لم يفاجئنى فوز الفيلم المصرى «رمسيس راح فين؟» للمخرج عمرو بيومى، بجائزة أفضل فيلم تسجيلى طويل فى الدورة الحادية والعشرين لمهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة؛ فالفيلم يحقق ببساطة المعادلة النموذجية لخلق فيلم تسجيلى يجمع بين الذاتى والجمعى والتوثيقى التاريخى دون أن تشعر بأى تنافر بين أقطاب الفيلم المتعددة. .................................... فيلم «رمسيس راح فين؟» يربط بين نقل تمثال الملك الفرعونى رمسيس الثانى من ميدانه الشهير إلى مقر المتحف المصرى الكبير بالجيزة والحياة الشخصية لمخرج الفيلم وكاتبه عمرو بيومى الذى نشأ فى ميدان قريب من ميدان رمسيس وهو ميدان السكاكينى، ويعرض عبر العديد من الوثائق تاريخ التمثال وتاريخ صاحبه والميدان الذى حمل اسمه وسبب النقل المعلن والخفى، وعارجا فى الوقت نفسه على تاريخ مصر بشكل عام منذ ثورة 1919 وحتى ما بعد ثورة 25 يناير 2011، فى تناغم شديد بين رحلتى البطلين رمسيس الثانى وعمرو بيومى نفسه، وهو ما يدفعنى للقول إن هذا الفيلم أفضل وأنضج تجارب عمرو بيومى سواء الروائية والتسجيلية. وكما استحق «رمسيس راح فين؟» جائزته استحق كذلك فيلم «تأتون من بعيد»، للمخرجة المصرية أمل رمسيس جائزتى النقاد (الفيبريسي) والاتحاد الأفريقى كأفضل فيلم تسجيلى طويل، بجانب الاستقبال الجيد من جمهور الحضور، فهو يقدم فى 84 دقيقة رحلة أخرى على مستوى عال من الشاعرية والإنسانية، مستندا على جناحين قويين هما الرؤية الواضحة للمخرجة فى تناولها لقصة الأشقاء الثلاثة الذين كتب عليهم الشتات، والجهد البحثى التوثيقى الكبير لأسباب وتفاصيل تلك الرحلة عبر العديد من الدول؛ من فلسطين إلى أسبانيا ومن لبنان إلى روسيا، فلم نخرج من الفيلم فقط بكم كبير من المشاعر المتعاطفة مع هؤلاء الأشقاء، بل وبمعلومات ومواد فيلمية مهمة جدا عن تاريخ الصراعات فى العالم فى القرن العشرين، من الحرب الأهلية فى أسبانيا إلى الحرب الأهلية فى لبنان مرورا بالحرب العالمية الثانية ونكبة فلسطين، وكلها تم تضمينها فى الفيلم الإنسانى بسلاسة شديدة ودون أن نشعر بأى إقحام من مخرجة الفيلم لهذه المعلومات على حساب الموضوع الأصلى. الفيلمان يستحقان بالتأكيد مقالين منفصلين عنهما، ولكن يهمنا فى هذا المجال أنهما يؤكدان وجود سينما تسجيلية مصرية على أعلى مستوى، ينقصها فقط أن تصل إلى الجمهور لا أن تظل حبيسة المهرجانات السينمائية المتخصصة مهما زاد عدد هذه المهرجانات التى يستطيع كل فيلم الوصول إليها، ففى النهاية لا يراها إلا عدد محدود من المهتمين بالسينما حول العالم. فيلم مصرى ثالث يجب الإشارة إليه كذلك لفوزه بجائزة لجنة التحكيم فى مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة وهو فيلم «الجحيم الأبيض» من تصوير وإخراج أحمد عاصم محمد، ومحمود خالد السيد، وعمر أشرف شاش، وهو عن عمال محاجر المنيا والصعوبات التى تواجههم فى حياتهم. ولم يتميز الفيلم فقط بموضوعه الإنسانى وإنما بمشاهده التى كانت تشبه اللوحات الفنية، حيث تم تصميم كل كادر منه وكأنه لوحة فنية منفصلة، فخرج باهرا فى صورته التى وضعتنا فى قلب الحالة الصعبة التى يعيشها العاملون فى هذه المحاجر. بقية الجوائز كانت منطقية إلى حد كبير وذهبت إلى أفلام متميزة، حيث فاز بجائزة أفلام الطلبة فيلم «غراب البين» من إخراج أحمد دحروج، كأفضل فيلم روائى قصير، ونظرا لتميز الأفلام التسجيلية قررت اللجنة منح جائزتين لفيلمين هما «ذاكرة النسيان» لدنيا سلام، و«سابع سما» لكريستين حنا. أما فى مسابقة أفلام التحريك فذهبت جائزة لجنة التحكيم إلى الفيلم البولندى «Tango of Longing»، وفاز فيلم «Kids» من سويسرا بجائزة أفضل فيلم. بينما فى مسابقة الأفلام الروائية القصيرة منحت لجنة التحكيم تنويها خاصا للفيلم الفلبينى «A Country in moving pictures»، وذهبت جائزة لجنة التحكيم لفيلم «Fish Monologue» وهو إنتاج هندى بنغالى مشترك، أما جائزة أفضل فيلم فكانت لفيلم «Arcangel». فى مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة ذهب تنويه خاص لفيلم «شارع هادئ» من إخراج أليكساندرا ماركافا وهو من بيلاروسيا، وذهبت جائزة لجنة التحكيم كما نوهنا إلى فيلم «الجحيم الأبيض»، بينما فاز بجائزة أفضل فيلم تسجيلى قصير «Faraway» من قيرغستان. وفى مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة ذهب تنويه خاص لفيلم «مايكل ودانييل» وهو إنتاج أوكرانى أمريكى تشيكى. وفاز بجائزة لجنة التحكيم فيلم «النسمة الزرقاء» وهو إنتاج برتغالى فنلندى فرنسى. بينما فاز فيلمنا المصرى «رمسيس راح فين؟» بجائزة أفضل فيلم كما تم التنويه لذلك. وبعيدا عن الجوائز جاءت الدورة 21 للمهرجان تتويجا لمسيرة ناجحة تم خلالها تنظيم 20 دورة سابقة عبر حوالى 28 عاما، وبالتحديد منذ الدورة الأولى فى العام 1991، ولكن هذه الدورة الأخيرة أثبتت أن المهرجان الذى ينظمه المركز القومى للسينما برئاسة الدكتور خالد عبدالجليل مستشار وزير الثقافة لشئون السينما، وصل بالفعل لسن النضج خصوصا مع الاستقرار الذى يشهده باستمرار الناقد السينمائى عصام زكريا رئيسا له، وسط دعم كبير من وزارة الثقافة وعلى رأسها الوزيرة الفنانة إيناس عبدالدايم، فكانت الأخطاء والمشاكل التنظيمية محدودة جدا ولم تؤثر على انتظام برنامج الدورة كما كان مخططا له باستثناءات قليلة.