سعر الدولار أمام الجنيه المصري خلال تعاملات اليوم الخميس.. 16 أكتوبر 2025    انخفاض مفاجئ في سعر الطماطم اليوم بسبب "الكنة"    طقس مائل للحرارة وشبورة صباحية وأمطار خفيفة.. الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس اليوم الخميس 16 أكتوبر 2025    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 16كتوبر 2025    مادورو يستنكر انقلابات ال«سي آي أي» في أمريكا اللاتينية    قوات الاحتلال تعتقل شابًا خلال مداهمة في بلدة علار شمال طولكرم    مستشارون أمريكيون: التركيز في غزة ينصب على منع التصعيد وضمان عدم وقوع استفزازات    ترامب يعتزم لقاء مودي خلال قمة آسيان    المغرب يتأهل لنهائي كأس العالم للشباب    مدحت شلبي عن أزمة أرض أكتوبر: كرة القدم ما تنفعش من غير أهلي وزمالك    ارتفاع أسعار الذهب عالميًا في بداية تعاملات الخميس 16 أكتوبر    كوريا الجنوبية.. عودة خدمة "يوتيوب" للعمل بشكل طبيعي بعد انقطاع مؤقت    محافظ الغربية ووزير الاوقاف يشهدان احتفالية مولد السيد البدوي    أحمد حمدي يكتب: «إخوان 2025.. التحالفات العابرَة للأيديولوجيا» 8    محسن صالح: شخصية الخطيب ستتغير في الولاية المقبلة للأهلي    امتداد لتاريخ من الحضور الوطني تحت القبة.. وجوه سياسية وفنية وإعلامية ضمن المعيّنين ب«الشيوخ»    أكمنة ثابتة ومتحركة| «التأمين العالي» سر اختيار شرم الشيخ لاستضافة «قمة السلام»    تجهيزات مسرح النافورة لفعاليات مهرجان «الموسيقى العربية» ال33    مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن لجان تحكيم دورته الثامنة    عصام عطية يكتب: صناعة التاريخ    دوري المحترفين.. «وي» يواجه الترسانة في الجولة التاسعة    مرتب ثابت 5125 جنيهًا.. أفضل شهادات بنك مصر 2025 لاستثمار 300 ألف جنيه    رسميًا.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 للعاملين في الدولة    في العمرة.. سهر الصايغ تشارك جمهورها أحدث ظهور لها أمام الكعبة    ننشر أسماء مرشحي انتخابات النواب 2025 بالفيوم بعد غلق باب الترشح    ترامب: نزع سلاح حركة حماس لا يحتاج إلى الجيش الأمريكي    عمرو محمود ياسين عن حالة زوجته: بنطمنكم لكن الطبيب منع الزيارة لحين استقرار الحالة    لماذا يجب الحصول على تطعيم الإنفلونزا الموسمية كل عام؟    أوسكار يجتمع مع حكام تقنية الفيديو بعد عودته من تشيلي    أحمد الجندي: هدفي ذهبية أولمبياد لوس أنجلوس.. وظروف طارئة منعتني من التواجد بقائمة أسامة أبوزيد في نادي الشمس    شوقي غريب يرشح 6 لاعبين من منتخب الشباب ل حسام حسن    كريم ذكري: شيكابالا اعتزل مجبرًا والزمالك لا يملك بديلًا لدوره    "بعد تكريمه من المحافظ".. عامل نظافة يحصل علي ماجيستير بالقانون ويترشح لانتخابات النواب في البحيرة (صور)    الجيش الإسرائيلي يعلن استلام جثتي رهينتين من الصليب الأحمر    رسمياً.. حقيقة تعديل مواعيد الدراسة بعد بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر    وفاة شاب فى حادث تصادم دراجة بخارية بعربة كارو بحى المناخ فى بورسعيد    نجاة 3 أشخاص بعد سقوط سيارة في ترعة المريوطية بالهرم    السيطرة على حريق أتوبيس بالقناطر الخيرية بسبب ماس كهربائي    بسبب تسريب غاز.. إصابة عاملين في حريق مطعم بالدقهلية    ضبط 51 قطعة متنوعة في حملة للتصدي لأجهزة الصوت المخالفة والتلوث السمعي بالدقهلية    هبوط اضطراري لطائرة وزير الدفاع الأمريكى في بريطانيا    عمرو موسى: الضفة الغربية أمام خطر كبير.. ونتنياهو لا يفهم السلام    "الوطنية للانتخابات": ترشح 417 على المقاعد الفردية في اليوم الأخير لتقديم الأوراق بانتخابات مجلس النواب    الأخبار السارة تأتي دائمًا من بعيد..    