الوطنية للانتخابات: كل من ثبت تقصيره في دوائر المرحلة الأولى لن يشارك في الثانية    الوطنية للانتخابات: إقبال متزايد للمصريين بالخارج على لجان التصويت باليوم الأول لانتخابات النواب    مصر تتوقع استقبال 1.7 مليون سائح ألماني في نهاية 2025    الهند تفتح أبوابها ل 12 مصريا في إطار برنامج التبادل الشبابي بين البلدين    توروب يعلن قائمة الأهلي استعدادًا لمباراة شبيبة القبائل    ماريسكا يعلن مدة غياب كول بالمر بعد إصابته المفاجئة في المنزل    اتحاد جدة يحقق أول انتصار مع كونسيساو في الدوري السعودي    تشكيل أهلي جدة الرسمي أمام القادسية بالدوري السعودي    مصرع 4 عناصر إجرامية في حملة أمنية مكبرة بقنا    كاس وداير أغنية جديدة ل مصطفى حجاج ويطرحها قريبا    حسين فهمي وزوجته يصلان حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي    إقبال جماهيري كبير على حفل روائع عمار الشريعي بتوقيع الموسيقار هاني فرحات    إقبال كثيف وانتظام لافت للجالية المصرية في الأردن بانتخابات النواب 2025    ضبط طفلان تعديا على طلاب ومعلمي مدرسة بالسب من سطح منزل بالإسكندرية    السيدة انتصار السيسى تستقبل قرينة رئيس كوريا بالمتحف الكبير    «المال في مواجهة الطموح».. هل يحسم «طوفان اللافتات» مقاعد البرلمان؟    الاحتلال: شرطيان فلسطينيان يطلقا النار على قوة إسرائيلية    جاسمين طه زكى عن الحب بعد الزواج: لا يختفى بل يصبح أعمق.. ويقاس بالمواقف لا الهدايا    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    إحالة طبيبة النوبتجية وطبيبة الأسنان بمركز «63 متر» للتحقيق    رفع 30 طنا من القمامة والمخلفات والأتربة بمدينة ناصر بحى شرق سوهاج    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    بالصور.. استعدادات حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال46    ميدو عادل: خشيت فى بعض الفترات ألا يظهر جيل جديد من النقاد    كاريكاتير اليوم السابع يحتفى بعيد ميلاد جارة القمر الفنانة فيروز    فعاليات ثقافية وفنية متنوعه احتفالا بأعياد الطفولة بشمال سيناء    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    يسرى جبر: عصمة الأنبياء والملائكة فى مرتبة واحدة والكمال المطلوب فى حقهما واحد    مسار يخسر أمام مازيمبى ويكتفى بالمركز الرابع بدوري أبطال أفريقيا للسيدات    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    طريقة عمل القرنبيط المقلي الكرسبي بتتبيلة مميزة    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    انفوجراف| الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    الحكومة الفرنسية: أطفالنا لن يذهبوا للقتال والموت فى أوكرانيا    الجالية المصرية بإيطاليا تشارك فى المرحلة الثانية بانتخابات مجلس النواب    بعد إحالته للجنايات.. تفاصيل 10 أيام تحقيقات مع المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    فليك: ميسي أفضل لاعب في العقد الأخير.. وتدريبه ليس من اختصاصي    إصابة 3 شباب في حادث مروري بنجع حمادي    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    اليابان تعيد تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم بعد أكثر من عقد على فوكوشيما    دوري أبطال إفريقيا.. محمد الشناوي: جاهزون لمواجهة شبيبة القبائل ونسعى للفوز باللقب    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    قائمة بنوك تتلقى رسوم حج القرعة 2026.. اعرف التفاصيل    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    بورسعيد الأعلى، جدول تأخيرات السكة الحديد اليوم الجمعة    وفاة القمص توماس كازاناكي كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالإسماعيلية    فيديو| ضحايا ودمار هائل في باكستان إثر انفجار بمصنع كيميائي    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر أسلحة ثقيلة وصواريخ على سواحل الكاريبي ردا على تحركات عسكرية أمريكية    مصادر: انتهاء استعدادات الداخلية لتأمين المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية والتنمية... الصين والهند مرة أخرى

الديمقراطية أم التنمية، لمن تكون الأولوية، وأيهما يأتى أولا، وهل الاختيار بينهما هو اختيار بين بدائل أم أنه ترتيب للأولويات، وما العلاقة بين التقدم فى إحداهما والتقدم فى الأخرى؟. أسئلة مهمة يختلف عليها السياسيون والمثقفون وخبراء التنمية. يوحى النقاش الجارى حول هذه الأسئلة بأن الأمر يرجع إلى التفضيلات والاختيارات التى يستقر عليها أهل الرأى والحكام، فيما الحقيقة هى أن الخبرة التاريخية السابقة لكل مجتمع تؤهله للتقدم فى مسار معين دون غيره؛ فالميراث التاريخى لبعض المجتمعات يضعها على طريق تسبق فيه التنمية الديمقراطية، فيما الموروث التاريخى فى مجتمعات أخرى يضعها على طريق تأتى فيه الديمقراطية أولا سابقة على التنمية.
