مجلس جامعة الوادي الجديد يعتمد تعديل بعض اللوائح ويدرس الاستعداد لامتحانات الكليات    التموين: منح مزارعي البنجر علاوة 300 جنيه بأثر رجعي    انخفضت 126 ألف جنيه.. سعر أرخص سيارة تقدمها رينو في مصر    تحذير من كارثة صحية وبيئية في غزة مع تفاقم أزمة النفايات والمياه والصرف الصحي    غياب هالاند، جوارديولا يعلن تشكيل مانشستر سيتي أمام برايتون في الدوري الإنجليزي    المشدد 10 سنوات لمتهم باغتصاب طفلة في مكان مهجور بالمرج    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    إليسا تناشد القضاء اللبناني لاسترداد قناتها على يوتيوب    في الذكرى ال42 لتحريرها.. مينا عطا يطرح فيديو كليب «سيناء»    بفستان أبيض في أسود.. منى زكي بإطلالة جذابة في أحدث ظهور لها    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    هل الشمام يهيج القولون؟    الجيش الأردني ينفذ 6 إنزالات لمساعدات على شمال غزة    الكرملين حول الإمداد السري للصواريخ الأمريكية لكييف: تأكيد على تورط واشنطن في الصراع    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    تنظيم العمل الصحفى للجنائز.. كيف؟    سبب غياب بيلينجهام عن قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد في لاليجا    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    نائب محافظ البحيرة تبحث مع الصيادين وتجار السمك دراسة إدارة تشغيل ميناء الصيد برشيد    المغرب يستنكر بشدة ويشجب اقتحام متطرفين باحات المسجد الأقصى    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    "أنا مشجع كبير".. تشافي يكشف أسباب استمراره مع برشلونة    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    في اليوم العالمي للملاريا.. أعراض تؤكد إصابتك بالمرض (تحرك فورًا)    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تشيلي تستضيف الألعاب العالمية الصيفية 2027 السابعة عشر للأولمبياد الخاص بمشاركة 170 دولة من بينهم مصر    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    "ميناء العريش": رصيف "تحيا مصر" طوله 1000 متر وجاهز لاستقبال السفن بحمولة 50 طن    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    محافظ قنا: 88 مليون جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر خلال العام الحالي    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأهرام» تشارك الطلبة فى مراجعات الثانوية العامة..
مراكز الدروس الخصوصية.. مدارس «سرية» فى العلن!
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 05 - 2019

* الحى الواحد يضم نحو 70 « سنتر».. والواجهة إما «حضانة أطفال» أو مركز «كورسات» لغة وكمبيوتر
* أصحاب «سناتر»: أملنا الحصول على تراخيص وسداد حق الدولة من الضرائب
* مدرسون: عادت لنا الهيبة والاحترام بعد التدريس فى المراكز .. ونفخر بتخريج أوائل الثانوية العامة
يعتلى المدرس «النجم» خشبة مسرحه فى ذلك المركز الشهير للدروس الخصوصية . يصطف جمهوره من طلبة الثانوية العامة أمامه ، لكن لكل من الذكور والإناث جانب مستقل على حدة . ساقهم أولياء أمورهم ودفعوا بهم دفعا للانتظام فى الحضور، أملا فى عبور «عنق الزجاجة» بسلام.
يتقمص«المستر» فى ثوان دوره بإتقان، ليتحول إلى شخصية جديدة أبعد ما تكون عن شخصيته الهادئة الرزينة. يبدأ فى توظيف كل مهاراته الصوتية والجسدية لجذب انتباه «الجمهور» لمدة ساعة ونصف ساعة على الأقل هى مدة «مراجعة» مجموعة من الدروس ،كان الواحد منها قد استغرق شرحه من قبل قرابة ساعتين. لكن الآن ومنذ نهاية مارس الماضى، انتهى الشرح وبدأت المراجعات التى تستمر حتى قبل نهاية مايو بقليل. يتحرك المدرس على منصته ذهابا وإيابا ، ولا مانع من أن «ينزل» إلى جمهوره ويتجول بينهم من حين لآخر. يقرأ عليهم السؤال المدون أمامهم فى «الملزمة» التى تم توزيعها عليهم قبل «المحاضرة» ثم يملى عليهم الإجابة كلمة كلمة بإيقاع مميز، مع مط كلمات معينة والتشديد عليها ، فيرددونها وراءه بنفس طريقته كما تلاميذ الكتاتيب! أو يبدأ هو بجزء من الإجابة ثم يكملون هم بقية الجملة كالأطفال!
