جزء من أزمة الفكر الدينى وفى القلب منه الخطاب الدينى هو إمكانية سوء استغلاله من قبل الخارجين على الدين لنشر التطرف والحشد السياسى والاجتماعى لأغراض تضر بالفرد والمجتمع، فى ظل غياب قدر كاف من الوعى بصحيح الدين وغياب القدرة على التفريق بين ماهو قابل للاجتهاد وبين ماهو يقين ثابت، وعدم قدرة الخطاب الدينى نفسه أحيانا على تقديم اجابات وافية ومقنعة تواكب متغيرات العصر ، وهذا هو ما جابهه محمد محبوب حسين ، الشهير ب"إد حسين"، خلال تجربته فى صفوف الأنظمة المتطرفة التى وثقها فى كتابه الشهير «الإسلامى»، الذى كان من أكثر الكتب مبيعا لعام 2007. دفعه نجاح الكتاب ليصبح ظاهرة ثقافية فى الأوساط البريطانية والأمريكية . وفى العام الماضى عاد حسين بكتاب جديد «بيت الإسلام: تاريخ عالمى» ليناقش فيه رؤية نقدية للخطاب والفكر الدينى الإسلامى، موضحا كيف أن الغرب يواصل قراءة الإسلام بسوء فهم وأن سياساته فيما يتعلق بالدول الإسلامية تستند إلى افتراضات خاطئة وقراءة غير دقيقة لهذا الدين. اعتاد حسين الذى ولد فى لندن لمهاجرين مسلمين من الهند أن يكون متطرفًا دينيًا - فى أوائل تسعينيات القرن العشرين ، حيث تم إغراؤه من قبل المتطرفين الإسلاميين خلال دراسته الجامعية ثم انفصل عنهم لاحقا ، وبدلاً من التوجه نحو العلمانية ، فإن حسين قد تعمق فى إيمانه ، وقضى بعض الوقت فى سوريا والمملكة العربية السعودية ، وتعلم اللغة العربية ثم أكمل بعد ذلك الدراسات العليا فى الإسلام وسياسة الشرق الأوسط فى بريطانيا، وأقام مركز أبحاث لمكافحة التطرف ومساعدة المسلمين الأكثر اعتدالا على استعادة السيطرة فى مقابل الخطابات المتطرفة. كما أمضى بعض الوقت مع نخبة السياسة الأمريكية فى مجلس العلاقات الخارجية ، لذا تكمن أهمية كتابه ليس فقط فى كونه يكتب كمسلم نشأ وتنقل بين الغرب والشرق مما سيمكنه من تقديم رؤية تعالج الفجوة بين الإسلام والغرب بل أيضا لكونه سبق وخاض تجربة الانسياق خلف الجماعات المتطرفة والوقوع فى شباك ضلالاتها التى تسيء توظيف النصوص الدينية والتراثية التقليدية لخدمة أغراضها واستقطاب المزيد من التابعين ، الأمر الذى يكسب رؤيته حول مطالب تجديد الفكر والخطاب والدينى أهمية خاصة يوضح من خلالها كيف يمكن اختطاف الإسلام بسهولة وتوظيفه لأغراض سياسية سيئة بسبب النقل الحرفى للنصوص المقدسة والوضعية. «بيت الإسلام يشتعل ، والنار تنتشر من غرفة إلى أخرى. وإذا لم يتم احتواؤها، عاجلاً أم آجلاً ، فإن المنزل بأكمله سوف ينهار. يجب طرد من أشعلوه «..هكذا يستفز حسين قراء كتابه، ملقيا اللوم على داعش والتيارات السلفية وغيرهم من المتطرفين الذين يعتبرهم يمثلون انحرافا عن صحيح الدين، متهما إياهم باختطاف الإسلام ، مؤكدا أنه من أجل كسب ثقة المجتمع العالمى ، ليس أمام المسلمين خيار سوى ترتيب منزلهم بما يتطلب مراجعة النص والممارسات الدينية المتطرفة والتخلص من التفسير الحرفى للقرآن والأحاديث النبوية بعيدا عن فهم السياق العام لهما معتبرا أن هذا هو اكبر تهديد للدين. دائما ما يستشهد حسين بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم مؤكدأ أن الإسلام الأصيل هو مزيج من الخير والعمل. كما يعتبر أن سبب الكثير من الارتباك لدى المسلمين هو شعورهم بأن ماضيهم المجيد قد اختفى فى طيات الهزيمة والإذلال وأن عليهم التوقف عن الهوس بماضيهم والتركيز على حاضرهم. فبدون إصلاحات هيكلية ، لن يتمكنوا من النجاح فى استعادة مجدهم القديم وفخرهم العربى أو إصلاح صورة الإسلام التى لوثها المتطرفون. يشير إلى أن جزءا من تلك الأزمة يكمن فى عجز النظم الحاكمة فى البلدان المسلمة عن تحسين الظروف الاقتصادية لشعوبها وإلقاء اللوم على الولاياتالمتحدة والغرب ككبش فداء. وتبنى موقف الضحية من قبل الإسلاميين واستخدامهم وسائل التواصل الحديثة لتعزيز التطرف وتجنيد المتعاطفين ، المؤمنين الشباب والساذجين على وجه الخصوص ، وتحويلهم إلى