سد العجز في المعلمين 2025.. ضوابط العمل بنظام الحصة ومكافآت المستعان بهم    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    د.رؤوف رشدي يكتب: مع بوادر سلام شرق أوسطي.. هل هي حقًا نهاية التاريخ أم نهاية أطروحة فوكوياما؟    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    مشكلة الميراث    بعد استبعادها من القائمة الوطنية.. أمين مستقبل وطن بسوهاج تقدم استقالتها "مستند"    بعد تراجع الدولار.. هل تنخفض أسعار الدواء في مصر؟    بخطوات بسيطة.. حضري ألذ كيكة بصوص القهوة    نم جيدًا وتناول هذه الفيتامينات.. 6 طرق علمية لمقاومة نزلات البرد في الشتاء    إنقاذ حياة مريضة بمستشفى سوهاج العام بعد إصابتها بثلاث لدغات عقرب    غادة عبد الرازق تعود بقوة في رمضان 2026 ب«عاليا»    هل يجوز شراء شقة بنظام التمويل العقاري بقصد الاستثمار؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الألعاب الإلكترونية المدرة لأرباح مالية حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالرحمن الشرقاوي "محمد رسول الحرية".. كان دليله الذكي إلي الإسلاميات
نشر في المساء يوم 23 - 06 - 2017

كانت قصيدة "من أب مصري إلي الرئيس ترومان" أول قراءاتي لعبدالرحمن الشرقاوي.
دلني عليها ممدوح الطوبجي صديقي وزميل الدراسة في الفرنسية الأميرية. أتاح لي الطوبجي قراءاتها علي ورقات مطبوعة بالبالوظا. وسيلة التصوير الورقي آنذاك. لم أكن قرأت للشرقاوي. فقرأتها بتصور أني أقرأ لشاعر من مبدعي التبشير بالحدث القادم. أضافت إلي تكويني المعرفي ووعيي في تلك المرحلة السنية الباكرة. حرصت من أيامها أن أتابع إبداعات عبدالرحمن الشرقاوي: الأرض. قلوب خالية. الشوارع الخلفية. أيام المعركة. وغيرها من الروايات والقصص القصيرة التي تحض علي الثورة.
إلي جانب إفادة الشرقاوي من التاريخ في تسليط الضوء علي الجوانب الإنسانية لشخصيات رواياته ومسرحياته. فقد ناقشت هذه الإبداعات قضايا الحرية والديمقراطية والسلطة والاستبداد وغيرها من القضايا التي كانت هماً للإنسان في توالي العصور.
ظني أن "محمد رسول الحرية" كانت دليل الشرقاوي الذكي إلي الإسلاميات. تحول من "الأرض". و"الشوارع الخلفية" و"أحلام صغيرة" إلي التاريخ الإسلامي. يفيد من سير شخصياته في تسليط الضوء علي تناقضات عصرنا. وطبيعي أن ينعكس الهم التاريخي في أعمال محورها شخصيات أو وقائع تنتسب إلي تاريخنا الوطني. مثل الفتي مهران. وأحمد عرابي زعيم الفلاحين. ومأساة جميلة. ووطني عكا. والنسر الأحمر. وغيرها.
كان لنشر كتاب "محمد رسول الحرية" منجماً في "المساء" 1960 مردوده الإيجابي في توزيع الجريدة. ذلك ما أثبتته أرقام شركة التوزيع المتحدة التابعة لدار التحرير. ولعلها المرة الأولي التي يزداد توزيع جريدة مسائية بنشر كتاب مسلسلاً في حلقات. فقد كان الخط البياني للتوزيع يرتفع في الأحداث السياسية المهمة. وفي مباريات الكرة. وكان ينافس الصحف الصباحية في وصف مباريات أسطورة الملاكمة الراحل محمد علي كلاي.
أهمل عبدالرحمن الشرقاوي في مصادره ومراجعة الكتب الصفراء وكتب الخرافات والخزعبلات والإسرائيليات. وقصر قراءاته علي ما كتبه الأساتذة الكبار. نظروا إلي الإسلام. وسيرة الرسول. وتراجم الأولياء في منهجيه تعني بالبعد الإنساني في الإيمان بالذات الإلهية. وفي التعامل مع الناس. إنه محمد الإنسان. محمد البشر. الذي يهمس بنبرة التواضع: إما أنا بشر مثلكم ويقول لقومه: أنتم أعلم بشئون دنياكم.
