محافظ القليوبية يعتمد تنسيق القبول بالصف الأول الثانوى العام 2025/ 2026    حزب المصريين: خطاب 3 يوليو نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث    انسحاب برلمانية المصري الديمقراطي من جلسة النواب احتجاجًا على تمرير المادة الثانية من قانون الإيجار القديم    محافظ الفيوم يعتمد درجات تنسيق القبول بالمدارس الثانوية والدبلومات للعام الدراسي 2026/2025    رئيس جامعة دمياط يتفقد معرض مشروعات التخرج بكلية الآداب    مدبولي: الحكومة تسعى للحفاظ على المسار التنازلي للدين من الناتج المحلي    أورام الأقصر تعرض تجربتها كمستشفى خضراء رائدة في الاستدامة الصحية    البورصة تربح 12 مليار جنيه بختام تعاملات اليوم الأربعاء    مقتل 64 شخصا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في باكستان    مدير هيئة تنمية المهارات الفلبينية يستقبل وزير الأوقاف المصري    رئيس الوزراء الصيني يزور القاهرة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية وبناء مستقبل مشترك    وديتان لمنتخب الشباب أمام الأوليمبي الكويتي استعدادا للمونديال    بمشاركة وزارة الرياضة.. انطلاق حملة «مانحي الأمل» في مصر    وزير الخارجية يستقبل وزير الشباب والرياضة ويلتقى بالشباب المشاركين فى نموذج محاكاة مجلس الشيوخ    الزمالك يكشف تفاصيل صفقة أحمد شريف ويتسلم الاستغناء    بعد حادث غرق حفار البحر الأحمر.. برلمانية تطالب باستدعاء وزير البترول للبرلمان    تجديد حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواد البترولية بالقطامية    كشف لغز مقتل فتاه على يد والدتها بمركز أخميم بسوهاج    نصائح لطلاب الثانوية العامة في امتحان الكيمياء    نورهان تقدم حفل ختام أنشطة المهرجان القومي للمسرح بالإسكندرية    نقابة الموسيقيين تنعى المطرب أحمد عامر    الحلم تحول إلى حقيقة.. مواطنون بأسوان يعبرون عن آمالهم في خدمة طبية أفضل بعد بدء تطبيق التأمين الشامل    توصيات المؤتمر السنوي ال53 لقسم طب وجراحة العيون بجامعة عين شمس    لإنقاذ الغرقى.. توزيع هيئة الإشراف والمنقذين على شواطئ مدينة العريش    من الترشح إلى إعلان النتائج.. دليلك الكامل لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    اختتام فعاليات ورشة عمل الممارسات الزراعية الجيدة لمحصول القمح    ندوة أدبية ب«روض الفرج» تحتفي بسيد درويش شاعرًا    استرداد 79 فدان من أراضي أملاك الدولة غير المستوفية لشروط التقنين بأرمنت    عمدة هيروشيما: تصريحات ترامب لا تمت بصلة لواقع القنبلة الذرية    أطعمة تساعد على تحسين جودة النوم    "الزراعة" تستعرض تقريرا حول الجهود البحثية والخدمية والميدانية ل"بحوث الصحراء" خلال يونيو    محافظ الشرقية يتابع أعمال سحب تجمعات مياه الأمطار من شوارع الزقازيق    الجيش الإسرائيلي: القبض على خلية "إرهابية" تديرها إيران في جنوب سوريا    المصرية للاتصالات تنتهي من عمليات الإنزال ومسارات العبور الخاصة بالكابل البحري SEA-ME-WE-6 في مصر    مصدر ليلا كورة: عمر الساعي ينتقل إلى المصري على سبيل الإعارة    تامر حسني: "في عمر وسلمى 4 ليلى زاهر أمي وملك زاهر خالتي"    وزير الإسكان يعقد اجتماعاً لمتابعة الموقف التنفيذي لمشروع حدائق تلال الفسطاط    الإفتاء توضح حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا.. مكروه أم جائز؟    