حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض السينمائيين يظنون أن تقديم الفضائح يضمن نجاحهم..
الناصر خمير: لا أقدم فيلما إلا إذا أحببت الفكرة
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 05 - 2019

* أنا محاصر لأنى غريب وحتى فى حضورى فلا أرفع علما ولا إشارة
* أهم شيء فى العالم أن يكون لديك طريقة خاصة فى السرد وأن تحكى حكايتك من الداخل
* أنا لا شيخ لى ولست متصوفا بل سينمائى يبحث فى حضارة ضيعها السماسرة

فى حديثه عن طفولته التى قضاها فى مدرسة داخلية قال إن أجمل لحظاته كانت حين يطفئون النور، وتدور ماكينة عرض الأفلام وتضاء الشاشة. تلك اللحظة الاستثنائية هى التى قدمت لنا هذا الفنان الكبير، المسكون بعدة مواهب فنية. تلك اللحظة التى أوقعته فى غرام السينما، هى بدورها التى هدته إلى طريقه فى الحياة، فمنحها زخماً روحيا من تراثنا العربى، وأضفى على أفلامه ألقاً فنيا وثقافيا كانت بحاجة إليه، لعلها تساعد الإنسان على الخلاص.. أى إنسان!!. قدم لنا بعض أجمل أفلام السينما العربية، والعالمية، مثل «الهائمون» (1984)، و»طوق الحمامة المفقود» (1987)، «بابا عزيز» (2005)، و»همس الرمال» (2017)، وغيرها من الأعمال الرائعة التى بلغت خمسة عشر فيلما، وما زالت جعبته تنطوى على سيناريوهات عديدة!.
تدور أسئلته الوجودية الرئيسية فى أغلب إبداعاته، حول معتقد فكرى سليم، والإيمان بالحب، والسماحة مع الآخر، وخلاص الإنسان عنده هو ذروة حرياته العامة والخاصة.. ويرى ان ثمَّة مشتركات تجمعه بالمخرج المصرى الراحل»شادى عبدالسلام»، وإن اختلفت المرجعية، فهو يبحث فى التراث الثقافى العربى الغنى، من تجليات الصوفية، إلى رؤية «ابن حزم» للحب فى تحفته «طوق الحمامة»، وحكايات «ألف ليلة وليلة»، و»إخوان الصفا»، و»أبو حيان التوحيدى»، و»أبو العلاء المعرى»، و»ابن خلدون»، وتألقات «ولاَّدة بنت المستكفى».
أما «شادى عبدالسلام» فيستلهم تراث مصر القديمة، لكن تبقى التشابهات فى الرؤية الفكرية، والثورية، واللغة السينمائية، والقدرات التشكيلية، وعذوبة الحكى السينمائى. وإن لم يسعف القدر «شادى»، فقد مكَّن «خمير» من تقديم مشروعه السينمائى الخاص، وبخط فكرى مبهر، وواضح للمجتهدين، يستلهم فيه دُرَر الماضى لعلها تشارك فى مواجهة جهالات الواقع، وتسهم فى إضاءة المُقبل من الأيام، لأنه يؤمن بأن «حل مشاكلنا يكمن فى تجديد ثقافتنا».. كل ثقافتنا!!. من يتابع أفلامه، وكتاباته، ولوحاته باهتمام وجدية، سيسمع صوتا بداخله يقول له: « اعلم.. أعزك الله.. أنك أمام فنان فريد، لم يأخذ حقّه بعد، بالرغم من أنه قدّم 15 فيلما، بناها بوعى، ورهافة، و15 أيضا من الكتب المهمة، وآلاف اللوحات التشكيلية، لكنه لايزال يشعر أن ثمَّة أعمالا أهم لم يقدمها بعد، فإلى نص الحوار معه:
استوقفنى الحسّ الصوفى البارز فى أفلامك.. هل نحن بحاجة لهذه الالتفاتة إلى تاريخنا.. ولأى مدى يمكن للسينما الاستعانة بالتراث؟
مسألة التصوف الأساسية تلخص فى جملة. قال لى صديق: «متى يفهم العرب أن حل مشاكلنا فى تجديد ثقافتنا».. لا أكثر لا أقل.. ولا نستطيع تجديد ثقافتنا من منابع غربية.. أو بعيدة.. لابد أن نجددها من الداخل.. مع فهمنا أحوال العالم.. والفكر الإنسانى، وأسباب التقدم.
