كلما ظن المرء أنه لم يعد هناك ما يمكن أن يفاجئه، جاءت الدنيا بجديدها وفاجأته، بل صدمته صدمة توقف أمامها عقله. فالواقع المؤسف أن الإنسان تفنن فى جرائمه وانحرافاته، حتى لم يعد هناك ما يمكن استبعاده. وأن الجريمة والأفعال الشاذة انتشرت وتنوعت، حتى لم تعد هناك بقعة يمكن أن نصفها بالآمنة، لكن المفاجأة، أن ذلك ليس بالصحيح تماما، فهناك بقعة آمنة لم تصلها احد أشكال الانحرافات الإجرامية. أو بمعنى أدق كانت آمنة حتى عهد قريب. كانت جزيرة قبرص آمنة من جرائم السفاحين ومايعرف بالقتلة المتسلسلين الذين تتسم جرائمهم بالتكرار واتسام أهدافهم بسمات مشتركة، أو التزامهم بنمط محدد فى الإتيان بأفعالهم الإجرامية، أو كليهما معا. فللعجب، كانت قبرص لم تشهد مثل هذه الجرائم فى تاريخها، حتى تم اكتشاف سر نيكوس ميتكساس، فى سن ال 35 عاما. وقد كان ميتكساس ذا حظ وافر، إذا تعددت الألقاب التى أطلقها الإعلام القبرصى والأوروبى عليه. فبخلاف كونه أول قاتل متسلسل فى تاريخ الجزيرة المتوسطية الوادعة، أطلقت الصحافة عليه أيضا «قاتل الأجنبيات». فقد تم الكشف عن أدلة تعقبتها الشرطة فى قبرص حتى قادتهم إلى ميتكساس الذى اتضحت صلته بجثث متفرقة تم العثور عليها فى مواقع وتواريخ مختلفة خلال السنوات الثلاث الماضية، وتحديدا منذ عام 2016. جثث القتيلات كان يتم العثور عليها فى مواقع مختلفة وقد فارقتهم الحياة بطرق مختلفة أيضا، بعضهن عثر عليهن داخل حقائب ملقاة فى قاع بحيرة مسمومة تشكل امتدادا لمنجم نحاس. وبعضهن عثر عليهن داخل كهوف جبلية فى مناطق وعرة، وغيرهن فى مناطق أخرى متفرقة. كان هناك أمر واحد يجمع القتيلات، أن كلهن نساء أجنبيات، وكلهن من أصول أسيوية، وإن كانت الأغلبية من حاملات الجنسية الفلبينية. التحقيقات الجارية ترجح مسئولية قاتل الأجنبيات عن مقتل نحو 30 ضحية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بينهن فتاتان صغيرتان كانتا ابنتى ضحايا. واتضح أن تأخر إدراك السلطات القبرصية لهول الجريمة يرجع إلى كون القتيلات من الأجنبيات، حيث كان يرجح معارفهن فى حالة الاختفاء المفاجيء، أنهن عثرن على فرصة عمل فى حى أخر، أو غادرن الجزيرة تماما بحثا وراء لقمة العيش. اعترف قاتل الأجنبيات بجرمه وأرشد الشرطة إلى موقع بعض الجثث. ولكنه لم يبد أى ندم أو اعتذار، كما لم يجب عن السؤال الكبير: لماذا الأجنبيات تحديدا؟ وما الذى دفعه ليصبح أول قاتل متسلسل فى تاريخ الجزيرة؟ لكن ضحايا قاتل الجزيرة لم تكن فقط قتيلاته، بل انضم لهن وزير العدل القبرصى أيوناس نيكولاو الذى أعلن استقالته من منصبه، وسط انتقادات واسعة من جانب الرأى العام القبرصى لأسلوب تعامل الدولة مع القضية.. الوزير أكد فى بيان استقالته أنه لا تربطه أى صلة من قريب أو بعيد بجرائم قاتل الأجنبيات، ولكنه شعوره بالمسئولية الذى دفعه إلى قرار الاستقالة.