تعد العلاقة التى تجمع القاهرةبباريس من أهم العلاقات التى تربط فرنسا بغيرها من دول الشرق الأوسط، فقد وصلت إلى حد الشراكات الإستراتيجية فى أغلب المجالات خلال السنوات القليلة الماضية، لتعتبر بذلك نموذجاً يحتذى به. وشهدت هذه العلاقات نقلة نوعية فى الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية المتبادلة، وتوجت بزيارة للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لمصر مطلع العام الجاري، وهى الزيارة التى أتت فى ظل ظروف داخلية مضطربة فى فرنسا، اضطر فيها ماكرون إلى إلغاء العديد من زياراته الخارجية لعدد من الدول الأخرى، لكنه أصر على زيارة مصر، الأمر الذى يؤكد مكانة مصر الاستراتيجية فى المنطقة العربية وإفريقيا. وانطلاقاً من تلك العلاقات المتميزة، جاءت زيارة الوفد الصحفى المصرى لباريس بدعوة من السفارة الفرنسية للتعرف على سياسة فرنسا تجاه القارة الإفريقية، والاطلاع على مستجدات الوضع الداخلى، بالإضافة إلى بحث الموضوعات المطروحة على جدول أعمال قمة الدول السبع الكبار التى تترأسها فرنسا هذا العام، لتؤكد من خلال حديث المسئولين السياسيين والعسكريين الذين التقتهم «الأهرام» الأهمية الكبرى التى توليها فرنسا لمصر والقارة الإفريقية. فبحسب مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى، تعتزم فرنسا خلال رئاستها الحالية لقمة دول السبع الكبرى انتهاج سياسة الشراكات التكاملية مع عدد من الدول فى القارة الإفريقية ومنها القاهرة، حيث حدد الجانب الفرنسى عدداً من الموضوعات الرئيسية للقمة من بينها المساواة بين الرجل والمرأة، وهى قضية يوليها الرئيس الفرنسى أهمية خاصة، وأن فرنسا تعول خلال رئاستها على إحراز تقدم فيها، حيث ستطالب فرنسا بإنشاء صندوق حماية دولى للمرأة المتضررة من النزاعات فى العالم، كما ستعمل على وصول المرأة إلى سوق العمل وتشجعيها على ريادة الأعمال وتأسيس الشركات، وهى قضية يهتم بها الرئيس الفرنسى كثيرا. كما ستناقش القمة موضوعات متعددة مثل توسع الاقتصاد الرقمى الذى سمح لعشرات الملايين من الناس بإيجاد فرص عمل، وربما قلص من الفجوة الاقتصادية بين بقاع العالم، لكنه، حسبما يرى دبلوماسى فرنسى، عمق من الهوة المجتمعية فى كل بلد، وذلك إلى جانب قضية مكافحة الفساد والغش الضريبى. كما ستعمل الرئاسة الفرنسية على إعادة تعبئة موارد الصندوق العالمى لمكافحة أمراض الإيدز والسل والملاريا وضمان وصول المنظومة الصحية إلى هذه الأوبئة الخطيرة بشكل منتظم، وهو الأمر الذى سينظم له اجتماع كبير فى أكتوبر المقبل فى مدينة «ليون» لحشد الأموال لمكافحة الأوبئة. كما يرغب الرئيس ماكرون من خلال رئاسته القمة فى أن توقع الدول على ميثاق يتعلق بالإعلام والديمقراطية، يكون فيه الإعلام ملكية عامة، تتم حمايته من الدول، لأنه حسب رأى الدبلوماسى الفرنسى لا يمكن إيجاد حرية إعلام إذا لم تكن هناك معلومات تتمتع بالتوثيق اللازم، بالإضافة إلى سعى ماكرون للتوصل إلى اتفاق