عني الشرقاوي في كتابه بالبطولة الإنسانية. بما يفوق بطولات المعارك والسياسة. وكما يقول في مقدمة الكتاب: أردت أن أصور قصة إنسان اتسع قلبه لآلام البر ومشكلاتهم وأحلامهم. وكونت تعاليمه حضارة زاهرة خصبة. أغنت وجدان العالم كله لقرون طوال. ودفعت سلالات من الأحياء في طريق التقدم. واكتشفت آفاقاً من طبيعة الحياة والناس.
ويضيف مذكراً بأننا لسنا في حاجة إلي كتاب جديد عن الدين. يقرأه المسلمون وحدهم. لكننا في حاجة إلي مئات من الكتب عن التطور الذي يمثله الإسلام. كتب يقرأها المسلمون وغير المسلمين. وتصور العناصر الإيجابية في تراثنا. وتصور ما هو إنساني في حياة صاحب الرسالة. اننا بحق في حاجة إلي مئات من الكتب يقرأها الناس كافة. الذين يؤمنون بنبوة محمد. والذين لا يؤمنون.
لم يتغافل الشرقاوي البعد الفقهي ولا الدعوي في السيرة النبوية. فهو خاتم الأنبياء. أرسل للبشر كافة بما يبصرهم بدينهم. ويعينهم علي أمور دنياهم. ثمة من وجد في الإسلام حركة دينية رجعية. ومن اتهم النبي بالتطلع إلي مكانة ليست من حقه. ومن نسبه إلي أشراف مكة. أشفق علي أحوال العبيد والإماء. فاخترع ديناً ينقذهم من أوضاعهم القاسية. وتدخلت الإسرائيليات كالعادة منذ بداية الدعوة فادعت أن الدعوة المحمدية تستهدف اضطهاد اليهود! لكن الإسلام خالف ذلك كله وغيره بالصحوة الهائلة التي بدأت في الجزيرة. وانتشرت في حياة الرسول كدعوة للبشر كافة. بالاستنارة والحرية والكرامة والاخاء الإنساني والتقدم.
بدأ الشرقاوي كما فعل طه حسين في "علي هامش السيرة" والعقاد في "عبقرية محمد" وهيكل في "حياة محمد" وغيرهم. لكنه لزم نهجاً محدداً. واضحاً. في عرضه للسيرة النبوية وهو نهج يجاهر بالعداء لكل مظاهر الوثنية وطبقية السادة والعبيد. ولوضع الأنثي في مجتمعها. وهاجر محمد بدعوته فراراً من اضطهاد أثرياء قومه إلي يثرب. وهاجر المسلمون الأوائل إلي الحبشة. ثم إلي المدينة التي كان أهلها قد أحسنوا استقبال النبي. ثم تحولت الدعوة من الفرار إلي الحبشة ثم إلي تحقيق الانتصارات حتي اليوم الذي فتحت فيه مكة.. عاد البني إلي المدينة التي عاني فيها أقسي حملات الإساءة. وتوقع من كانوا وراء هجرته أن يعاقبهم بما صنعوه. لكنه بادرهم بالقول: يا معشر قريش. الناس من آدم. وآدم من تراب. إن أكرمكم عند الله أتقاكم. يا معشر قريش. ما ترون أني صانع بكم؟
قالت قريش: خيراً.. أخ كريم وابن أخ كريم.
قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وأشفق الرسول علي رجل أسرف في معاداة الرسول وإيذائه. قال للخوف الواضح في سحنة الرجل وهو واقف أمامه: هوِّن عليك. إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.
واللافت أن ذلك الموقف الإنساني المسئول ظل عبر توالي العصور في ضمير الإنسانية. بصرف النظر عن المعتقد الديني. حتي أن حكيم إفريقيا نيلسون مانديلا. ذكرنا نحن المصريين بهذا التسامح النبوي الإنساني في بعض أحداثنا السياسية.
تحولت قريش منذ الفتح العظيم إلي الإيمان بالرسالة المحمدية. عن تفهم ووعي واستجابة حقيقية. وكان الكثير ممن تأخروا عن الإسلام. في مقدمة الصفوف نصرة للإسلام. ونشراً لرسالته.
صارت الحرية حقاً للعبيد وللفقير نصيبه في مال الغني. ولم تعد المرأة تهدي من رجل إلي آخر. أو توأد فور ميلادها. فهي شريك للرجل. يتكامل بهما السعي لصياغة حياة خالية من القهر والإملاء وفقدان الحرية.