المدرس هنا يأمر فيطاع، حتى وإن أمر بما لا يستطاع.هو الحلقة الأقوى فى العملية التعليمية، يبحث الطالب عن المتمكن منهم ، ويذهب إليه أينما كان، كما يسعى إليه صاحب «السنتر» ويجلبه، ليصبح «مركزه» قبلة الجماهير!
«الأهرام» رصدت بعض المشاهد من داخل أحد المراكز الشهيرة للدروس فى إحدى المناطق الشعبية، من المؤكد أنها متكررة فى غيره من المراكز. لكن الخلاصة هى أنه لا مفر من الاعتراف بأن تلك المراكز أصبحت كيانا تعليميا راسخا منظما، إغلاقها أمنية شبه مستحيلة، لا ينتظرها إلا واهم! صحيح أن ما يجرى فيها بعيد تماما عن مفهوم الدرس «الخصوصى» التقليدى، فى ظل أعداد الطلبة التى تصل فى حدها الأدنى إلى نحو مائة طالب فى المحاضرة الواحدة، لكن بالتأكيد هناك أسباب دعمت وجود تلك الكيانات ومنحتها هذا القبول، ربما يكشف هذا التحقيق عن بعضها..
والآن عزيزى القارئ إليك المشهد الأول:
ثلة من طلبة الصف الثالث الثانوى يدخلون إلى «المستر» فى غرفته التى يرتاح فيها لدقائق قبل بدء «المحاضرة»، يتعثرون فى خطواتهم، بينما تنتظرهم لحظة حساب عسير، فهذا لم يحل الواجب المكلف به قبل الحضور، بينما تخلف ذاك عن محاضراته لعدة مرات لأعذار مختلفة، فيرفض المدرس أن يحضر المحاضرة التى ستبدأ خلال دقائق، فهو لن يتمكن من المتابعة معه، بعد أن فاته الكثير، وإلا سيدفع مالا بلا فائدة. الحل يطرحه المدرس بأن يعوض الطالب ما فاته فى «سنتر» آخر بعيد نسبيا عن المنطقة التى يسكن فيها الطالب. لكن لا مفر من الانصياع للاقتراح. «يحفظه» المدرس اسم السنتر البديل وطريقة الذهاب إليه ب «المواصلات» مثلما يحفظه المنهج تماما. أنت هنا أمام طفل لا شاب على أعتاب الجامعة!
المشهد الثانى:
إحدى أولياء الأمور تدخل بصحبة ابنتها إلى المركز، تلتقط أنفاسها بصعوبة، بعد اضطرارها للاستئذان مبكرا من عملها، لتتمكن من اللحاق بمدرس ابنتها لتشكو له سوء تفاهم نشب بينها وبين مساعده، الأمر الذى ترتب عليه عدم حضور ابنتها للمحاضرات، وها هى تعتب على المدرس تارة، وتستعطفه تارة أخري، ليسمح لابنتها بالحضور، وإلا ضاع مستقبلها، فيتفضل المدرس بالموافقة!
المشهد الثالث:
أجواء «كرنفالية» تسيطر على المدرج الذى سيشهد الآن مراجعة لمادة التاريخ، وتحديدا لدرس «ثورة 1919». الملصقات التى تحمل صور سعد زغلول وشعارات الثورة على الجدران ، و يحمل الطلبة والطالبات أعلاما خضراء تحمل نفس المحتوي، بينما استعدت الفتيات لتصوير ما سيجرى من مشاهد تمثيلية بهواتفهن المحمولة. فى الركن الأخير من المدرج يستعد مساعدو المستر ما بين 3 أو 4 وقد ارتدوا ملابس الشخصيات التى تدور حولها الأحداث التاريخية، ليدخلوا فى التوقيت المحدد والذى تم الاتفاق عليه سلفا مع المدرس قبل المحاضرة. يدور الحوار باللغة العربية، تتخللها بعض العبارات والقفشات «العامية» بهدف «تلطيف الجو»، ولا مانع من أن يشارك المستر بدور تمثيلى هو الآخر. تتوالى المشاهد التمثيلية، يتخللها إعادة صياغة لما شاهده الطلبة يقوم بها المدرس سريعا.
الآن يبدأ مشهد عودة سعد زغلول ورفاقه من المنفي، يتوجه «الممثلون» إلى المنصة، ليصيح أحد الطلبة مازحا: كفارة! فيضحك الجميع إلا المدرس. يسأل بغضب: مين قال «كفارة»؟! صمت تام يقطعه سؤال المدرس الغاضب من جديد ، فلا يجد الفاعل بدا من الاعتراف ويفصح عن نفسه، فيكون رد المدرس بحزم: روًح!
