احتفلت وسائل الاعلام أمس الثلاثاء بميلاد زعيم الكوميديا النجم الكبير عادل إمام تقديرا لمشوارة وقيمته وتأثيره الكبير فى الوجدان العربي، فهو استطاع عبر سنوات عمره الفنى ان يجعل من اسمه عنوانا لكل معانى البهجة والسعادة فهو المعادل الحقيقى لصورة المصرى الذى يحمل الصفاء والكفاح والابتسامة،وبجدارة يعد أحد أبرز قادة «جبهة الصمود» ضد كل ألوان الكآبة والحزن، كما أنه حمل على عاتقه مهمة إسعاد الشعوب، وذلك من خلال أعماله التى كثيرا ما حملت همومنا وأحلامنا وآهاتنا أيضا، فعبر 50 عاما تسيد النجم الكبير «دولة الكوميديا»، وتصدر المشهد الفنى العربى سينمائيا ومسرحيا وتليفزيونيا. ففى السينما قدم «إمام المضحكين» أكثر من 120 فيلما، وله فى المسرح إسهامات كبيرة فهو الوحيد الذي حقق رقما قياسيا فى عروض مسرحياته وعلى سبيل المثال تم عرض مسرحية الواد سيد الشغال 8 سنوات متتالية وقبلها شاهد ماشفش حاجة 7 سنوات والزعيم5 سنوات، فضلا عن اعمال مهمة فى التليفزيون وفى الإذاعة ، ومن هنا عندما يوصف عادل إمام بانه نجم النجوم فهذا ليس نوعا من المبالغة والتعظيم، فالرجل تاريخه يشهد ويؤكد أنه الفنان العربى الوحيد حاليا الذى يملك اعلى رصيد جماهيرى من المحيط الى الخليج، ناهيك عن كبر قامته التى تستند إلى تاريخ عريق التأثير والوطنية، وربما ما حصل عليه من نجاحات كان بسبب انحيازه إلى الشعوب، ومن ثم انحاز له ملايين المصريين والعرب، وتوجوه زعيما للبهجة والسعادة.وقد لا يعلم الكثيرون أن عندليب الأغنية وقائدها والأكثر تأثيرا فى الوجدان العاطفي، عبد الحليم حافظ ، هو صاحب مقولة إن «عادل امام هو أجمل اختراع للقضاء على الحزن». والذى يعى ويعلم تاريخ «إمام الكوميديا العربية» حتما يكون لديه إدراك بأنه سيبقى رمزا للأجيال على اختلاف توجهاتهم، لأنه كان واضحا مع نفسه حين اختار الانحياز للناس لإبراز مشكلاتهم على سطح الحياة والكشف والغوص فى القضايا الكبري، دون ميل لقادة أوحكومات، فلم يكن يوما ذلك النجم المدلل من قبل سلطة أو صاحب نفوذ، ويشهد كل من اقترب منه أن كثيرا من افلامه كادت ألا ترى النور، وخصوصا تلك التى كتبها المؤلف الكبير وحيد حامد فكانت تواجه تعنتا رقابيا شديدا ينغص عليه حياته ومنها على سبيل المثال فيلم الغول كاد يتم منعه وايضا طيور الظلام وحتى فيلم السفارة فى العمارة للكاتب يوسف معاطى دخل معه فى معركة جعلته يعود للتدخين بعد انقطاع عشر سنوات بسبب الجدل الذى دار بينه وبين رئيس مباحث أمن الدولة نحتفظ باسمه ويومها لجأ الزعيم للرئيس مبارك وبعدها انتصرت الادارة السياسية للفن واجيز الفيلم وتم عرضه ، كما واجه هجوما ضاريا من نواب برلمان الحزب الوطنى فى عدد من الافلام منها بخيت وعديلة وبوبوس ولم يأبه يوما بأى هجوم بل واصل مشواره ايمانا بأنه وقر فى يقينه حب الجمهور، وكثيرا ما أعلنها على لسانه صراحة بأنه ينحاز للناس، وترجمها فى أعمال فنية تشهد على ذلك مثل أفلام: إحنا بتوع الأتوبيس الغول كراكون فى الشارع حب فى الزنزانة المنسي طيور الظلام الإرهاب والكباب الإرهابي عمارة يعقوبيان السفارة فى العمارة حسن ومرقص ومرجان احمد مرجان وزهايمر، وغيرها من أعمال استقرت فى الذاكرة الجمعية لعموم المصريين والعرب. ويبقى لعادل إمام اسهامات خيرية وإنسانية كثيرة ومتعددة، قام بها قبل وأثناء تنصيبه سفيرا للنوايا الحسنة لشئون اللاجئين، وعلى المستوى العربى كانت له لمسات إنسانية خاصة يحنو من خلالها على البسطاء من أبناء وطنه وأمته، ولعله يعد من أبرز الفنانين الذين مزجوا بين الفن والسياسة، عندما اقترب بأفلامه ومسرحياته ومسلسلاته من هموم الشارع والمواطن البسيط، وبالتالى لم تقتصر قيمته على الفن فقط، بل امتدت للسياسة حين قام فى عام 1988 بزيارة تاريخية إلى محافظة أسيوط وعرض مسرحية االواد سيد الشغالب ولم يأبه يومها بتهديدات الجماعات الإرهابية، ثم أعقبها بأعمال سينمائية