ضاع وطنه، وخربت بلاده، وتهدم منزله، وتشردت أسرته، وتبعثرت كرامته، ومد يديه «للى يسوى واللى ما يسواش»، وجلس على شاشة الكمبيوتر فى دولة أوروبية لجأ إليها، أو ربما فى مصر نفسها، ووضع ساقا على ساق، وتمطع، ومصمص شفتيه، وأخذ يطبل ويزمر للمتظاهرين فى السودان تارة، والمحتجين فى الجزائر تارة أخرى، ويطالبهم بعدم ترك الشوارع والميادين حتى سقوط النظام، وكتب على فيسبوك وتويتر بثقة تامة عبارة واحدة: «لا للنموذج المصري»! والله .. لا أصدق عينيّ!! هل يمكن أن يكون هؤلاء حقا معجبين بالنموذج اليمني، أو منبهرين بالنموذج السوري، أو مشدوهين إلى النموذج الليبي؟! طيب، حتى لو افترضنا ذلك، ألم يحاول أحد أن يتيقن أولا مما إذا كان أصحاب النموذج المصرى أنفسهم سعداء به أم تعساء الآن، ولو حتى من باب الأمانة العلمية؟! هل هو مرض الكذب القهرى الذى يكون الفرد فيه مدركا بأنه يكذب، ومقتنعا بأن الكذب أفضل وسيلة أمامه للهروب من الحقيقة؟! هل هؤلاء فى حاجة إلى دروس لشرح «النموذج المصري» الذى لا يعرفونه، ولن يشموا رائحته؟ .. نبدأ من الأول: النموذج المصرى يعنى أن تشعر بالفخر لمجرد أنك تنتمى لكيان اسمه «مصر». النموذج المصرى يعنى أن تحمل جنسية الدولة الوحيدة على وجه الأرض التى تستطيع أن تقول بملء الفم إنها «أم الدنيا»، وبالأدلة الدامغة. النموذج المصرى يعنى ديمقراطية مطوعة لخدمة الوطن، وليست ديمقراطية بلهاء تلقى بنا فى الحضيض! النموذج المصرى يعنى أن تخرج من بيتك آمنا مطمئنا، لا تخشى أن تصيبك طلقة أو قذيفة أو يوقفك مسلحون يقتلونك «على الهوية». النموذج المصرى يعنى أن تكون المواطن الوحيد فى العالم الذى يسافر إلى الخارج بحثا عن حياة أفضل، وعندما يسافر ويغترب، يبكى ألما! النموذج المصرى يعنى أن يكون لجيشك خاتم جودة لا يتشرف به أى جيش آخر فى العالم، وهو أن جنوده «خير أجناد الأرض». النموذج المصرى يعنى أن يكون جيشك قويا محترما شريفا نزيها لا ينهزم، ولا يبيع، ولا يباع، ولا يفرط، فى زمن عز فيه الشرف وغابت فيه النزاهة، وكثرت فيه الخيانة والبيع، واكتست فيه العمالة والوضاعة بأثواب النضال تارة والثورة تارة أخرى ودعاوى التحرر والمدنية تارة ثالثة!ّ النموذج المصرى يعنى جيشا ينقذ الأوطان، ويحارب الإرهاب، ويبنى الجسور، ويحفر الأنفاق، ويحارب الفساد، ويساعد فى حل أزمات الغذاء والسكن، ويتحمل أبناؤه من التطاول والتجنى والتدنى ما لا يطيقه بشر. النموذج المصرى يعنى رئيسا يرفع رأسك بحق فى جميع المحافل الدولية، ولا يحنى هامته سوى لتقبيل محتاج أو رأس أم مثالية أو يد ابن شهيد. النموذج المصرى يعنى رئيسا يقول عنه رئيس أكبر دولة فى العالم إنه يشعر بالفخر لمجرد أنه التقاه. النموذج المصرى يعنى تحول مواقف دول كبرى 360 درجة من حالة عدم اعتراف كامل إلى حالة تضامن وتأييد ومساندة، ثم إعجاب وانبهار، وتقليد أيضا! النموذج المصرى يعنى رئاسة متميزة لشئون إفريقيا، ووجود دائم ومؤثر وفعال فى تجمعات إقليمية وعربية ودولية لا حصر لها. النموذج المصرى يعنى دولة تعرف متى تقول نعم، ومتى تقول لا، لا ترتمى فى أحضان أحد، ولا تتحالف مع أحد أو تتآمر ضد أحد، ولا تتسول شرقا ولا غربا، ولا تسعى إلا إلى مصالحها. النموذج المصرى يعنى دولة تتخذ قراراتها من الاتحادية أو من مقر مجلس النواب أو من أى مكان آخر داخل مصر، وليس من البيت الأبيض ولا من السى آى إيه ولا من إم آى 6 ولا من الفيسبوك ولا من مؤتمرات سلام ومانحين فى جنيف وستوكهولم ومدريد وخلافه. التجربة المصرية تعنى اقتصادا ينهض ويتحدي، دون أن يحدد مصيره صعودا وهبوطا هذا أو ذاك، فى الدوحة أو اسطنبول أو نيويورك، أو غيرها. النموذج المصرى يعنى دولة تعمل فى صمت، فتصلح اقتصادها، وتطور تعليمها، وتعالج مواطنيها، وتعالج مشكلاتها المتجذرة، ولا تخشى فى ذلك لومة لائم أو فاسد أو «تنبل»! النموذج المصرى يعنى اقتصادا يتحول من الانهيار والإفلاس إلى إصلاح واكتشاف ثروات وجذب استثمارات وتسديد ديون وارتفاع احتياطى نقدى أجنبي. النموذج المصرى يعنى تطوير تعليم وصحة وسكة حديد وعلاج أجانب بالمجان واستضافة خمسة ملايين لاجيء ووقف تصدير لاجئين للخارج. نصيحة.. اصنعوا أنتم تجاربكم ونماذجكم، وطبلوا وزمروا لها كما تريدون، فالأيام وحدها كفيلة بتقييم كل شيء، ولكن، اتركوا لنا نموذجنا.. ألف مليون بعد الشر عليكم منه! لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل