ألف من الحجاج ليلتقوا به فى مكة، وهو أمامهم وإمامهم، يُعلِّمهم الشعائر التى يجب أن يتبعها الرجال والنساء على السواء.. يعلمهم الإحلال والإحرام، ويشرع من خلال ما يأمر به زوجاته ما يجب على المرأة «الحاجة». ومن على قمة الجبل، ارتفع صوت أكثر من مائة ألف مسلم لأول مرة يُردد نفس الكلمات: «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك لبيك». وتبلغه همسات الآلاف وهم يقولون: «إن فى وجهه نورًا من الغيب، ويده تمس الصخر فينفجر منه الماء». ولكنه حين يسمع هذا يغضب، وينفر العرق من جبهته، وينهى الناس عن أن يضيفوا إليه ما ليس له.. إنه يقول: «إنما أنا بشر مثلكم».. بشر يحب الطِّيب والنساء وقرة عينه فى الصلاة.. بشر جاء بمكارم الأخلاق.. وأنه ليضحك ويبكى ويأكل الطعام ويمشى فى الأسواق، ويستشير الناس لكى لا يخطئ، وينزل عند رأى الأغلبية، ويغضب ويرضى.. ويرفض أن يُقبِّل يده أحد، إنه بشر لا يفجر الماء ولا يضىء الظلمات.. بشر من لحم ودم وأعصاب، وإنما جاءكم بمكارم الأخلاق.. فلا تغضبوه أيها الناس.. لا تقولوا له سيدنا، فإنه ليغضب من هذه الكلمة وينهى عنها».
ويميل إلى الكعبة فيجلس فى ظلها، وهناك وجد مظاهر الغنى تبدو على بعض الناس، ومظاهر الفقر تميز الباقيين وجاءه أبو ذر فوجده يتلو: «... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» ( سورة التوبة/ الآية 34) ثم مال إلى أبى ذر وصاح: «هم الأكثرون ورب الكعبة.. هم الأكثرون ورب الكعبة».. فسأله أبو ذر: «من هم؟ فقال الأكثرون أموالًا.. ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدى زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم مما كانت وأسمنه، تنطحه بقرونها، وتطؤُه بأظلافِها، كلَّما نفِدَت أُخراها أعادتْ عليه أُولاها، حتَّى يُقضى بين النَّاسِ». ولا ينتهى من حَجه إلا بعد أن يُناشد الناس العدل فيما بينهم، ويعلِّمهم أن «يوم الوالى العادل أفضل من عبادة سبعين عامًا»، ويُعلِّمهم: «أن من أخذ شبرًا من أرض ظلمًا طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين».. ويعلمهم الجهاد من أجل تحرير الإنسان كما يعلمهم الصدق وأن شهادة الزور هى أكبر الكبائر، وينهاهم عن البخل وسوء الخُلق، كما يعلمهم مقاومة الظلم ويحذرهم من أمراء يكونون بعده «يتكلمون ويكذبون، فمن صدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منِّى ولا أنا منه» ويُعلمهم أنه: «ما ينبغى لمؤمن أن يكون بخيلًا ولا جبانًا». ويحذرهم من الرياء والنفاق ويحضهم على طلب العلم قائلًا لهم: «فضل العالِم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب». «العلماء ورثة الأنبياء». ويطالبهم أخيرًا «أن يكونوا أحرارًا أمام الحياة، وأن يمارسوا حرية العمل»، ويؤكد لهم أن الإنسان حر.. وعمله هو الذى يُشكِّله مؤكدًا أن حق الإنسان فى الحرية وواجبه مقدس فى الدفاع عنها وعن المستضعفين وعن حرية الآخرين.