وما علاقة التصوف بجماليات الفن؟!
الجماليات شيء أساسى فى تكوين أى انسان.. الإنسان الذى لا يملك ذوقا هو «حىّ ميت «.. ومرجعية الجماليات فى حضارتنا هى التصوف.. أحيانا يسألنى بعضهم هل أنت متصوف؟ ومن شيخك؟!.. والحقيقة أن لا شيخ لى.. ولست متصوفا.. أنا سينمائى.. أبحث فى حضارة ضيعها السماسرة.. وأحاول أن أجد المراجع الصحيحة.
هل كان هذا دافعك لتقديم فيلم «البحث عن الشيخ محيى الدين».. أو «البحث عن ابن عربى»؟
من يرى عنوان الفيلم لا يذهب إلى ظنه أن «الشيخ محيى الدين» هو ذاته «ابن عربى».. والفيلم مدت 3 ساعات.. صوّرته فى عشر دول.. اليمن وسوريا وتونس وأمريكا وأُكسفورد وتركيا وغيرها..و اشتغلت عليه أربع سنوات.. وينطق بست لغات.. لأنه يبحث فى الإنسانية الموجودة فى عمق التصوف، لدرجة ظن الناس معها ان الشيخ حى.. وهنا أسأل.. لماذا بكى الناس وهم يشاهدون الفيلم.. رأيت سفيرا أجنبيا خرج يبكى بعد الفيلم.. ورأيت أيضاً فتاة فى الثامنة عشر تبكى.. لماذا؟!.. تقول لماذا نحن فى الحضيض وعندنا هذا الموروث? هذا المشكل الأساسى.. هذا ما دفعنى للبحث فى عدة اتجاهات للعودة إلى المنابع.. وسلك طريق جديد.. وتسأل لماذا تأثر الناس به وبأشعاره.. وتفسيره أسماء الله الحسنى؟!.. ولم ينفذ أى شيخ لعمق تلك المعانى.. لا من الزيتونة ولا من الأزهر ولا من أى مكان آخر.. يمكنه تفسيرها بهذا الشكل.. زمان.. فى زمن «الشيخ محيى الدين» نفسه.. كان هناك أمير أظنه «أبو يوسف بن يعقوب المنصور الموحدى». قال: «عودو إلى القرآن واتركوا البقية»، بما فيها المذاهب والسنة وغيرها.. «الشيخ محيى الدين» لم يأت من فراغ.. هو يبحث عن الأصل وهذا ما قام به ابن عربى.. عندك مثلاً فى مصر موروث فرعونى إذا بحثت فيه ستجد طعّم الفلسفة اليونانية.
ظنى أنك فى أفلامك تبحث عن مثال غير موجود.. أو ذلك الجمال الذى يبحث عنه الانسان منذ القدم؟
كل انسان يبحث عن شىء.. وكل واحد منا يتلقى الفيلم بطبيعته وإمكانياته.. التلقى يختلف من شخص لآخر وفق مستواه الثقافى.
فما الذى تبحث عنه أنت فى أعمالك فى ثلاثية الصحراء (بابا عزيز والهائمون وطوق الحمامة)؟
الصحراء فيها أشياء واضحة، وأخرى غير واضحة. فلماذا الصحراء؟ لأنها فى الأصل بالنسبة لى هى اللغة العربية، لا أكثر ولا أقل!. مثلا.. يقال إن أصل كلمة الأناقة جاءت من ناقة، والجَمال جاءت من الجِمال، وكما تعلم أن اللغة العربية لغة اشتقاق وما إلى ذلك، فسواء تعرف الصحراء أو لا تعرفها، تعتبرها مرجعاً أو لا، لكنك حين تتحدث العربية فأنت تتحدث لغة الصحراء. وهذا أقل ما يمكن أن أقوله عن الصحراء.
لكن لماذا شعرت فى حواراتك أنك منطلق من التمرد على هذا وليس الرجوع إليه وفهمه؟
لا أتمرد عليه، لكنى أريد التجديد فيه، مثلا المعمار العربى الإسلامى شىء مهم، «حسن فتحى» لم يتمرد عليه بل طوّره، هذا هو الواقع، نعود للتراث لأنه ليس لدينا حل ثان فلا يصح مثلا أن تكون فى محيط كله زيتون، وتفكر بعقلية البرتقال، هذا هو واقعنا، والموروث كذلك إذا فكرت بعقلية أخرى فهذا يؤدى إلى خراب.
فيما يخص الصوفية وجماليات اللغة هذه.. أراك تأخذ أجمل ما فى الماضى لتنطلق به نحو المستقبل؟
نعم أحاول فعل ذلك، لا أكثر ولا أقل، ففى الماضى شىء جوهرى، وشىء عرضى، الجوهر هو المطلوب وجوده، والجوهر يعود إلى الإنسانيات التى يشعر بها الناس جميعا، فى أثناء عرض «البحث عن الشيخ محيى الدين» فى روما قلت هذا هو التصوف و «الميست سيزم» فى الدين الإسلامى، نهضت سيدةٌ عمرها 80 سنة وقالت: «إن هذا موجود عندنا كذلك فى المسيحية»، المشكلة فى طريقة التناول، ونوعية اللغة، وخصوصية الطرح.
كأنك تقول أن علينا البحث عن أجمل ما فينا لأنه متواجد بالضرورة عند الآخرين فى نفس الوقت؟
التواصل مع الآخر هو أن تعطيه أحسن ما عندك، هذا مقام الضيافة، أى تضايفه بأفضل ما تملك.
السماحة فى عمق الصوفية، وعدم الالتزام بحرفية النصوص المقيدة حيث يتحرر المتصوف من ظاهر العبادات التكليفات.
فهل تتماس مع هذا السياق؟
لا.. لا أدخل فى هذا، عندما تقرأ «الشيخ محيى الدين» تجد عنده جوابا على هذا، فإذا كان هناك ثمة خصوصية فى الإسلام فهى أنه ليس هناك رهبنة، هناك حلقة وصل بين العبدوالخالق، لا توجد وساطة، يبحثون لنا عن وساطة، وقد كرس ذلك الإسلام السياسى، البعض يحب أن يهدم هذه الحضارة من أساسها، خصوصا مع وجود الفكر الوهابى بالذات.
قلت ذات مرة إن «اللغة العربية لم تعد تعبر عن أفكارنا».. فهل السينما فى ظنك يمكن أن تكون بديلا للشعر العربى بكل جمالياته باعتباره ذروة اللغة العربية؟، وما الفارق بتقديرك بين قدرة المخيلة على تشكيل الصورة الشعرية والصورة السينمائية السهلة؟ وهل الصورة السينمائية بتفاصيل المشهد أو اللقطة يمكن أن تصبح بديلا له؟
لاااا.. كل مجال إبداعى عنده مساحاته، وجمالياته، وخصوصياته، لقد ذكرت من قبل أن اللغة العربية هى صحراء، وقد سُئلت فى لقاء بالتليفزيون الفرنسى عن الصحراء، فقلت هى اللغة العربية، وكان معى حينها الشاعر الفلسطينى «محمود درويش» فالتفت صحفى وقال له أنت تتعامل مع اللغة العربية فما قولك فى الصحراء، فقال درويش للصحفى إننى لا أتعامل مع الصحراء، وهذا المشهد موجود على اليوتيوب، ما يعنى أن شاعرا بحجم «محمود درويش» لم يفكر فى كون اللغة العربية مرجعها الصحراء، فاللغة العربية مرتبطة لغويا وموسيقيا بالصحراء، ثمّة مستويات فى الشعر، فهل هو كلام أم روح؟ إذا كان كلاما فالكلام حاليا لا يقوم بالدور المطلوب، مشكلتنا فى خلق عالم! وخلق العالم بتكويناته المختلفة، والأستاذ «نجيب محفوظ» هو الأقرب لخلق هذا العالم، نفس الأسئلة ومحاولة البحث عن الإجابات وعليك أن تجد مخارج، لأن الإنسان العربى والشاب العربى محاصر، والعالم يكيل له من كل جانب ويعطيه صورة رديئة عن ذاته وماضيه، فالعالم صبّ على الشاب العربى قمامة المساوئ، فإشعاره بالجمال وإشعاره بالحب هو تحرير لنفسه وتحرير لذاته.