أحدثت الحلقات ردود أفعال متباينة بين مؤيد ومتحفظ ومعارض. لكنها مثلت دافعاً للشرقاوي. كي تتوالي أعماله التي تسلط الضوء من زوايا غير مسبوقة علي شخصيات مهمة في التاريخ الإسلامي.
كتب عبدالرحمن الشرقاوي عن الصديق أول الخلفاء. والفاروق عمر بن الخطاب. وعلي إمام المتقين. وعمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء. وابن تيمية الفقيه المعذب. وأئمة الفقه التسعة. كما أبدع مسرحيات عن الحسين تأثراً. وشهيداً. وغيرهم من مشاعل التاريخ الإسلامي. لم يستوقفه المذهب الديني. لكنه عني بما تحمله كل شخصية من قيم الإسلام الحقيقية. الحرية والمساواة والسعي إلي تقدم الإنسان.
أبو بكر الصديق علي سبيل المثال أول من آمن بالرسالة من الرجال. ودعمها بالكثير من التصرفات الإيجابية. وبعد وفاة الرسول. استطاع الصديق أن يملأ الفراغ الكبير. ويحتوي المهاجرين والأنصار. ويخوض المعارك ضد المرتدين. ويوجه الغزوات المنتصرة إلي العراق والشام. وسلم راية الدعوة غالية إلي الفاروق عمر بن الخطاب. الذي استبدل متيقناً رسالة الإسلام بتعصب الجاهلية. وامتدت دولة الإسلام في سنوات حكمه إلي بحر قزوين شرقاً. وحدود تونس غرباً. وبلاد الصقالبة والروم شمالاً. والسودان جنوباً. وضربت أروع المثل في العدل الذي لا يفرق في التعامل بين الدين أو الجنس أو الطبقة. ويحرص علي حرية العقيدة وحرية الفكر. ويتفقد أحوال الرعية طيلة أوقات يومه. ويسأل من يوليه أمراً من أمور المسلمين: من أين لك هذا؟
أما علي إمام المتقين. فقد حفلت الكتب بنبله وفروسيته وعدله. بما سهل علي الشرقاوي عرض سيرته. وأما الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز والصفة لأنه سار علي النهج النبوي السليم في نشر الرسالة. وفي تحقيق مجتمع الكفاية والعدل فيروي أنه كان يحرض ألا يشبع أحد وفي الأمة جياع. حتي أنه أطلق المنادين في كل بقعة من أرجاء الأرض التي ترفرف عليها راية الإسلام. يحثون الناس علي التقدم باحتياجاتهم من الولاة. بصرف النظر إن كانوا مسلمين. أم العكس. وكانت أصوات المنادين تعلو في الأسواق: أين المساكين؟ أين اليتامي؟ أين الغارمون. فيؤدي بيت المال ديونهم؟ أين من تعجز مواردهم عن تكاليف الزواج؟
ولأن الشر قد يفتقد المبرر لأفعاله. ولأنه قد يأتي ممن يقدم عليه لمجرد إرضاء النوازع السوداء في داخله. فقد دس له خادمه الذي لامس عدل الخليفة وحبه للناس سماً في طعامه سري في دمه ببطء حتي قتله.
ولنقرأ هذه الكلمات التي عبر عنها الشرقاوي عما أعقب رحيل الخليفة العادل: "ذات صباح. عادت الذئاب. تشرع الأنياب. وتشهر الأظفار. وشكا الرعاة في أعلي رءوس الجبال البعيدة. وفي الوديان الفسيحة. سطوة الذئاب. فقد انقضت علي الشياه تفترسها بلا رحمة. بعد أن ظلت عامين ونصف العام. وما من يفتك بشاه. فعملوا أن العبد الصالح إمام العدل فارق دنياهم. واستنفر الرعاة بعضهم بعضاً في أقطار الأرض ليخوضوا معركة المصير ضد الذئاب. كل الذئاب".
كان الهاتف آخر وسيلة اتصال بين أستاذي الجميل. وبيني. اعتذر قبل أن يتجه إلي المطار عن موعد تقديم كتاب له إلي سلسلة "كتاب الحرية" التي كنت أترأس تحريرها. ووعد بلقاء فور عودته من رحلته المرضية. بعد العودة ظل قعيد العلاج. حتي توفي في 24 نوفمبر .1987


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.