تنبع الزعامة السياسية من ملابسات تاريخية محددة، وقد يكتسي الانصياع لها في كثير من الأحيان طابعا قهريا، أما الزعامة في الفن فإنها طابع مغاير علي اعتبار أن الفنان لا يمكن أن يفرض نفسه علي الجماهير ولا حيلة له في ذلك، فزعامة الفن وليدة الموهبة والإخلاص في تمثيل آلام وآمال الجماهير، وهذا ما جعل الزعيم عادل إمام علامة فارقة في سماء الفن العربي. بهذه الكلمات الحاسمة قام الناقد المغربي «خليل الدامون» بإجراء تشريح فكري ومجتمعي وعقد مقارنة بين الزعامة السياسية والفنية التي انتصر فيها لجماهيرية عادل إمام الصادقة وأجاب عن السؤال: لماذا توج زعيما؟ الحديث عن الزعيم عادل إمام لا يحتاج إلي مناسبة فهو اسمه وحده الذي يستحق الحديث والكتابة عنه كلما أردنا لأننا لا نملك سوي عادل إمام واحد هو الأكثر قيمة وتأثيرا لكننا اليوم نحتفي مبكرا بالحديث عنه لمناسبة استقباله يوم 17 مايو مشارف عامه الثمانين وهو مازال قادرا علي العطاء والعمل فلديه مسلسل يستكمله كما يجهز لفيلم سينمائي. إن ما يقوم به النجم الكبير عادل إمام من إصرار علي العمل يعد نموذجا وقدوة لكل الأجيال وهي قيمة العمل فليس معني أن تملك ما يريح حياتك ماديا أن تتكبر أو تتكاسل أو تختار البيت ملاذًا. يعد الزعيم عادل إمام نموذجا فريدا ونادرا بين كل نجوم العالم فالحقائق تقول إنه الوحيد من بين نجوم العالم الذي ظل لأكثر من 50 عاما نجما يحتل الصدارة بجدارة وسط كل المتغيرات والتغيرات الفنية بفضل قدرته علي أن يمسك مبكرا بخيوط التميز فملكها وملكته وأصبح عن جدارة الرقم الأول فقدم خلال مشواره ما لم يقدمه سواه واستطاع أن يجعل من اسمه عنوانا لكل معاني البهجة والسعادة، وان شئت فقل انه قائد «جبهة الصمود ضد كل ألوان الكآبة والحزن، فحمل علي عاتقه مهمة إسعاد الشعوب ومواطن بهجتها القائمة علي تأليف القلوب، من خلال أعمال كثيرا ما حملت همومنا وأحلامنا وآهاتنا أيضا، فتسيد النجم الكبير دولة الكوميديا، وتصدر المشهد الفني العربي سينمائيا ومسرحيا وتليفزيونيا. من بين من نبهوا لقيمة الزعيم فنيا وجماهيريا كان المخرج الراحل «صلاح أبوسيف»- الذي كتب مقالا مهما عن عادل إمام نشر في مجلة «الكواكب» قبل 25 عاما قال فيه: «هناك حالات نادرة في تاريخ الفن المصري لم يختلف اثنان علي قيمتها وعظمتها، وأظن أن عادل إمام، وهو من هذه الحالات النادرة، علي رأس قائمة الفنانين الذين نالوا قبولاً جماهيرياً، ولم يختلف اثنان علي كونه فناناً مبدعاً يمثل قيمة فنية مرموقة ليس في مصر فقط، وإنما علي امتداد العالم العربي كله، بل في كثير من البلدان الأجنبية». ومن هنا عندما يوصف عادل إمام بأنه نجم النجوم فهذا ليس نوعا من المبالغة والتعظيم، فالرجل تاريخه يشهد أنه الفنان العربي الوحيد الذي يملك أعلي رصيد جماهيري من المحيط إلي الخليج، كما أن كبر قامته تستند إلي تاريخ عريق التأثير والوطنية، وربما ما حصل عليه من نجاح كان بسبب انحيازه إلي الشعوب، ومن ثم انحازت له ملايين المصريين والعرب، وتوجوه زعيما للبهجة والسعادة. وقد لا يعلم الكثيرون أن عندليب الأغنية وقائدها والأكثر تاثيرا في الوجدان العاطفي، عبد الحليم حافظ، هو صاحب مقولة إن «عادل إمام هو أجمل اختراع للقضاء علي الحزن». من يقوم بدراسة أعمال «إمام الكوميديا» سيدرك انه يقف أمام فنان عظيم، حافظ علي تألقه ونجوميته، تماما كما تحافظ الجواهر النادرة علي بريقها المستمد من أصالتها، وأصبح هو النجم الأغلي والأكثر إيرادات، وأن كل ما حققه نتاج أفكار طازجة وجريئة وسعي وحركة دؤوبه نحو القيمة، علاوة علي مخاطبة كل العقول وكل الأعمار، ولهذا تقبل الأجيال الجديدة علي فن عادل إمام بنفس الحماس والمتعة الذي كان آباؤهم أو أجدادهم يقبلون به عليها، لأنه من البداية كان واضحا مع نفسه حين اختار الانحياز للناس لإبراز مشكلاتهم علي سطح الحياة والكشف والغوص في القضايا الكبري، دون ميل أو لقادة أو حكومات، فلم يكن يوما ذلك النجم المدلل من قبل سلطة أو صاحب نفوذ، ويشهد كل من اقترب منه بأن كثيرا من أفلامه كادت ألا تري النور، ولجأ الزعيم وقتها لكبار المسئولين السياسيين وانتصرت وقتها الإدارة السياسية للفن . لم يأبه الزعيم يوما بأي هجوم أو محاولات تعطيل بل واصل مشواره بإيمان لأنه وقر في يقينه حب الجمهور، وكثيرا ما أعلنها صراحة أنه ينحاز للناس، وترجمها في أعمال فنية تشهد علي ذلك، أعمال استقرت في ذاكرة عموم المصريين والعرب. واليوم نطلب ممن بيدهم الأمور تكريما يليق بمكانة الزعيم عادل إمام وبما يملك من مكانة وتأثير في الوجدان العربي، تكريما لا يقل عن الذي حصل عليه من المملكة المغربية عندما منحه الملك الحسن الثاني رحمه الله أعلي وسام، وأيضا عندما منحه الرئيس التونسي القايد السبسي أعلي وسام في تونس. عادل إمام هو ابن مصر الذي أسعدنا كثيرا ويستحق من وطنه التتويج وتوسيمه بأعلي الأوسمة وهو يدخل عامه الثمانين، وكلنا يقين بأن الدولة تدرك قيمته وتأثيره وأن منحه أعلي وسام مثلما منحته وكرمته دول شقيقة يعطي الأمل ويؤكد تقدير الدولة للفنون وكبار النجوم. لمزيد من مقالات محمود موسى