عندما تحتفل مصر فى هذه الأيام بذكرى تحرير سيناء ومرور 37سنة على انسحاب آخر جندى إسرائيلى من ارضها تتويجاً لانتصارات أكتوبر العظيم... فإن الشعب المصرى يستشرف العديد من القيم التى تحملها تلك الذكرى.. فاحتلال سيناء فى يونيو 1967 لم يكن تقصيراً من القوات المسلحة أو نتيجة لضعف أو عدم كفاءة ولكن القرار الصادر بانسحاب قواتنا منها عصر السادس من يونيو كان هو الخطأ الأكبر، بالإضافة إلى قرارات أخرى خاطئة تضافرت ومهدت لنشوب هذه الجولة بنتائجها المؤلمة. وسيناء هى الجزء العزيز من أرض مصر... ويطيب الإشارة بأن اسمها جاء بوحْى إلهى فى القرآن الكريم مرتين على الرغم من أن هذا الاسم لم يكن شائعاً فى قديم الزمان... على أن الحديث عن وقائع العسكرية المصرية التى دارت أحداثها على هذا الجزء العزيز من ارض مصر والذى وطئته أقدام الأنبياء والرسل يصاحبه الكثير من الجدل بين سرْد الأحداث التاريخية والتحليل لما دار من صراع مسلح على الحدود الشمالية الشرقية لمصر حيث ظلت شبه جزيرة سيناء عبْر العصور منفذاً ومسْرحاً للعمليات الحربية والكر والفر لقوى استعمارية ولإمبراطوريات طواها التاريخ كانت تطمع فى أن تجد لها موقعاً على أرض مصر... ولكن بقيت أرضها وبقى الإنسان المصرى فيها متماسكاً يزداد قوة وصلابة جيلاً بعد جيل... لكل ذلك ظل ارتباط سيناء بالعسكرية المصرية قائماً عبْر التاريخ حيث كانت هى دائماً المعبر للقوات العسكرية من الغرب إلى الشرق وبالعكس. وأيضاً مسرحاً للعمليات الحربية لكثير من المعارك ومنطقة إنذار مبكر. ويطالعنا التاريخ بأن معظم الهجرات إلى الوادى كانت تأتى من الشرق حيث تعاظمت فى عهد الملك / سنوسرت الثالث منذ 2500 سنة قبل الميلاد وأجبرته على بناء أول جيش مصرى منظم لمجابهة الحملات القادمة من الشرق عبْر سيناء... ثم جاء الهكسوس فيما بين عامى 1750، 1550 قبل الميلاد ونشبت أول حرب تحرير على أرض سيناء والذى بدأها الفرعون / سقنن رع وأنهاها / احمس الأول قاهر الهكسوس فى موقعة / اواريس وطاردهم شرقاً حتى أراضى فلسطين... - وكان / تحتمس الثالث هو اول من وضع نظاماً دفاعياً لسيناء وأنشأ فيها العديد من القلاع والحصون لتأمين القوات المصرية عند توجهها إلى الشرق... كذلك هو الذى اختار جزيرة فرعون التى تتحكم فى مدخل خليج العقبة من الشمال الشرقى للسيطرة على الخليج... واستمرت سيناء بعدها مسرحاً ومعبراً لكثير من الطامعين لعقود عديدة... فكانت حملات الفرس ثم الرومان... الذين اهتموا بإنشاء خطوط دفاعية وتحصينات من الفارما حتى حصن بابليون وعلى السهل الساحلى شمالاً من العريش حتى رفح شرقاً... وقد شهدت سيناء خلال حكم الرومان حملات عسكرية كثيرة، إلى أن بدأ الفتح الإسلامى لمصر فى ديسمبر عام 641م عبر شبه الجزيرة وتمكن عمرو بن العاص من هزيمة الرومان ويعم السلام ربوع سيناء... ولكن يعود الصراع مرة أخرى على أرضها والعبور من خلالها فى معارك الحروب الصليبية وضد زحف التتار. وعقب الحملة الفرنسية على مصر وفشل نابليون بونابرت فى فتح الشام مروراً بسيناء تحولت شبه الجزيرة بعد ذلك إلى منطقة عازلة ما بين مستعمرات العثمانيين فى الشام وباقى الأراضى المصرية. ثم ارتبطت الوقائع العسكرية بعد ذلك فى سيناء عقب حفر قناة السويس عام 1869م لتصبح ميداناً للصراع فى الحرب العالمية الأولى... ومع بدء الحملة التركية عبْر سيناء أيضاً عام 1915م يدور الصراع المسلح على ارضها بين جيوش العثمانيين وجيش الاحتلال البريطانى... ثم كانت حملات اللورد اللنبى ماراً بسيناء فى اتجاه فلسطين ... ثم الحرب العالمية الثانية ومشاركة جيش مصر فى هذه الحرب مع قوات الحلفاء. وفى إطار الصراع العربى / الإسرائيلى ظلت سيناء مهددة بالأطماع الإسرائيلية ومن غيرهم أيضاً... بدءاً بحرب فلسطين عام 1948 ثم حرب العدوان الثلاثى عام 1956 فحرب يونيو 1967, كذلك دارت على ارض سيناء معارك حرب الاستنزاف منذ يونيو 1967 وحتى السادس من اكتوبر عام 1973 عندما نجحت قواتنا المسلحة فى اقتحام قناة السويس والهجوم شرقاً وهزيمة القوات الإسرائيلية التى كانت تحتل أرضنا فى سيناء ثم يعلن الرئيس الراحل محمد انور السادات عن قدسية هذه الأرض أمام الكنيست الإسرائيلى وهو فى مركز القوة خلال زيارته التاريخية للقدس فى 20نوفمبر 1977 فى خطابه الشهير أمامهم حيث قال: إن التراب الوطنى يعتبر لدينا فى منزلة الوادى المقدس طوى الذى كلم فيه المولى سبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه السلام ولا يملك أى منا ولا يقبل أن يتنازل عن شبر واحد منه. هكذا... ظلت سيناء منذ آلاف السنين ميداناً مفتوحاً لكثير من المعارك والمناورات العميقة والدفاع على خطوط إستراتيجية ومركز ثقل... كما انها مازالت فى القلب من العسكرية المصرية من اجل حمايتها.. وتأمينها... وتنميتها. ولعل الفراغ السّكانى والسّكون الشامل لمشروعات التنمية الوطنية العملاقة على ارضها والتى كانت معطلة لعدة قرون ظل مغرياً للمعتدين والطامعين... ثم مرتعاً للإرهابيين وليتحول الصراع فى شبه الجزيرة إلى التصدى لهم وتطهير أرض سيناء من جرائمهم الأمر الذى تداركته القيادة المصرية حالياً للقضاء عليهم فى نفس الوقت الذى تعمل فيه على دفع عجلة التنمية القومية فيها انطلاقا من ارتباط ذلك بالأمن القومى بتنفيذ المشروعات الكبرى على ارضها وربطها بالوادى لتحقيق حلم الذين عبروا وحققوا الانتصار فى حرب أكتوبر ولمن ارتوت رمالها بدمائهم وهم يدافعون عنها من أجل أن تكون سيناء جنة الأجيال الحالية والقادمة وليبقى الإنسان المصرى فيها متماسكاً يزداد قوة وصلابة على مر الزمن بإذن الله. لمزيد من مقالات لواء. أ .ح .م.مسعد الششتاوى