وكذلك أفلامك.. هى أيضا مليئة بالأسئلة الفلسفية العميقة، وتصل إلينا ببساطة. ولديك تركيبة سينمائية خاصة، فأنت لا تعمل بتراتبية 321 أبدا، بل لديك «كولاج»، من يفهم يفهم، ومن لا يفهم فالقصور لديه، ما يعنى أن أعمالك تحتاج إلى وعى عال ومستوى المتلقي؟
سأعطيك مثلا بسيطا.. «جون لوك جودار»، الذى يسمونه فى الغرب «بابا السينما»، وهو من أهم المخرجين فى العالم، فى آخر فيلم له «كتاب الصور» أخذ لقطات من عدة أفلام ليكوّن منها فيلمه، اكتشفت أنه أخذ لقطات من أربعة أفلام لى، من «طوق الحمامة المفقود «، و»الهائمون»، و«بابا عزيز»، و«شهرزاد»، وهذا يدل على إمكانية حدوث التواصل مع أى شخص.
كيف تُشكل تلك المعادلة العجيبة التى تجمع الرؤية العميقة والبساطة معا؟
أهم شىء فى العالم أن يكون لديك طريقة خاصة فى السرد، أن تحكى حكايتك من الداخل، لا على ترتيبات تعلمتها فى أُكسفورد ولا فى نيويورك، المشكلة ليست من أفضل؟ هم أم نحن؟ ولا من أصح؟، أنت كشخص متواجد فى حضارة أعطت للعالم «ألف ليلة وليلة»، لا يوجد قارئ أو كاتب فى العالم أجمع لم يقرأ «ألف ليلة وليلة»، لا يوجد طفل لم يسمع عن «ألف ليلة وليلة»، معناها أن هذا النص العظيم قد دخل روح ونفسية وعقلانية الغرب والإنسانية وأسس للسرد ونحن فى زمن السرد، من يستطيع أن يحكى حكاية فهو الذى يستقطب الناس، ومن ليس له حكاية فهو خارج من التاريخ، ولو قلدت حكايتك فكأنك لم تحك، وأنا قدّمت حكايات «ألف ليلة وليلة» تقريبا 30 سنة، فأساس السرد مستمد من الأعماق، كان لدى صديق مسئول عما يسمى «القسم العربى فى السوربون» قال لى ذات مرة: «لم أر شخصا يبحث عن عروبته مثلك»، وأنا لا أبحث عن العروبة كشعار بل أبحث عنها كخصوصية، كحنين وجماليات، وحسّ، وتفكير، فالعروبة مكون أساسى لكى تبقى الحضارة حيّة. أعود لأؤكد أن السرد أهم شيء، لأنك إذا حكيت حكاية فلا يستطيع شخص آخر أن يحكيها مثلك، لأنها نابعة من ذاتك.
هل توصلت أنت إلى تقنية خاصة لتفعيل هذا، تقنية خاصة مختلفة عن باقى أفلام السينما؟
هناك عناصر السرد، وتخريج السرد، فى الأولى عندى مراجع أدبية وحسية وشخصية، وأطورها، مثلا فى الشعر العربى لديك شىء غير موجود فى أى شعر فى العالم هو «الشعر عن الطيف»، عندما يحب إنسان آخر ويُمنع عليهم التلاقى، يزوره طيفه فى المنام، وهذه خصوصية عربية لا تجدها فى أى شعر آخر.
هل أوجدها المجتمع المحافظ بظنك، أم قدرة القريحة العربية؟
لا.. هذا حكم، إنما أوجدها البحث عن الحرية، هذا تفكير غربى يبحث عما يقوله المجتمع، لا لأنه من خلق فكرة إنسان يؤمن بكونه حرا، وكما فى شعر مجنون ليلى يقول بعد الموت سنلتقى، نجمة تولى نجمة، شىء مهول، حين تقرأ «طرفة بن العبد»، و»الشنفرة»، و»عروة ابن الورد»، وهذا لا يعنى أننى أستصغر شعراء الواقع الحالى، لكن أولئك القدامى أتوا بما لم يأت به الكثيرون. كتبت سيناريو عن الشعراء الصعاليك ولم يتسن لى إنجازه.