وتغرب شمس الحياة فى جسده بعد أن أجهده الكفاح الطويل من أجل كل القيم النبيلة والجليلة التى بشَّر بها، والتى اضطُرَّ إلى أن يتحمل كل ظلم فى سبيلها، بل التى اضطُرَّ إلى أن يحارب من أجل تحقيقها، وها هو بعد أن حج حجة الوداع يشعر بانتصاره فيترك الحياة فرحًا مرحبًا بالموت ويصيب الفزع أصحابه، ولكن صوت أبى بكر ينطق عاليًا فى ارتعاشة لا توقف الدمع، لكنه يذكِّر الناس بما علَّمهم محمد «الإنسان»: «إنكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ» (سورة الزمر/ الآية 30).. «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (سورة عمران/ الآية 144). مات محمد حقًّا ولكن الله الذى عبده محمد وبشَّر برسالته ومدها على أطراف الأرض لم يمت، فالرسالة لا تزال باقية تضيء قلوب كل من يهتدى بها، وتؤكد فى كل زمان ومكان إنسانيتها، بل تغرى بهذه النزعة الإنسانية فيها كل من لا يؤمن بقداستها ولكنه يظل مؤمنًا ببطولة محمد، وأنه أحد أبطال التاريخ البشرى (كارلايل) وأحد عظمائه (مايكل هارت)، فصفة البشرية لا تقلُّ أهمية عن صفة النبوية، ولولا ذلك ما رأى الله - سبحانه وتعالى - استحقاقًا لنبوته، وما نبوته إلا الوجه الإلهى لبشريته ولكونه إنسانًا، فهو إنسان يدعو إلى الرحمة والحب والعلم والحرية والعدل.
هذه هى خلاصة كتاب «محمد رسول الحرية» لعبدالرحمن الشرقاوى. وبسبب ما ينطوى عليه هذا الكتاب، فُتنتُ به عندما قرأته عام 1966 بعد أن تخرجت فى الجامعة بعام واحد، وصرت أرجع إليه كثيرًا فقد فتننى الوجه الإنسانى فى حياة محمد، وجعلنى أزداد فهمًا للبعد الدينى للوجه الآخر من محمد «النبى». والحق أن محمدًا «الإنسان» ليس هو إلا الوجه الآخر لمحمد «النبى»، فالعلاقة بينهما أشبه بوجهى العملة الواحدة، بل أكاد أقول أن محمد «الإنسان» بصفاته الاستثنائية هى ما جعلت الله - سبحانه وتعالى - يميزه عن بقية البشر ويكلفه بهدايتهم وإبلاغهم آخر الرسالات التى تجعله خاتمة للديانات والأنبياء.
لكن يبقى فى كتاب عبدالرحمن الشرقاوى هذا النوع من التأويل الذى يُمايز قَصَّه لحياة محمد رسول الحرية والعدل عن قص طه حسين الليبرالى الذى لم يلتفت كثيرًا إلى الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية بالقدر نفسه الذى كان يركِّز عليها عبدالرحمن الشرقاوى الذى كان حريصًا كل الحرص على تصوير الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية التى جعلت من الإسلام دين المستضعفين فى قريش فى مواجهة ظلم المستبدين من أغنيائها، ومن ثم جعلت من الإسلام نفسه دينًا لكل طالبى الحرية والعدل والمساواة والكرامة الإنسانية فى مواجهة الظلم والفساد والتمييز واحتكار الثروات. وهنا يبدو الشرقاوى أقرب إلى نفوس الباحثين عن العدل والحرية والمساواة وعدم التمييز بين البشر وكل ما يُسيء إلى كرامة الإنسان، بوصفه المخلوق الذى فضَّله الله على غيره من مخلوقات الدنيا. مؤكدٌ أن طه حسين لا ينسى الأبعاد الإنسانية فى كتابه «على هامش السيرة»، ولكن ليبراليته جعلته لا يتقصى كثيرًا الجوانب الاجتماعية والاقتصادية التى كانت تميز مثلًا بين مجتمع مكة ومجتمع المدينة، وبين أولوية العدل والحرية فى رسالة محمد «النبى» و»الإنسان». ولكن يبقى أن المتعة فى الكتابين واحدة، ولكنى قرأتُ كتاب عبدالرحمن الشرقاوى فى الستينيات التى كنا نسمع فيها الحديث عن العدل الاجتماعى وعن الدولة القومية التى جاءت لكى تملأ الأرض عدلًا وحرية بعد أن مُلئت ظلمًا وعبودية، فأحببنا كتاب عبدالرحمن الشرقاوى عن «محمد رسول الحرية»، بل آثره بعضنا على كتاب طه حسين «على هامش السيرة» بمُجلداته المتعددة.
لمزيد من مقالات جابر عصفور;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.