رمضان فلكيًا غدًا (إلا إذا كان للهلال رأى آخر).. كل عام وأنتم بخير. فماذا يمكنك أن تقول عن رمضان هذا العام؟ ستقول: هو، أولًا، شديد الحرّ جدًا، ما يعنى أن الصيام سيكون أكثر مشقة وإرهاقًا، ليس فقط لأن الجسم سيفقد الكثير من سوائله بسبب الحرارة، وإنما أيضًا لزيادة فاتورة الكهرباء بشكل غير مسبوق، ما سيدفعنا دفعًا لخفض استهلاك أجهزة التكييف توفيرًا للإنفاق.. وفى هذا خير.. حيث إن التكييف يظل فى نهاية المطاف بدعة مستحدثة لم يعتدها آباؤنا الأولون.. وآن الأوان لنحذو حذو الأولين. .. وستقول إنه، ثانيًا، يأتى وسط ارتفاع صاروخى فى أسعار السلع والخدمات ما سيوجب بالضرورة ربط الأحزمة على البطون، والتفكير ألف مرة قبل أن نطلق العنان للنهم المبالغ فيه نحو حشو تلك البطون بكل ما يفيد وما لا يفيد من الطعام.. وفى هذا «الربط» خير أيضًا.. إذ إن الحكمة من الصيام هى الصبر على الجوع كى نحس بما يحس به الجائعون فى رمضان وغير رمضان. .. وقد تقول، ثالثًا، إن رمضان هذه المرة يهل علينا والكثير من النفوس مليئة بالضجر والملل والزهق جراء صعوبة الأحوال والخوف من عواقب المستقبل.. ما يقتضى حتمًا تدريب النفس على احتمال المصاعب والتعايش مع المعاناة.. وتلك إحدى ميزات هذا الشهر الفضيل، إذ الحكمة من الصيام عمومًا تنبيه الروح إلى أن الحياة ليست سهلة على طول الخط بل إن بها أحيانًا متاعب وآلاما ومرارات.. تلك طبيعتها فلماذا التناسى أو النسيان؟ .. وربما تشير، رابعًا، إلى أن رمضان هذه السنة، مع ذلك، لن يختلف عن سابقاته من رمضانات الماضى من حيث الغرق فى طوفان المسلسلات إياها التى ستسهر معنا الليل كله، وربما جزءًا ليس باليسير من سحابات النهار.. وتلك عادة صارت إدمانًا لا يمكن الفكاك منه حتى لو أردنا.. وعسى الله ألا يقطع لنا عادة ! أمام هذا السيل من الملاحظات يبرز سؤال خجول: هل من الممكن تحويل الشهر الكريم ( رغم مصاعبه) إلى فرصة للراحة والاسترخاء والمتعة للانتفاع بأكبر قدر من الفائدة والمكاسب الروحية والمادية؟ .. واللهِ ممكن.. لكن بقليل من الجهد والتفكير خارج الصندوق.. فما الضير من المحاولة؟ كيف يعني؟ إليك تلك «الروشتة» المتواضعة من الأفكار المبتكرة والاقتراحات اليسيرة التطبيق.. لعل وعسي: ماذا مثلًا لو أننا بدأنا فى تغيير سلوكياتنا الخاطئة فى تناول الطعام.. وبدلًا من أن تكتظ موائدنا بأصناف لا حصر لها من الطعام والشراب (نلقى بأغلبها فى القمامة بعد انتفاخ البطون) أن نكتفى بطعام واحد، وألا نفعل كما فعل بنو إسرائيل مع نبيّهم عليه السلام: «وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك..» ؟ ما المشكلة يا خلق الله.. ألسنا فى أيامنا العادية - قبل رمضان وبعده - نضع على موائدنا صنفًا واحدًا من الطعام الرئيسى (بطاطس/ أو كوسة/ أو عدس/ أو فول) مع الخبز والملح؟ ويا سيدى لا مانع من قليل من الكنافة كى ندخل الفرحة على الأطفال. لماذا إذا هلّ علينا رمضان تحولنا إلى وحوش كاسرة كأنما لم نرَ طعامًا من قبل؟ (وعلى فكرة.. الطعام الآن لم يعد رخيصًا كما كان فى قديم الزمان بل بات ثمنه يقصم الظهر قصمًا.. واسألوا رب الأسرة الغلبان إن كنتم غافلين)! .. ثم ماذا لو أننا اكتفينا بتشغيل مروحة واحدة بالبيت كله، أو بمُكيّف واحد لساعتين فقط كلما اشتد القيظ ثم عند المغرب نفتح الشبابيك.. ألم نكن ونحن صغار نفعل ذلك؟ ( على فكرة.. من الآن فصاعدًا لن يرحمنا أحد إذا تركنا نحن وأبناؤنا الحبل على الغارب فى استهلاك الكهرباء.. فحذارِ). .. ونأتى للمسلسلات. قل لي: ألست تتابع المسلسلات منذ نعومة أظفارك.. فبماذا عاد عليك هذا الكمّ الخرافى من المسلسلات الذى شاهدت؟ لأ بجد بجد.. هل ثمة قيمة مضافة حققتها فى حياتك عندما تابعت عشر مسلسلات أو أكثر فى كل رمضان؟ أتحداك لو قلت «نعم»... فلماذا إذن لا تكتفى بمشاهدة مسلسل واحد تستملحه أنت والمدام والعيال؟ إنك حينئذٍ ستريح عينيك وذهنك وتوفر الكهرباء. (وللعلم.. هناك البعض منا لديه بدلًا من التليفزيون الواحد إثنان وثلاثة يتركونها تدِش عمّال على بطّال طوال الليالي.. أليس هذا إسرافًا؟). نروح للسجائر. هل بات خافيًا على أحد من المدخنين (عافاكم الله من شرور التدخين) أن الحكومة كلما «اتزنقت» فى قرشين تهرول كالرهوان إلى رفع أسعار السجائر.. فلماذا لا نفوّت عليها الفرصة ونثبت لها أننا رجال ذوو إرادة وقادرون على الإقلال من التدخين؟ وآهى فرصة يا أخى للحفاظ على صحتك ومالك وإسكات السعال الساكن صدرك ليل نهار. ما رأى حضرتك فى أن تدخن فقط ثلاث سجائر أو أربعا بدلًا من المدخنة التى تخرج من أنفك كلما رفع مؤذن المغرب الأذان؟ (إحسبها ولن تندم)! الأفكار بصراحة «حلوة جدًا».. ومع ذلك فإنك ستجد من يقفز فى وجهك صارخًا: ولماذا يجب عليَّ أنا وحدى الالتزام بروشتة حضرتك الصارمة المتقشفة تلك بينما ثمّة أناس بيننا يأكلون كما تأكل الغيلان وتكتظ بهم مطاعم الأثرياء ويدفعون الملايين.. هل أنا أقل منهم يعني؟ نعم يا باشا.. أنت لست مثلهم وهُم قد مَنّ الله عليهم برزق واسع لم يهبه لك لحكمة يعلمها هو وحده سبحانه.. (وكل برغوث يا اخويا على قدّ دمه!).. ثم إن الحياة ليست أكلًا فحسب بل بها من المسرات ما هو أهم.. وعقلك فى رأسك تعرف خلاصك! لمزيد من مقالات ◀ سمير الشحات