جمال عبدالحميد يهاجم إمام عاشور ويُعلق على رحيل زيزو    ترامب يهدد زهران ممداني بالاعتقال ويشكك في جنسيته.. والأخير يرد: هذا ترهيب سياسي    3 مصابين في حادث تصادم على طريق الإسماعيلية بالسويس    في 13 أسبوع عرض.. إيرادات سيكو سيكو تصل ل188 مليونا و423 ألف جنيه    إعلام الاحتلال عن مصدر: المقترح الجديد لا يتضمن تعهدا واضحا بإنهاء الحرب    تعرف على مكافآت لاعبى الهلال بعد التأهل التاريخى فى مونديال الأندية    عالم سعودي يكشف عن 4 مراتب لصيام عاشوراء: المرتبة الأولى الأفضل    ضوابط منح الترخيص المؤقت للحضانات    مهرجان إعلام 6 أكتوبر للإنتاج الإعلامي يكرم الفنان محمد صبحي    فتح باب التقدم لبرامج التعاون العلمي بين مصر واليابان بمجالات البحث    تحتوي على مواد قابلة للاشتعال.. إزالة مخازن مخالفة تشكل خطراً على المواطنين بالجيزة    رئيس جامعة المنيا يفاجئ مستشفيات الجامعة بعد منتصف الليل للاطمئنان على انتظام العمل    رويترز: الجيش الإيراني أجرى استعدادات لزرع ألغام في مضيق هرمز    آخر ما كتبه المطرب أحمد عامر قبل وفاته بساعتين    كورتوا: من يصدق ما يقال على تويتر عن كأس العالم لا يفهم كرة القدم    وزارة البترول: تفعيل خطة الطوارئ فور انقلاب بارج بحري بخليج السويس    التشكيل الرسمي لمباراة بوروسيا دورتموند ومونتيري في مونديال الأندية    من دعاء النبي.. الدعاء المستحب بعد الوضوء    أمين «البحوث الإسلامية»: الهجرة النبويَّة تأسيسٌ لمجتمع قيمي ينهض على الوعي    هل يحق للزوجة طلب مسكن مستقل لضمان استقرار؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظم السياسية السلطوية فى قاعات الدراسة
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 03 - 2018

لم تكن ظاهرة تصاعد السلطوية تشغل بال الأكاديميين قبل عقد واحد من الزمان، كان الاعتقاد السائد أن النظم الديموقراطية فى تصاعد طردى منذ انهيار الاتحاد السوفيتى وانهيار نظم الحكم العسكرية فى أمريكا اللاتينية، لكن ومع انتهاء العقد الأول من الألفية الجديدة بدأت ظاهرة تصاعد السلطوية تلفت نظر الباحثين بشدة، وبدأت المزيد من الأبحاث توجه إلى دراستها ليست بوصفها هامشا سينهار يوما ما كما كان الاعتقاد الأكاديمى طوال التسعينيات وبداية الألفية ولكن باعتبارها ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل.
لم تقدم الكثير من الجامعات الغربية على تخصيص مواد دراسية لدراسة النظم السياسية السلطوية، رغم أن القليل قد فعل فى مرحلة الدراسات العليا، حتى وقت قريب حين بدأ عدد كبير من أساتذة العلاقات الدولية والنظم السياسية تدريس النظم السلطوية كجزء من مقررات تدريس مرحلة البكالوريوس فى العلوم والنظم السياسية مدفوعين بعدد كبير من الكتب الدراسية oksText Bo التى بدأت تخصيص فصول كاملة عن تلك الظاهرة، ولعل أهم هذه الكتب على الإطلاق كتاب «السياسات المقارنة» الصادر عن دار نشر جامعة أوكسفورد فى أكثر من طبعة آخرها صدرت فى العام 2017 وقام بتحريره أستاذ العلوم السياسية الإيطالى والذى يعمل حاليا فى جامعة زيورخ «دانييل كارامانى» مجمعا كتابات أكثر من 20 أستاذا للنظم السياسية تناولوا جوانب مختلفة للنظم السياسية ومن ضمنها تصاعد السلطويات عالميا.
***
فى الفترة بين 2011 و2014 قمت أيضا بتدريس النظم السياسية المقارنة فى جامعتى القاهرة والأمريكية، ولكن كان جل تركيزى على الظاهرة الديموقراطية الغربية وكنت أسير تدريس النظم الغربية التقليدية (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، وألمانيا)، ولكن ومنذ العام 2015 حينما قدمت إلى جامعة دنفر كأستاذ مساعد زائر فقد بدأت فى رؤية الأمور بشكل مختلف، فقمت بتدريس النظم السياسية المقارنة بالإضافة إلى بعض المواد الدراسية المرتبطة بها كالعلاقات المدنية العسكرية ودراسات المناطق المقارنة (الآسيوية والشرق أوسطية)، بالإضافة لمواد التنمية السياسية والاقتصادية لأكتشف كما اكتشف طلابى عالما جديدا من النظم السياسية ذات المنطق والأولويات والآليات المختلفة.