لم يستعطفه الطالب أو يستجده باعتذار، هو يعلم جيدا أن محاولاته ستكون بلا جدوي، وفى ثوان كان الطالب خارج المدرج!
ترى هل يقبل طالب أن يتلقى أى أمر من مدرسه، فضلا عن أن يكون أمرا بالطرد من الفصل؟!
يضحك أحمد طلعت صاحب أحد المراكز الشهيرة منذ 15 عاما وأنا أطرح عليه السؤال السابق، ويتساءل ساخرا: يطرد؟! هو فى فصول أصلا لطلبة الثانوية العامة فى مدارس الحكومة ؟! «السنتر» هو المدرسة.
جواب شكر
فى رسالة لأصحاب المراكز الخصوصية من خلال صفحة باسم «رابطة أصحاب السناتر التعليمية» وجهوها للرئيس السيسى ردا على حملات إغلاق المراكز، قالوا إن القرار يؤذى 100 ألف أسرة ،وأنهم يدعمون العملية التعليمية ويستحقون خطابات شكر لا خطابات بالغلق.
نعود لطلعت الذى يعلق على مسألة «الإغلاق» تلك بسؤال استنكارى آخر: «يقفلوا إيه وللا إيه»؟! ويتابع مبررا استبعاده لإمكانية تنفيذ مثل هذا القرار فيقول:«فى كل شارع يوجد سنتر ، صحيح ليس جميعها ذا مستوى جيد ،لكن يظل العدد كبيرا فى الحى الواحد.
لا يرى طلعت أن مراكز الدروس الخصوصية ظاهرة حديثة فهو نفسه تعلم فيها، بل وهناك أمهات تعلمن فيها، ويواصلن المسيرة مع أبنائهن فى نفس المراكز، لذلك هو يؤرخ وجودها لفترة الثمانينيات، وإن كان الأمر أصبح أكثر انتشارا من ناحية، ومن ناحية أخرى أصبح العمل بها أكثر احترافية، ورفاهية للطالب. يجيب طلعت عن سؤالنا بخصوص العدد الضخم فى المحاضرة مقارنة بالفصل، وتأثير ذلك على استيعاب الطالب، فيقول: هنا يوجد قاعات مكيفة، وميكروفون للمدرس، وشاشات جانبية لمن يجلس فى آخر القاعة.
هناك أيضا كافيتريا توفر المشروبات الساخنة والباردة، والأهم من كل ذلك هو العلاقة الانسانية بين فريق العمل، من مالك للسنتر، ومدرسين ومساعديهم والطلاب، فلو عانى طالب مشكلة شخصية، أحاول مساعدته حتى لا تؤثر على استيعابه، كما ننظم رحلات ترفيهية للطالبات المتميزات، ومباريات كرة قدم للطلاب.
نظام دقيق يسرى هنا فى المركز فيما يتعلق بالحضور والغياب، يقول طلعت: «لابد أن نشرك الأهل معنا فى كل خطوة، فهم ليسوا مجرد ممولين، وقد يحدث أن يأتى الطالب ويسجل حضوره، ثم نكتشف مرة تلو الأخرى أنه لا يحضر، بل يسجل اسمه ثم يغادر».
يتوسط كثير من أصدقاء طلعت لمدرسين معارف للعمل لديه فى المركز، لكن المجاملات لن تفيد بل قد تضر، لذلك لابد أن يتأكد بنفسه من مستوى تفاعل الطلاب معه فى أول محاضرة، على جانب آخر، يبحث طلعت عن المدرسين المتميزين ويسعى للتعاقد معهم ، وفى النهاية يتم تقسيم الواردات المالية بنسبة 70% للمدرس و30% للمركز.
يبرر طلعت إقبال الأسر المصرية على مراكز الدروس الخصوصية فى الأعوام الأخيرة، بأنها أوفر من الدروس الخصوصية فى المنازل، فأقل حصة لطالب أولى ثانوى فى المنزل تتكلف 30 جنيها، بينما فى السنتر ب15 جنيها، وقد يحصل الطالب على دروس فى مواده العشر ب500 جنيه فى الشهر، وهو مبلغ زهيد. أما طالب الثانوية العامة فالحصة فى السنتر تكلفه 40 جنيها ، بينما لن تقل عن 60 جنيها فى الدرس الخصوصي..
«ياريت يدونا تراخيص عشان المهنة تنضف».. هكذا يعلق طلعت بخصوص مسألة تقنين المراكز ، فيقول: «كثير من المراكز يسعى إلى لم الفلوس» من الأهالى، فيبدأون الموسم الدراسى فى أغسطس مثلا، بينما من الطبيعى أن نبدأ أول سبتمبر.