عملاء يرتكبون أعمال عنف باسم الإسلام. حيث يكتظ خطابهم بآيات من القرآن الكريم واقتباسات من الكتب الإسلامية والحديث لتبرير العنف وتمجيد الشهادة والوعد بالحياة المباركة فى العالم الآخر، وهومازال أداة تجنيد ناجحة إلى حد كبير، ، ويقول «لا يمكننا لوم بقية الحى العالمى على الحريق الذى أشعلناه فى منزلنا» . فى محاولته لكتابة تاريخ عالمى مكثف للإسلام؛ يؤكد صاحب «الإسلامى» أن الحل الوحيد لهزيمة تلك الأيديولوجيا الفاشية هو إعلان تكفير المتطرفين والإرهابيين ، مقترحا ضرورة تأسيس «اتحاد مسلمى الشرق الأوسط»كمؤسسة مركزية للتعبير عن العقيدة العالمية. ويلفت الانتباه إلى ما يعتبره خطأ فى التعامل مع التطرف «نحن نخطئ فى رؤية العالم كمحض كيانات مادية.. بالنسبة لداعش ، كان الأمر دائمًا يتعلق بالأفكار والعقلية الفاشية التوسعية. إنها عقلية يجب انتقادها وتقويضها وطردها. على امتداد التاريخ الإسلامى كانت هناك فترات تم فيها التعبير عن أفكار إشكالية وهدامة .لكن القدرة على تحديها مفقودة فى المجتمع المدنى الإسلامى حاليا». ويرى أن ثقلًا كبيرًا من المسئولية يقع على عاتق المسلمين المعتدلين أو الليبراليين لهزيمة تلك الأفكار فى الجامعات والمكتبات والمساجد ودور النشر والإنترنت، مشيرا «أن هذا الكتاب محاولة لإبراز تاريخ الإسلام الذى يتميز بالتنوع الثرى والليبرالى ، الذى يتناقض مع الشكل المتشدد الجامد الذى يهيمن حاليًا. لم يتوصل أبناء عمومتنا المسلمين فى الشرق إلى كيفية التصالح مع دولة قومية علمانية. العديد من الإسلاميين المتطرفين لم يفعلوا ، ولهذا السبب يطالبون بالسيطرة ، سواء كان ذلك فى إيران أو جماعة الإخوان المسلمين فى مصر». يقدم الكتاب نظرة شاملة على القضايا التاريخية والجيوسياسية للثقافة الإسلامية منذ بدايتها وحتى القرن الحادى والعشرين عبر مجالات مختلفة. فهو يضع الإسلام بالنسبة للغرب والفكر الغربي. ولا ينشئ مقارنة بين «نحن» مقابل «هم». وبدلاً من ذلك ، يسلط الضوء على قيود ومخاطر التصورات الغربية الحالية ويوضح كيف يمكن أن تكون العلاقة بين «الغرب» والعالم الإسلامى أكثر ترابطًا وسلمية. ويتطرق إلى السياق التاريخى للطوائف الإسلامية الحديثة، مقدما تحليلا متعمقا للقضايا المعاصرة. متناولا سيرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم ، مع شرح للانقسامات بين السنة والشيعة ، ولمحة عامة عن وضع المرأة ، وملخص عن أنظمة التعليم الإسلامى ، ومناقشة وجهات النظر حول اليهودية. وكذلك الصوفية وغيرها من مدارس التفسير ، مقارنا بين التعددية التى كانت تمارس فى المجتمعات الإسلامية فى الماضى وموقف الأصوليين المعاصرين ، موضحا ببراعة كيف حدث هذا التحول نحو الانعزالية بمرور الوقت. يبرز حسين تاريخ الإسلام الطويل من التعددية. عندما كان أول مجتمع للمسلمين بقيادة النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى المدينةالمنورة فى القرن السابع يضم اليهود والمسيحيين، وغيرهم من غير المسلمين.قد منح دستور المدينة الحقوق لجميع المدنيين من جميع الأديان، مشيرا إلى دعم العديد من مدارس الفقه الإسلامى لهذه التعددية . فى «بيت الإسلام» يرى حسين أن التعريب والتغريب قد «أحبطا التوازن الإسلامى التقليدي» ، كما يتضح من صعود الجماعات السلفية الجهادية مثل داعش والقاعدة، مبرزا الروابط بين بعد متمسك برؤية المنشودة للإسلام والإسلاميين الجهاديين . يقدم حسين شرحًا دقيقًا للعدالة المستندة على الأحكام الشرعية ، والتى يعتبرها «أكثر تعقيدًا من مجرد محظورات ومباحات ثنائية» ، متتبعا منهجية السلوك الأخلاقى لأولئك الذين يأخذون القرآن والشريعة إلى حد العنف الشرعى ضد غير المسلمين ، مؤكدا عدم وجود مبررعقائدى لديهم لذلك. فيكفى أن هذا يعنى أن المبدأ الأول من الشريعة ، «الحفاظ على الحياة» ، قد تم انتهاكه.
The House of Islam: A Global History. Ed Husain. London.Bloomsbury.2018