مرة أخرى أدعو لتدارس التجربتين الصينية والهندية، ففى البلدين قصتين للنجاح المبهر، والبلدان يقدمان خبرات ودورسا ثرية ونادرة فى بلدين تطورا فى اتجاهين متعارضين. ورغم الاختلافات بينهما، إلا أن البلدين كليهما يقدمان لدول العالم الثالث خبرة غنية يمكن الاستفادة منها أكثر بكثير مما يمكن الاستفادة من خبرة المجتمعات فى أوروبا الغربية وأمريكا، والتى لا يكاد يجمعها بظروف بلاد العالم الثالث شيء.
الهند هى أكبر ديمقراطية فى العالم، وقد حافظت على نظامها الديمقراطى منذ استقلت عام 1947، وفى المرة الوحيدة التى جرى فيها إعلان حالة الطوارئ فى الهند فى عام 1975 بمعرفة حكومة أنديرا غاندى وحزب المؤتمر، خسر الحزب الانتخابات التالية التى تم إجراؤها بعد عامين، وكانت هذه المرة الأولى التى يخرج فيها حزب المؤتمر من الحكم. بالمقابل، فقد تأسس فى الصين، منذ انتصار الثورة التى قادها الحزب الشيوعى وزعيمه ماو تسي تو نج، نظام حكم مركزى تجمعت فيه السلطات فى يد نخبة الحزب والدولة. لقد كفت الصين عن الالتزام بالنظام الاقتصادى للشيوعية منذ نهاية السبعينيات، وتحولت إلى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، لكن النظام السياسى السلطوى القائم فى الصين مازال على حاله بلا تغيير جوهري، ونجح هذا النظام فى تجاوز أزمة احتجاجات الميدان السماوى فى عام 1989، والتى أسفرت عن مقتل عشرة آلاف من المحتجين، لتدخل الصين بعدها فى أطول وأكبر موجة للنمو الاقتصادى عرفها بلد غير نفطى طوال التاريخ.
لا يمكن فصل التجربة الديمقراطية الناجحة فى الهند، ولا السلطوية التنموية الناجحة فى الصين عن تاريخ البلدين الممتد لعدة آلاف من السنين. فالحضارتان الهندية والصينية من أقدم الحضارات. بينما لم تقم فى الهند طوال تاريخها دولة مركزية تحكم الهند فى حدودها المعروفة لنا الآن، فى حين قامت فى نواحيها المختلفة ممالك محلية عديدة مزدهرة ومتنافسة؛ فإن الصين كانت منذ تشكلها دولة مركزية. ورغم أن الدولة المركزية فى مصر أقدم منها فى الصين بألف عام، فإن الصين هى أقدم دولة مركزية وأقدم حضارة ممتدة منذ تأسيسها وإلى الآن بلا انقطاع. التعددية هى سمة تاريخية موروثة فى الهند، فيما المركزية هى السمة التاريخية الموروثة فى الصين، والأرجح أن هذا الميراث التاريخى كان هو العامل الحاسم فى تقرير طبيعة الدولة والنظام السياسى فى البلدين. غير أن الأمور لا تكون عادة على هذه الدرجة من الوضوح وقت حدوثها، فالتاريخ ليس له لسان ينطق به، والخبرات التاريخية لا تتحدث عن نفسها، ولكنها تحتاج إلى من يفسرها من المثقفين والسياسيين، وهؤلاء يختلفون فى التفسير ويذهبون بشأنه مذاهب شتى فى كل الاتجاهات، ولهذا تشهد المجتمعات جدلا واسعا بشأن المستقبل ومساراته.