ويكشف طلعت عن أنه يدفع ضرائب سنوية عن نشاطه المسمى «خدمات تعليمية» ولديه بطاقة ضريبية وسجل تجارى «فى أسفل العقار توجد حضانة تحمل نفس اسم السنتر»، هو يدفع نحو 5 آلاف جنيه سنويا، ولا مانع لديه من أن يدفع أكثر من ذلك المبلغ بكثير، بشرط أن يرتاح من مطاردة الحملات التى يشنها الحى من حين لآخر يسألونه عن «الترخيص». يجيبهم بأنهم يعلمون تمام العلم أن الحى لا يمنح ترخيصا لمراكز الدروس، فلما يلوحون بالإغلاق، يتصرف كما هو المعتاد فى تلك المواقف حتى يغادروا دون أن يغلقوا المكان! إذن فهو يدفع فى كل الأحوال..
لا ينكر طلعت أن المدرس «المشهور» أصبح نجما بمعنى الكلمة، فهناك مدرسون لا يقبلون إعطاء محاضرة أمام أقل من 500 طالب، وهناك من يأتى له طلبة من المحافظات خصيصا ، وفى مراجعات ليالى الامتحان ، يقوم المدرس الذى يعمل فى أكثر من سنتر بتجميع الطلاب فى قاعة كبيرة قد تسع ألف شخص، ليعطى محاضرة واحدة للجميع.
الاعتراف هو الحل
مصطفى يونس صاحب مركز لتعليم اللغات وكورسات الكمبيوتر، لكنه فى حقيقة الأمر مركز للدروس الخصوصية، وهو يرى أن انتشار وتوسع تلك المراكز بدأ فى السنوات السبع الأخيرة على وجه التحديد، وببساطة يرى أن إقبال الطلبة عليها يعود لعدم وجود شرح فى المدارس، وغياب الشرح هناك سببه كما يرى أيضا هو غياب المقابل المادى الذى يدفع المدرس لبذل الجهد اللازم، بينما يجد المقابل المجزى العادل فى السنتر، فيبذل قصارى جهده. هو لا يعيب على هذا «السلوك» ويجده منطقيا. من ناحية أخرى ، يرى أن الطالب يذهب الى المدرسة وهو يعلم أنها «تضييع وقت» وأن «وقت الجد» يكون فى السنتر. فالطالب يأتى إلى برغبته، ومصمم على التركيز والفهم، بغض النظر عن عدد الطلبة فى القاعة. ويشفق مصطفى على مدرس المدرسة، إذ لا يمكنه إخراج طاقاته فى الفصل، فالحصة وقتها لن يكفى للشرح المستفيض، بينما فى السنتر قد تصل المحاضرة إلى ثلاث أو ربما أربع ساعات.
لم يسلم مركز مصطفى من الحملات هو الآخر، تنتهى بتشميع المكان، فترخيصه صادر لمركز كورسات للغات والكمبيوتر، بينما نشاطه كما يتضح للجميع أنه للدروس الخصوصية، وبعد الاستعانة بمحام، يتم دفع الغرامة، ثم يعود الوضع لما كان عليه، ويستمر فى نفس الدائرة المفرغة. مصطفى يدفع هو الآخر ضرائب سنوية لكن ليست عن نشاط الدروس، هو يعلم أنه لو تم منح تراخيص للمراكز ،فستكون قيمتها كبيرة، وبالتالى قيمة الضرائب السنوية، لكن لا يهم، فالوضع سيكون مريحا وقانونيا، وهو أمر لابد أن تأخذه الحكومة مأخذ الجد لأن تلك المراكز أصبحت من وجهة نظره أمرا واقعا فى العملية التعليمية، والأفضل للحكومة الاعتراف بذلك.
..وعادت الهيبة!
«المدرس يظل هو عمود الخيمة فى أى نظام تعليمى، وفى يديه دفة القيادة، مما يمنحه الشعور بالهيبة والتقدير». هذا ما شعر به مدرس التاريخ الشهير ب«الدهبى»، بعد أن بدأ يعمل فى مراكز الدروس. هو دفعة 2007 ، وانتظر التعيين فى الحكومة، دون جدوى، وعمل فى المدارس الخاصة، فكانت السطوة لولى الأمر على حساب المدرس. يقول الدهبى: «كنت أتقاضى بضع مئات مقابل ثمانى ساعات يوميا. كنت أشرح بنفس الطريقة التى أشرح بها الآن، لكن فى النهاية لم أكن أشعر بأى تقدير أو احترام. فتفرغت للتدريس فى المراكز، وتمكنت من إخراج كل طاقاتى الابداعية وركزت على ما يعرف ب «مسرحة المناهج».