مع مجموعة gafa التى تضم عمالقة شركات التواصل الاجتماعى وتكنولوجيا المعلومات لوضع ضوابط أمام نشر المضامين المتعلقة بالإرهاب والتلاعب لنشر الأخبار الكاذبة، كما يرغب بتشجيع من مجموعة السبع فى إنشاء مجموعة خبراء فى أخلاقيات الذكاء الصناعي. ومع إن قضايا قمة السبع القادمة تبدو فى مجملها سياسية واجتماعية واقتصادية من الدرجة الأولى، فإنه من المعتاد فى اجتماعات «الكبار» الحديث عن الأوضاع الأمنية المضطربة فى العالم. وفى واقع الأمر، فإن لفرنسا نصيبا كبيرا من الوجود العسكرى فى إفريقيا لإعادة الاستقرار للقارة خاصة فى منطقة الساحل والصحراء، وهو ما يفسر أن القمة التى ستعقد فى منتجع بياريتس الساحلى فى فرنسا فى أغسطس ستشهد مشاركة دول أخرى لإيجاد تحالفات وشراكات جديدة، حيث تمت دعوة كل من بوركينافاسو التى ترأس مجموعة الدول الخمس، والسنغال بصفتها رئيس مجموعة النيباد، فضلاً عن دعوة الترويكا الإفريقية: مصر وجنوب إفريقيا ورواندا، لمناقشة موضوعات عديدة من بينها التنمية الاقتصادية والعمل والتدريب والتأهيل وكل ما يتعلق بربط القارة الإفريقية بشبكة الإنترنت وتحسين ظروف المرأة خاصة فى التعليم والاستقلالية المالية لها، لتؤكد بذلك مجموعة السبع أنها منفتحة على الوصول إلى تحالفات جديدة بهدف الوصول لحلول ملموسة. وكما حدد مصدر عسكرى رفيع المستوى «للأهرام»، فإن الجيش الفرنسى حالياً لديه نحو 30 ألف جندى يشاركون فى عمليات خارجية، لكن الحضور الدائم للقوات الفرنسية فى الدول الإفريقية، فالقوات المتمركزة فى السنغال يبلغ قوامها 350 جنديا من القوات البرية، ويوجد فى كوت ديفوار 900 من القوات البرية ومروحيات، ويوجد فى جيبوتى والجابون 1450 من مختلف أفرع القوات المسلحة بما فيها سلاح الجو والبحرية، وهى قوات موجودة بموافقة حكومات البلدان، وتتولى تدريب القوات الوطنية هناك، كما تشارك القوات فى عملية «باركان» فى مالي، إحدى أكبر العمليات العسكرية التى تقوم بها القوات الفرنسية خارج أراضيها منذ 2014، وقد أتت لتحل محل عملية «سرفال» والتى بدأت فى يناير 2013، بغية عدم تمكين المجموعات الارهابية من إيجاد ملاذ آمن لهم، وهو ما يختلف عن عملية «سرفال» التى كانت محددة فى نطاقها الجغرافي، بالإضافة لتقديم الإسناد والدعم للقوات الوطنية لهذه البلدان، وتعزيز التنسيق بين مختلف القوات الدولية الموجودة ومن بينها بعثة الأممالمتحدة لحفظ السلام. وردا على سؤال ل «الأهرام» عن الوجود العسكرى الفرنسى فى سورياوالعراق، واستراتيجيتهم فى هذا الخصوص، أشار المصدر العسكرى إلى أنهم يرتكزون على «الكتاب الأبيض للدفاع والأمن»، وهو ما يحدد مناطق اهتمام فرنسا، وتم تحديثه بعد وصول الرئيس ماكرون للسلطة، لكنه أشار إلى أن بلاده ليست لديها الوسائل العسكرية الكافية للتدخل فى كل العالم، وإنما استراتيجيتها تكوين شراكات مع الدول الأخرى بغية تثبيت الأمن والاستقرار، موضحاً أن بلاده تشارك ضمن التحالف الدولى فى العراقوسوريا.