إن رمضان، فى العقل الجمعى المصرى منذ عشرات السنين، بات شهرا للالتهام وكأننا نأكل فى آخر زادنا.. وهذا ما ينبغى أن يتغير (سواء بإرادتنا نحن أو بحكم صعوبة الأيام). ولسنا هنا فى حاجة إلى إعادة تكرار ما أفنى الفقهاء أعمارهم فيه بأن رمضان شهر للعبادة والزهد والعودة إلى الله وليس لتكديس الطعام فى البطون.. فكلنا نعرف تلك الحقيقة ونحفظ عن ظهر قلب مقولة الرسول الكريم: «ما ملأ آدمى وعاءً قط شرا من بطنه».. فماذا أفعل إذن؟ أولا: وكما هو ثابت فى الشرع والدين، فإنك فى رمضان يجب أن تأكل وجبتين اثنتين فقط (فطور وسحور) فما بال البعض منا يحرص على جعلها خمسا أو ستا؟ ذلك هو البند الأول فى روشتة العلاج من داء النهم الشره المتأصل فينا.. (إفطار خفيف على المعدة وسحور أخف).. جرب ولن تندم. وأما ثانيا: فإن تلك العادة المذمومة بفرش المائدة بكل صنوف الأكل ساعة الأذان ينبغى أن تختفى تماما، خاصة أن كيلو اللحم الآن يا حبيبى بلغ 130 جنيها ويزيد.. وكيلو الفراخ اقترب من الأربعين.. فكم فى راتبك يا أيها الصائم من كيلو لحم أو دجاج؟.. احسبها ولن تندم! .. وثالثا: أنت داخل عليك صيف شديد الحرارة ما يستدعى بالتبعية تشغيل التكييف كلما عدت من الشغل إلى البيت (هذا إن كنت ستشتغل أصلا!).. وذلك لتعويض التعرق الذى شفط الماء من جسدك وأنت محبوس فى المواصلات (فوق الكوبرى أو تحته).. فلماذا لا تبدأ من الآن وصاعدا فى استخدام مكيف واحد بدلا من الثلاثة التى ببيتك، وحبذا لو فتحت المروحة وبلاش التكييف المكلف. ورابعا: وفيما يتعلق بالتليفزيون، فإن مشاهدة مسلسل واحد، أو مسلسلين بالكثير، ستكون أجدى من تمضية الليل كله مشبوحا أمام الشاشات. ستسأل: وما علاقة المسلسلات بالتقشف المنشود؟ لا..ليست المسألة هنا استهلاك الكهرباء فقط، وإنما - وبالأساس- استهلاك الوقت فيما لا يفيد. إنك وأنت مستغرق بكليتك فى المسلسل سوف يفترسك الملل افتراسا بسبب الإعلانات التى فاقت كل حدود العقل.. وطبعا سوف تضطر إلى العودة إلى دائرة الالتهام الخبيثة من جديد تخلصا من الملل ولزوم التسلية.. وفى هذا ضرر بالغ. وخامسا: انتهزها فرصة لخفض عبوديتك واستلابك للموبايل وما به من مواقع وفيديوهات.. ليس فقط حفاظا على نور عينيك الذى يسلبه منك الموبايل سلبا.. بل لمنح ذهنك استراحة محارب من اللهاث الناتج عن متابعة مواد أغلبها تافه.. نعم.. اجعل من رمضان هذا العام فرصة لتقليل حجم الإغراق فى التفاهة.. وساعتها سوف تكتشف للحياة طعما آخر (ألذ).. جرب ولن تخسر شيئا. وسادسا: جرب عادة جديدة إن أمكنك هذا، وهى المشى قليلا بعد الإفطار ( أو بعد التراويح إن كنت من المصلين).. ساعتها ستشعر بالدماء وقد جرت فى عروقك وسيكون للطعام الذى تناولت فائدته التى جُعل لأجلها. ألم تسمعهم فى تراثنا الشعبى يقولون: اتعشّى واتمشّى.. فلماذا كلما أنهينا فطورنا تسمرنا كالمسئومين أمام الشاشة ليتجمد الدم فى العروق، والطعام فى البطون المكدسة؟.. صحتك أهم يا عمنا فاجعل من رمضان مناسبة لاستعادتها. وسابعا: إن لك من الأهل والأقارب حتما ما مضت عليك الأشهر الطويلة لم تزرهم.. فلماذا لا يكون هذا الرمضان فرصة لوصل ما قُطِعَ من الأرحام.. وآهو بالمرة نهرب من عاداتنا القديمة البالية بالاستكانة داخل الأبواب المغلقة لنشم هواء نظيفا ونجدد الأفكار التى فى الدماغ بتبادل الحديث مع الآخرين؟ ( طبعا البعض سيفكر فى المقهى بديلا عن البيت.. لا مشكلة لكن عليك فقط أن تتذكر حجم الإنفاق على المقاهى هذه الأيام.. وولادك أولى)! وهناك بند ثامن يمكنك التفكير فيه إن كنت من القارئين، وهو العودة إلى القراءة.. خاصة فى كتب التفسير والحديث والسيرة التى كم أهملناها طوال العام.. ومعلوم أن الساعتين أو الثلاث التى تسبق الأذان يستعصى فيها النوم على الكثيرين منا فيلجأون إلى قراءة القرآن الكريم.. هذا أمر جميل.. ليس فقط لتشغيل الذهن واكتساب معلومات جديدة لم نكن تعرفها من قبل.. وإنما أيضا لزيادة الجرعة الروحانية التى يضفيها رمضان على صائميه.. ثم لا تنس إذاعة القرآن الكريم وما تقدمه لك من كنوز جاد بها قرّاؤنا الراحلون المشهود لهم بحلاوة الصوت وحسن القراءة.. حاول ولن تندم. وتاسعا: اجعل من رمضان فرصة للتواصل مع الأبناء والزوجة، خاصة بعد أن أصبح لكل منا عالمه الخاص الذى ينعزل فيه حتى بتنا كالأغراب تحت سقف واحد.. وهنا قد يكون من المفيد التذكير بضرورة أن تكون وجبة الإفطار مناسبة لتبادل الحديث ولا مانع من الدعابات والفكاهة. إن الاجتماع حول مائدة واحدة فى رمضان ليس الهدف منه ازدراد الطعام فحسب وإنما إعادة الود والتراحم والبهجة إلى البيت وأهله.. وبهذا يكون رمضان هذه السنة مختلفا . لمزيد من مقالات سمير الشحات