فى قاعات الدراسة تعلمت مع طلابى (والغالبية العظمى منهم أمريكان ينتمون للطبقات المتوسطة وما فوقها) أن النظم السياسية أكثر تنوعا مما كنت أعتقد! اكتشفت مع طلابى أن هناك على الأقل سبعة أنواع من النظم السياسية تتراوح بين الديموقراطيات الليبرالية والسلطويات الكاملة، اكتشفنا أيضا أن هذه التنويعات السياسية تتغير عبر الزمن فى نفس الدولة.
النوع الأول من هذه النظم هى الديموقراطيات الليبرالية الخالصة، والتى تعتمد على دساتير (عادة مختصرة ولكنها حاسمة) ونظام سياسى حزبى تعددى وعلاقات شديدة التعقيد بين المؤسسات السياسية التشريعية والتنفيذية والبيروقراطية بالإضافة إلى القضائية بحيث أن كلا منها يقدر على تعطيل الآخر بشكل تبادلى مما يسمح بعملية التوازن والرقابة وعملية تدوير كاملة للنخب السياسية بحيث أن القدرة على الصعود إلى النخبة وعملية الخروج منها تتمتع بالسرعة الشديدة. الأمثلة الأوضح لهذا النوع من النظم يوجد مثلا فى الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا.
بينما يأتى النوع الثانى لينتمى اسما إلى النوع الأول (الديموقراطيات الليبرالية) ولكنه يختلف من حيث المضمون فى بعض الملامح، فإما إن هذه التعددية الحزبية مقيدة (واقعيا وليس قانونيا) وبالتالى فعملية تدوير النخب السياسية ضعيفة للغاية (اليابان والهند مثلا)، أو أن الأطر الحزبية شديدة السيولة والتغيير عبر الزمن (فرنسا وكوريا الجنوبية مثلا)، تقترب هذه النظم من النوع الأول من حيث المؤسسات ولكن آليات المناورة السياسية تختلف كليا إما بسبب هذا التقييد أو بسبب هذه السيولة.
أما النوع الثالث من هذه النظم فهو يتشابه مؤسسيا مع النظم الغربية الديموقراطية من حيث وجود دستور وأحزاب سياسية وبرلمان وانتخابات حرة ونزيهة ولكنه يفتقد فى الكثير من الأحيان للبعد الليبرالى السياسى فتوجد بعض (وأحيانا العديد) من القيود على حريات الرأى والتعبير والتنظيم تأثرا بالثقافة السياسية السائدة، كما أن دور المؤسسات الدينية هنا أوضح بكثير من النظامين السابقين. تأتى العديد من الأنظمة المنتمية لشرق ووسط أوروبا بالإضافة إلى أمريكا اللاتينية فى هذا النوع.
النوع الرابع هو ما يسميه البعض النظم الهجينة أى إنها تمتلك الحد المؤسسى الأدنى اللازم لاعتبارها «ديموقراطيات انتخابية» بمعنى وجود آلية انتخابية منتظمة لتبادل السلطة ولكن مع وجود تعددية مقيدة وتدوير بطىء للغاية للنخب السياسية مع ارتفاع معدلات الفقر وسوء توزيع الموارد بالإضافة إلى زيادة المكونات الأمنية والعسكرية فى عملية صنع القرارات السياسية، وتمثل الدول الإفريقية وبعض دول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا التى تحولت إلى الديموقراطية خلال العقود الثلاثة الأخيرة الغالبية العظمى من هذا النوع.
بينما يأتى النوع الخامس ليعبر صراحة عن النظم السلطوية المؤسسية، أى تلك النظم التى تمتلك مؤسسات سياسية كالأحزاب والبرلمانات ولكنها لا تقوم بتدوير السلطة بشكل ديموقراطى إما لوجود حزب واحد فقط يهمين أو يسيطر على السلطة (كحالة الصين أو مصر وسوريا قبل 2011 أو العراق قبل 2003..إلخ) أو لوجود تعددية حزبية وسياسية ولكنها محكومة بنظام ثيوقراطى (دينى) كالحالة الإيرانية. هذه النظم يصفها البعض بالسلطويات التشاركية ويقول عنها البعض الآخر إنها سلطويات رشيدة أو منتجة...إلخ.