تتمسكك بفكرة الحكى، والإيقاع لديك خاطف، لا تسمح لأى ترهل فى أعمالك، فالنص مشدود، والحكى خاطف. والحكى البصرى بالذات يحتاج إلى يقظة مطلقة، بخلاف الحكى الشفاهى، فكيف تنقذ أفلامك من البطء والتكرار؟
هناك بطء وسرعة فى وقت واحد، مثلا فى «البلونت» هناك بطء فى التحرك، وسرعة فى السرد المخفى، أى إذا نطقت جملة فهناك ثلاث جمل لم تقلها، لكن المتفرج يستوعب هذا على مرات، فكل مرة يرجع فيها إلى الفيلم يكتشف تفصيلة جديدة، فمن المستحيل أن يلم بكل التفاصيل مرة واحدة، وفى كل مرة يتتبع شيئا جديدا، نعم المتلقى هو الأساس، لكن أنا من يحكى وعليّ أن أوقظه.
وهذا يعنى إنك من المبدعين المؤمنين بأن المتلقى لابد أن يبذل جهدا مقابلا لجهد المبدع، وليس هناك استسهال فى التلقى؟
المتلقى حر لا محالة، لكن إذا كان مستهلكا فهذا نوع، وإذا كان متلقيا فهذا نوع آخر. وأنا لا أستهدف المستهلك.
فى حوار لى مع المخرج الكبير «داود عبدالسيد» قال إنه يقدم رؤيته داخل حدوتة صغيرة، لأن المشاهد يحب الحدوتة، وربما تقوده هى إلى الرؤية، لأن مستويات التلقى تختلف من شخص إلى آخر، هل تتفق معه؟
ذات مرة طلبوا من كاتب تونسى فى السوربون كتابة مقال فى 15 صفحة عن فيلم فوقع اختياره على «الشيخ محيى الدين» وشاهده خمس مرات، وكل مرة يكتشف شيئا جديدا، لأن الخيط فى الحقيقة ليس واحدا، بل مجموعة خيوط تشكل نسيجا، والفكرة الثانية أننى لا يمكن أن أعطى حبا لشخص لم يحب، بحيث أكون مرآة عاكسة لشىء داخل الإنسان، وكأنى أوقظه من سُبات، المهم الشباب الذين يبحثون عن مستقبل، يؤمنون بأن الحياة هى صنع المستقبل، وآخرون يرون الحياة عيش، فمن كانت مشكلته العيش لا مشكلة لى معه لأنه هو من يختار، وأنا لست نبيا ولا داعية ولا سياسيا ولا قاضيا.
هذا المستوى الفكرى والرؤية الفلسفية ألا يجهدانك فى العمل، من أول التقاط الفكرة، ثم تحويلها إلى صور ومشاهد؟
أنا محاصر لأنى غريب فى المجموعة، وغريب فى كل شىء، غريب حتى فى حضورى، ولا أرفع علما، ولا إشارة، أنا أعطى مجهودى قُبل أو لم يُقبل، الإنسان ينجز شيئا ولا يدرى من يستفيد به.
ما مدى اهتمامك أيضا بتلقى المضامين داخل الحدوتة؟.
خذ مثلا الحدوتة فى فيلمى «طوق الحمامة المفقود»، إذا تتبعها أى أحد سيجدها. وقد اكتشفت أن «طوق الحمامة المفقود» يهتم بمشكلة الحب فى المجتمع العربى، وليس الجنس، لأن «ابن حزم» كتب «طوق الحمامة» فى القرن العاشر، وما زلنا بعده بعشرة قرون محرومين من الحب، ما هذا المجتمع؟!، غير معقول، هذا حكم بالإعدام على أرواح الناس. ليست مشكلة خبز وغيره، من لم يحب لم يعش، ولن يمارس الحياة. لذلك أسميته «طوق الحمامة المفقود». واكتشفت أن الفيلم يستعمله أساتذة اللغة العربية حول العالم من نيويورك إلى إسبانيا وباريس وتركيا، فى تعليم العربية، لأننى فى دوبلاج الفيلم قدمت باقة من اللكنات العربية الفصحى، الخطاط لكنته مغربية، وغيره لكنته فلسطينية، والطفل لكنته عراقية بغدادية، هذه هى العروبة التى أعبر عنها بطريقتى الخاصة كونى جمعت اللكنات العربية الخاصة فأعطانى الفيلم حالة حيّة ومذاقا عربياً للغة شاملة.
