«رويترز» و «أسوشييتدبرس» و«بي.بي.سي» و«الجزيرة».. أربع حجرات فى شقة واحدة تؤدى الغرض نفسه، وتستخدم المفردات ذاتها، وتتقوض مصداقيتها «فى نفس واحد»! هذا ما أظهرته التغطية الصحفية التى قدمتها هذه الوسائل الإعلامية عن الشأن المصرى طوال السنوات الماضية. ولكن، أن يكون الأمر مكشوفا إلى درجة أن ما يقال هنا يتكرر هناك بالحرف الواحد تقريبا، وبنفس المصادر، وغالبا فى اليوم نفسه، فهذا ما لا يمكن تصديقه ولا قبوله ولا فهمه. فقد انفردت وكالة «رويترز» للأنباء ببث تقرير يتضمن ترويجا صريحا لمزاعم جماعة الإخوان الإرهابية حول تعمد الشرطة المصرية تصفية «المشتبه فيهم» دون محاكمة، عبر افتعالها اشتباكات لهم مع قوات الأمن بعد القبض عليهم باعتبارهم من الإرهابيين، بحسب توصيف الوكالة. واستندت الوكالة فى تقريرها المشبوه إلى مصادر قضائية وحقوقية وخبراء جنائيين جميعهم «مجهولون»، فضلا عن اعترافها بعدم قدرتها على التيقن من صحة أقوال هؤلاء، دون أى إشارة من جانب الوكالة إلى سابق ثبوت كذب هذه الاتهامات، بخاصة فى ضوء تكرار ادعاءات جماعات حقوقية نقلا عن أسر الإرهابيين بشأن اختفاء أبنائهم قسريا على أيدى الشرطة، ثم الزعم لاحقا بأنهم أبرياء تم قتلهم بواسطة الشرطة عقب إلقاء القبض عليهم وتعذيبهم، فى تناقض غريب لا علاقة له لا بالمهنية الإعلامية، ولا النشاط الحقوقي! والمعروف أنه تبين أن بعضا من هؤلاء المختفين غادروا الأراضى المصرية فى أوقات سابقة من أجل الانضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية فى سوريا والعراق وليبيا. وظهر واضحا أن وكالة «رويترز» تتبادل الأدوار مع شبكة «بي.بي.سي» فى الافتراء على مصر وشعبها لحساب ترويج أكاذيب الإرهابيين، فى محاولة مكشوفة للتشويش على الصعود الملموس لدور القيادة المصرية إقليميا ودوليا فى الآونة الأخيرة، مع استمرار ثبوت فشل المشروع الإرهابى للإخوان. ظهر ذلك فى التقرير الذى بثته «رويترز» بتاريخ 5 أبريل 2019 بعنوان «قوات الأمن فى مصر تقتل مئات المشتبه فيهم فى اشتباكات مشكوك فيها»، والذى تضمن روايات على لسان أسرة «محمد أبوعامر» المتخصص فى تصميم الحدائق إنه كان يعمل فى وسط القاهرة عندما احتجزه ضابط فى الأمن الوطنى لمدة ستة أشهر، وظلت الأسرة تنتظر أخبارا عنه إلى أن أعلنت وزارة الداخلية عبر الفيسبوك لاحقا أن عامر كان أحد خمسة إرهابيين لقوا مصرعهم فى اشتباك وقع فى وقت سابق من ذلك اليوم عندما اقترب أفراد الشرطة من مخبأهم على مسافة 40 كيلومترا شمال القاهرة، وقالت أسرته إنها لم تصدق هذه الرواية، لأنه لم يكن إرهابيا، ولكنه مات وهو فى أيدى أجهزة الدولة، ولم يمت فى اشتباك بالرصاص. وفى السياق نفسه، وبعد أن استعرضت رويترز عدة شهادات من شهود وحقوقيين ومصادر غير جديرة بالثقة بكل تأكيد، نقلت الوكالة أيضا عن كيت فينيسوارن المستشارة القانونية لما يسمى ب «برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» فى اللجنة الدولية للحقوقيين قولها إن حوادث القتل التى سردتها الوكالة «إعدام خارج نطاق القانون، وجريمة خطيرة بموجب القانون الدولي». كما عرضت «رويترز» عدة تصريحات لمسئولين دوليين بهدف التشكيك فى روايات وزارة الداخلية حول هذه الواقعة وغيرها، وكأن رويترز تصر على صناعة «دولة موازية» تضم خبراء قضائيين وخبراء أمنيين، بل وأطباء شرعيين أيضا، مع التجاهل التام لروايات الشرطة أو الحكومة المصرية. وبالتزامن مع بث تقرير رويترز، ذكرت وكالة «أسوشييتدبرس» للأنباء يوم 4 أبريل 2019 تحت عنوان «منظمة حقوقية دولية تعلن اختفاء خمسة مصريين بعد ترحيلهم لوطنهم»، حول إعراب منظمة «هيومان رايتس ووتش» عن قلقها إزاء اختفاء خمسة مصريين تم ترحيلهم مؤخرا إلى القاهرة، أربعة من ماليزيا، وواحد من تركيا، زاعمة أنهم جميعا يتعرضون لتعذيب شديد، نقلا عن مصدر واحد فقط هو مايكل بيج مدير شئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة نفسها. إذن، الخطة واحدة، والتنفيذ يتم بشكل جماعى منسق، وفى توقيت محدد، والأدوات واحدة، ولا تتغير. «رويترز» تبث، و«بي,.بي.سي» تعيد البث، وأسوشييتدبرس تبث واقعة أخرى فى الإطار نفسه، ومعهم «الجزيرة»، وهكذا. والذى لا تعرفه هذه الوسائل الإعلامية أنها كلما نشرت تقارير ضعيفة غير متزنة، ونقلا عن مصادر من جانب واحد، أو مصادر مجهولة، أو لا يعتد بها، تراجعت مصداقيتها، وانهار احترام الجمهور لها. وهذا ما حدث بالفعل.