ثم يأتى النوع السادس ليمثل السلطويات غير المؤسسية (غير الرشيدة)، أى تلك التى تعتمد على عصبيات وقبليات مسيطرة لا يتم تداول السلطة إلا فى داخلها ولا تمتلك أحزابا سياسية ولا برلمانات منتخبة ولا توجد فيها أدنى درجات المحاسبة أو الشفافية أو المؤسسية. وتمثل دول الخليج العربى نموذجا لهذا النوع.
ثم يأتى النوع الأخير من النظم السياسية ليمثل السلطويات المشخصنة التى لا توجد فيها أدنى درجات المؤسسية ولا تعمل وفقا لأى آلية انتخابية حتى ولو صورية وتستمد شرعيتها بالأساس من الزعامات الفردية وتمثل هذا النوع نظم مثل كوريا الشمالية أو ليبيا وقت القذافى.. إلخ.
***
منذ عامين بالضبط صار نقاش بين أحد طلابى من إحدى الدول العربية الخليجية وبين زميلته الأمريكية حول الديموقراطية فى دول الخليج العربى، بينما انتقدت الطالبة الأمريكية الدول الخليجية لأنها تنتمى إلى السلطويات غير المؤسسية، فإن الطالب الخليجى قد رد عليها بأنه «سعيد» فلماذا يقوم بثورة على نظام سياسى يوفر له الحياة الكريمة؟ ولما تحدثت الطالبة عن انتهاكات تتعرض لها الوفادة العاملة فى بلده، فإنه رد عليها بعشرات الشركات الأمريكية التى تفعل الشىء نفسه مع العمالة الوافدة من دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية! فى هذا الوقت كان انحياز الطلاب واضحا نحو النظم السياسية الديموقراطية (الليبرالية)، وفى فصل دراسى لاحق فقد صار النقاش ذاته بين طالب أمريكى من هونج كونج وآخر من الصين وبنفس الطريقة كان يرى الطالب الصينى أن دولته عظيمة ولا يلزمها اتباع النموذج الغربى لأن تراتبية قيم الأخيرة مختلفة عن الحضارة الصينية، وبنفس الطريقة فقد انحاز معظم الطلاب للنموذج الغربى!
أما الآن وبعد مرور عامين تقريبا على هذه النقاشات فقد صار الجدل مجددا بين طلابى وفى هذه المرة رأيت فروقا واضحة، فقد أجاب تسعة من أصل 30 طالبا حضروا محاضرتى الأسبوع الماضى على سؤال هل تفضل العيش فى بلد ديموقراطى تعيش فيه فى مصاعب اقتصادية على بلد سلطوى تتمتع فيه بحياة كريمة؟ بالنفى، أى إنهم يفضلون العيش فى نظم سلطوية لطالما جعلتهم فى أوضاع معيشية أفضل!
***
صحيح أن الجدل بين طلابى (ومعظمهم بين ال 18 و22 عاما) ما زال يميل لكفة النموذج الديموقراطى الليبرالى الغربى، لكن نسبة الثلث تعبر عن اتجاه جديد يتحدث عن تراتبية الحاجات الإنسانية أولا، فالإنسان يحتاج للأكل والشرب قبل احتياجه للحرية! هذا ما قاله ثلث الطلاب داخل القاعات الدراسية وهذا ما فعلته بأشكال متنوعة النظم السلطوية منذ انهيار الاتحاد السوفيتى، فيما تخلت عنه النظم الليبرالية الديموقراطية تدريجيا فى نفس الفترة الزمنية، فما هى الأسس الاقتصادية والأخلاقية والسياسية التى اعتمدت عليها النظم السلطوية فى صعودها أخيرا؟ هذا ما أحاول الإجابة عليه فى مقالة قادمة.
الاقتباس
فى قاعات الدراسة تعلمت مع طلابى (والغالبية العظمى منهم أمريكان ينتمون للطبقات المتوسطة وما فوقها) أن النظم السياسية أكثر تنوعا مما كنت أعتقد! اكتشفت مع طلابى أن هناك على الأقل سبعة أنواع من النظم السياسية تتراوح بين الديموقراطيات الليبرالية والسلطويات الكاملة، اكتشفنا أيضا أن هذه التنويعات السياسية تتغير عبر الزمن فى نفس الدولة
مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة وأستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.