ما سر إحساسى كلما شاهدت فيلما لك أن ثمّة تشابه بينك وبين «شادى عبدالسلام».. هل بينكما مشتركات ما؟
لأن شادى مرجعيته مصرية قديمة، والجماليات مصرية، وهو من القلائل الذين أدركوا أساسية الجماليات، وتكوينات الصورة عند شادى مصرية قديمة، وتكوينات الصورة عندى منمنمات عربية فارسية مغولية، ولدينا تشابه آخر ممكن أن يضع كلانا فى نفس المقام أنه دائما يتحدث عن الثورة، فى سيناريو فيلمى الآتى، مقاطع لم تعد صالحة، لأن الثورة تسير فى اتجاه والسيناريو فى اتجاه، فطلبت من إدارة السينما تغيير بعض الشىء فى السيناريو، مع العلم أنه فى 2017 فى مهرجان فينيس (البندقية)، كل عام يختارون 18 فيلما ويطلقون عليهما أفلام كلاسيكية، اختاروا «الهائمون فى الصحراء» كفيلم كلاسيكى، بين 18 فيلما فيهما «جودار» و«انطونيونى» و«سبيلبرغ» وغيرهم. كلهم أساتذة! وكنت العربى الوحيد بينهم، ورغم ذلك أقول اعطونى بعض الحرية كى أغير قليلا مما فى السيناريو ومازلت أنتظر الجواب منذ سنتين. كان هذا يحدث مع شادى أيضا منعوه ولا أدرى ما حدث لفيلمه الأخير، المشكلة ليست هنا فى الحرية بل مشكلة إدارة ركيكة ورأس مال عربى جبان لايهتم بالثقافة زد على ذلك المسئولين الحاليين هم من أسوأ ما أُخرج للناس.
لديك مستوى مذهل فى التعامل مع النص، فأنت تستلهم منه وتستند إليه، لكنك لا تقع أسيرا له، وتحترمه فى الوقت ذاته، كما حدث مع «طوق الحمامة» ل «ابن حزم»، وأشعار «ابن عربى»؟
بعض السينمائيين يظنون أن تقديم الفضائح يضمن نجاح أعمالهم، فمن أجل طرح فيلم لابد أن تقدم فضيحة، وأنا لا أقدم فيلما إلا إذا أحببت فكرة، ولا أقدم شىءا لا أحبه.
أُغرمت ب«طوق الحمامة» فقدمت فيلما عظيما؟
اكتشفته وعمرى 12 أو 13 سنة، ولأول مرة يحدثونى عن الحب قلت إنه شىء مهم، وفيلم «بابا عزيز» جاء حباً فى الإسلام، ليس بمعناه التقليدى، من صلاة وصوم، بل روح الإسلام، لأن الإسلام هو من أخرج هذه الحضارة، لكن العقلية الآن من أسوأ ما أُخرج للناس خصوصامع التحجر الدينى.
من المميزات لديك أيضا، التصرف فى النص، والتحرر فى التعامل معه، بمعنى أنك تقدم صيغة موازية له، وتربطها بشىء حالى، الشباب من حقه أن يعيش الحب، ولديك سند عظيم هو «طوق الحمامة»، مثلا، ومع ذلك لا تفرض نص «طوق الحمامة» لا على نفسك ولا على أحد؟
السينما ليست سيسيولوجيا، ولا دعوة سياسية، ولا حلا إقتصادياً ولا إصلاحا اجتماعيا، هى إنقاذ روح المجموع، الوعى يأتى عندما تكون الروح حية، فلا وعى بلا روح.
سؤال أخير عن علاقتك بالسينما المصرية.. هل كان لها دور فى حياتك؟
حتى يومنا هذا مازلت أحب وأعشق أسمهان، والغريب فى الأمر لا محمد عبدالوهاب ولا كارم محمود لكن أسمهان، أما بالنسبة للأفلام ثمّ عدة أفلام منها «يوميات نائب فى الأرياف» للمخرج «توفيق صالح»، وأفلام «صلاح أبو سيف» طبعا، وأفلام «يوسف شاهين» خاصة «باب الحديد»، وكثير من الأفلام الكلاسيكية، كثير من الأفلام أحن إليها، لكنى أشعر أنى أقرب ل «شادى عبدالسلام».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.