الدهبى يؤكد أن التقدير المادى للمدرس عامل رئيسى لضمان عطائه، فلا يمكن التعويل على «الضمير الشخصى» لكل منهم. فى النهاية هو معذور ولديه التزامات مادية لابد أن يوفيها. ويتساءل:»هل يكفى 800 جنيه للانفاق على أسرة مكونة من أربع أفراد؟
«ياريت يقفلوها».. هكذا قال الدهبى قاصدا مراكز الدروس لكن بشرط واحد وهو أن تعود المدرسة لسابق عهدها، وأن يعود للمعلم هيبته واحترامه. تهرب من الإجابة عندما سألناه عن العائد المادى المجزى من وجهة نظره، والذى يمكن للمعلم به أن يتخلى عن العمل فى المراكز، ثم عاد وقال: «ولماذا تمنعها الحكومة، ألا يوجد طبيب فى عيادة خاصة؟! فكان ردنا أن المعادل للعيادة الخاصة هو المدرسة الخاصة وليس «السنتر»..» لكن يظل الدهبى فخورا بأن أوائل الثانوية العامة يتخرجون على يديه، ومنهم من أصبح مشهورا وناجحا فى مجال عمله.
يتفق مع الدهبى مدرس الجغرافيا سيد مصطفي، الذى عمل من قبل فى مدرسة خاصة بعائد هزيل، مقابل العمل من السادسة صباحا حتى الرابعة عصرا، بمعدل 24 حصة فى الأسبوع، فى حين أن الطالب «جاى عشان يلعب»، فاتجه للعمل فى المراكز، وكما قال، لم يختلف أداؤه بين المدرسة والسنتر.
«الطالب بيدور على النظام».. هكذا يفسر سيد سبب إقبال الطالب وولى الأمر على السنتر، فهناك متابعة لكل خطوة مع الطالب، بدءا من الحضور والغياب، وحل الواجب، وتقييم المستوى قبل كل حصة بامتحان سريع، ثم التدريب على حل الامتحانات، ويرى أن 90 % من الطلبة الذين يحضرون إلى المراكز يرغبون فى التعلم. ورغم أنه يقر بوجود شرح فى المدارس باستثناء الصف الثالث الثانوى حيث لا توجد فصول لنحو 90% من طلبة المدارس الحكومية فإن سيد يرى أن الطلبة لا يريدون «التركيز» فى الفصل ويؤجلونه للسنتر.
سيد غير راض مع ذلك عن مراكز الدروس الخصوصية ويعترف بأن الأمر برمته عملية تجارية بحتة وليست تعليمية، وأن مستوى ذكاء الطلبة يتراجع بشكل ملحوظ فى العامين الأخيرين، والمدرس مضطر فى هذه الحالة إلى أن «يسقيه» المنهج. لكن فكرة إغلاق المراكز تظل غير قابلة للتحقق من وجهة نظره بعد أن أصبح يوجد فى كل منطقة ليس أقل من 70 سنترا، والسنتر الواحد يعمل فيه ما لايقل عن مائة شخص ما بين مدرسين وموظفين وعمال نظافة وبوفيه، ومهما تحاول وزارة التربية والتعليم أن تغير من نمط الامتحانات، سيبقى السنتر قادرا على تدريبه على كل أنماط الامتحانات، و حل السؤال بمختلف الصيغ المحتملة له. الحالة الوحيدة التى لن يستطيع فيها الطالب الإجابة، هى أن يكون السؤال من خارج المنهج..
فى الختام..هذا هو الوضع الراهن سواء اعترفت به وزارة التربية والتعليم أم أنكرته.. فماذا هى فاعلة؟!
* الطالب المهمل.. مصيره الطرد!
حتى يكتمل الشكل «المدرسي» للسنتر، فإن لكل طالب درجات يحصل عليها مقابل التزامه بحل الواجبات قبل حضور كل محاضرة، بالإضافة الى درجاته فى الامتحانات السريعة التى يتم إجراؤها قبل المحاضرة، فضلا عن امتحانات شاملة كل شهر. وفى حالة استمرار إهمال طالب، وعدم الالتزام بحل الواجبات أو الحصول على درجات متواضعة فى الامتحانات، وبعد التوبيخ المستمر له، يتم التواصل مع ولى أمره لإعلامه بوضعه، فإذا لم يرتدع الطالب أيضا، ترفض إدارة السنتر استمراره لديها وتبلغ ولى أمره بذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.