الأهم من هذا هو أن الجدل السياسى والنقاش العام فى اللحظات الحاسمة نادرا ما يأخذ شكل المفاضلة بين التنمية والديمقراطية، وإذا راجعنا خبرة بلاد العالم الثالث الكبرى، فنادرا ما سنجد الأمر يطرح بهذا الشكل؛ والمؤكد هو أنه لا الهند ولا الصين عرفتا جدل المفاضلة بين الديمقراطية والتنمية عند المنعطفات التاريخية الحاسمة فى النصف الثانى من الأربعينيات.
فالخبرة التاريخية للمجتمعات تبين أن سؤال السلطة، يتم طرحه أولا قبل طرح سؤال التنمية أو أى سؤال آخر. فالسلطة هى مركز القيادة والحكم فى المجتمع، وفى غيابها لا يوجد أمن أو نظام عام أو تنمية أو ديمقراطية؛ ومن رحم السلطة تولد كل هذه الأشياء. ففى كل مجتمع توجد ادعاءات عدة بشأن السلطة؛ من الأحق بها؛ ومن الأكثر جدارة بتسلمها، وما هى علاقته بالمطالبين الآخرين بالسلطة؛ والطريقة المناسبة لتوزيع السلطة وانتشارها فى المجتمع، ولابد من حسم هذا السؤال أولا قبل الانتقال للنقطة التالية على جدول الأعمال. السلطة مفهوم ينطوى على الإكراه، والسلطة الشرعية تحتكر الحق الشرعى لممارسة الإكراه فى المجتمع. كل سلطة تقوم على مزيج من الإكراه والتوافق، وكلما قلت الحاجة للإكراه وزاد الاعتماد على التوافق تعززت شرعية السلطة، وزادت فاعليتها.
السياسة ظاهرة صراعية، حيث يتصارع بعض المجتمع ضد بعضه الآخر من أجل المزيد من الثروة والمكانة والسلطة. السلطة الفاعلة هى تركيبة السلطة التى تكون عندها صراعات السياسة التى تمزق المجتمع عند أدنى درجاتها، والتى تصل عندها قدرة المجتمع على زيادة وتحسين قدراته ورفاهية أبنائه إلى أقصى درجاتها. السلطة الفاعلة هى السلطة القادرة على خفض الصراعات المجتمعية والسياسية المدمرة إلى الحد الأدنى، وعلى دفع المجتمع للأمام بزيادة موارده وقدراته ورفاهية أبنائه. أما عندما ينتشر العنف وتعم الفوضى فى المجتمع فإننا نكون إزاء مجتمع عاجز عن بناء سلطة شرعية، أو إزاء دولة فاشلة.
المجتمعات تجيب عن سؤال السلطة قبل إجابتها عن أى سؤال آخر. الإجابة عن سؤال السلطة ليست إجابة نظرية مكتوبة فى وثائق وكتب، ولكنها إجابة عملية يتم بمقتضاها تأسيس السلطة وممارستها، وبعدها ينطلق الكتاب والموثقون ليكتبوا نظرياتهم ووثائقهم، فالكتابات والوثائق لا تخلق السلطة، ولكن السلطة تخلق الوثائق، ويأتى بعد هذا الكتاب والمنظرون ليشرحوا ما حدث، إشادة وانتقادا.
لمزيد من مقالات ◀ د. جمال عبد الجواد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.