ناهضت كل أشكال الإرهاب والتطرف والفساد، وعلى حد قوله فإن مبادراته المناهضة للإرهاب تنطلق من كونه مواطنا مصريا رفض سيطرة الفكر المتخلف وعبث طيور الظلام فى أرض مصر الحضارة والتاريخ . هذه المواقف وغيرها دفعت واحدا من أفضل وأعظم مخرجى السينما المصرية الراحل صلاح أبوسيف أن يكتب عن عادل إمام مقالا مهما، وهى من الحالات النادرة التى يكتب مخرج عن فنان، ومما جاء فى المقال الذى نشر فى مجلة «الكواكب»: هناك حالات نادرة فى تاريخ الفن المصرى لم يختلف اثنان على قيمتها وعظمتها، وأظن أن عادل إمام، وهو من هذه الحالات النادرة، على رأس قائمة الفنانين الذين نالوا قبولاً جماهيرياً، ولم يختلف اثنان على كونه فناناً مبدعاً يمثل قيمة فنية مرموقة ليس فى مصر فقط، وانما على امتداد العالم العربى كله، بل فى كثير من البلدان الأجنبية. على المستوى العربي، قام عادل إمام بعدة زيارات لدعم اللاجئين فى سوريا واليمن، وقام أيضا بمبادرة كبيرة عام 1997بتقديمه مسرحية الزعيم فى المغرب لدعم بيت مال القدس، بهدف الحفاظ على ملكية الأراضى العربية فى القدسالشرقية، ووقتها تم منحه وساما من الملك الراحل الحسن الثاني. وقال عن هذا التكريم: لا أنسى أبداً ما قاله لى الملك الراحل الحسن الثانى عندما منحنى الوسام : إننا نمنحك هذا الوسام لأن أول ما سيدخل بيت مال القدس من أموال سيصدر عن أرباح عروض مسرحيتكم. مشوار عادل إمام الفنى الذى يمتد لنحو 50 عاما لايجب التعامل معه على مستوى الأرقام، وإنما يدعونا فى حقيقة الأمر إلى التمعن والتفكر والبحث فى سيرة فنان، حافظ على تألقه ونجوميته وأصبح هو النجم الأغلى والأكثر إيرادات، مؤكد أن كل هذا نتاج أفكار طازجة وجريئة، وحركة دءوبة نحو القيمة, علاوة على مخاطبة كل العقول وكل الأعمار، ولهذا تقبل الأجيال الجديدة على فن عادل إمام بنفس الحماس والمتعة التى كان آباؤهم أو أجدادهم يقبلون عليها. من يتابع مسيرة أفلام عادل إمام جيدا يستطع أن يدرك قدر التحولات والتغيرات التى حاقت بالمجتمع المصري، من منتصف الستينيات فى القرن العشرين إلى الآن، بفضل استطاعته أن يرصد كل ذلك بجرأة ومهنية، ومن يدقق فى الشخصيات التى قدمها لابد أن يلفت نظره ذلك التنوع الكبير فى الشخصيات التى أداها ببراعة، فحافظ على تألقه، تماما كما تحافظ الجواهر النادرة على بريقها المستمد من أصالتها، ولأجل ذلك فإن ملايين العرب يؤمنون بموهبة وقيمة عادل إمام التى مزج من خلالها الفن بالشجاعة مغلفة بالشفافية، من خلال تجسيده معاناة ومفارقات الناس البسطاء العاديين فى الحياة اليومية، ونقل مشاكلهم وصوتهم عبر شاشة السينما والمسرح والتليفزيون بزخمها وبريقها الأخاذ. حالة عادل إمام فى تاريخ الفن العربى ومنحه الزعامة من قبل الملايين دفع الناقد «خليل الدامون» الرئيس المؤسس لجمعية نقاد السينما بالمغرب لإجراء تشريح فكرى وعقد مقارنة بين الزعامة السياسية والفنية، وأجاب من خلالها عن السؤال الصعب: لماذا توج عادل إمام زعيما للكوميديا؟، فيقول: إن الزعامة السياسية تنبع من ملابسات تاريخية محددة، وقد يكتسى الانصياع لها فى كثير من الأحيان طابعا قهريا، أما الزعامة فى الفن فإنها طابع مغاير على اعتبار أن الفنان لايمكن أن يفرض نفسه على الجماهير ولاحيلة له فى ذلك، فزعامة الفن تكون وليدة الموهبة والإخلاص فى تمثيل آلام وآمال الجماهير، وكل هذا جعل عادل إمام علامة فارقة فى سماء الفن العربي. ............................................ واليوم نطلب من الدولة وقادتها تكريما يليق بمكانة الزعيم عادل امام وبما يملك من مكانة وتأثير فى الوجدان العربى ، خصوصا ان هذا التكريم تأخر كثيرا وسبقتنا اليه دول شقيقة من استقبالات رسمية وشعبية له وكلنا يقين بان الدولة المصرية تدرك قيمة كبار قواها الناعمة وان تكريمهم واجب وضرورة لتأكيد تقدير الدولة للفنون ودور الفنانين الحقيقيين فى تشكيل الوعى الانسانى