بدأ التحرك العسكرى للجيش الوطنى الليبى لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات والجماعات الإرهابية رغم وجود المجلس الرئاسى بها، وأعقبه تفجر الموقف السودانى المحتقن وإزاحة الرئيس البشير عن السلطة، وتولى المجلس العسكرى الانتقالى مقاليد الدولة مؤقتا..كان ذلك تهديدا وتحديا للأمن القومى لتلك الدول العربية بشكل مباشر، ودول الجوار ومنها مصر بشكل خاص، ثم الإقليم العربى بشكل عام، فهو تهديد فى ليبيا وتطور وتحد فى السودان.. أولا: السودان: حيث تمت إزاحة البشير عن الحكم، وتولى مجلس عسكرى انتقالى لمدة عامين، ولعل الموقف يعكس التركيز على الجوار السودانى ويعنى بذلك بالدرجة الأولى كلا من مصر وجنوب السودان، وبدرجة اخرى كلا من إريتريا وإثيوبيا، وهنا فإن منطقة الحدود المشتركة السودانية المصرية الليبية، قد تكون وجهة لبعض الارهابيين فى ليبيا تحت ضغط قوات حفتر كملاذ ولو مؤقتا، او معبر الى جنوب مصر. ويعتبر الجوار الآخر المهم هو جنوب السودان، الذى اقتطع من الوطن الأم خلال رئاسة البشير التى امتدت لثلاثين عاما منذ1989 حيث خسر السودان العمق العربى داخل إفريقيا، وكذلك الثروة البترولية واهم روافد النيل الابيض من الهضبة الإستوائية، رغم أن مشكلة جنوب السودان بدأت منذ حكم الرئيس الاسبق النميرى، إلا أن البشير كان لديه متسع من الوقت لمعالجة المشكلة بطرق اخرى تنسجم مع المجتمع الدولى وتمنع الانفصال، الذى ترتب عليه صراع عسكرى بين الشطرين، بالاضافة الى مشكلة دارفور غربا وإريتريا شرقا ليتشتت الوطن والجيش السودانى. بالإضافة الى التوجه الإقليمى الخاطىء سواء تجاه إيران والذى جذب رد الفعل الإسرائيلى الجوى ضد بور سودان ومصنع اليرموك قرب العاصمة السودانية، أو سواء تركيا وتابعتها قطر اللتين تنظران بعين الخسارة لحليف رحل كان ينتظر منه الكثير لدعم الإسلام السياسى وتطور وضع قدم تركية فى جزيرة سواكن على البحر الاحمر تحت ستار ثقافى عثمانى مشترك، يمكن ان يتطور الى قاعدة عسكرية تركية على مقربة من جنوب مصر والسعودية، لتكون حلقة فى سلسلة الحزام الإستراتيجى العسكرى التركى من( شمال العراق- قطر- سواكن- الصومال), وبالتالى يجب كسر تلك الحلقة فى السودان الجديد ليعود الى المكانة التى يستحقها عربيا ودوليا، وليشكل مع مصر القوية قوة وادى النيل وتجمع البحر الأحمر. ثانيا: ليبيا: شهدت الايام الاخيرة وبشكل مفاجىء تطورا حادا فى الموقف، حيث أعلن قائد الجيش الوطنى الليبى حفتر أنه آن الأوان لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات الإرهابية خاصة القاعدة وداعش، سواء الموجودون او القادمون من سورياوالعراق عبر تركيا جوا وبحرا وبتمويل قطرى. وتمت الحملة العسكرية لمسافة اكثرمن 1000 كم عبر الصحراء لتفادى الطريق الساحلى، وتم الاستيلاء على مدينة القطرون دون مقاومة بل بكل ترحيب، لتكون مفتاح الجنوب الى طرابلس لتطويقها من الجنوب والغرب لقطع الاتصال وحركة الإرهابيين من والى تونس القريبة، حيث تم الاستيلاء على المطار الدولى القديم، ودارت معارك شرسة بعد وصول دعم من مدينتى مصراتة والزاوية، كما اشتركت بعض طائرات قتال تابعة للمجلس الرئاسى ضد قوات حفتر، إلا ان الأخير أنذر بمنع تحليق اى طائرات قتال وإلا سيضطر لإسقاطها. وتتلخص الازمة الليبية فى ازدواجية السلطات بين الشرق بقيادة حفتر والغرب بقيادة السراج، فى المجالات العسكرية والبرلمانية والحكومية، وهو ما حاولت مصر لم شمله بدءا بالتوحد الامنى لاكثر من ست جلسات بالقاهرة..ويستند مجلس رئاسى السراج على اتفاق الصخيرات واعتراف الأممالمتحدة، بينما يراه حفتر انه مجلس رئاسى (لجمهورية طرابلس) فقط، دون اى بادرة لإيقاف تمدد الاسلام السياسى المحلى او القادم من تونسوتركيا، أو محاربة الارهابيين عدا ما تم ضد سرت فى اكتوبر 2017 بمعاونة جوية أمريكية، قتل فيها القليل وفر منها الكثير إلى ربوع ليبيا وخاصة الجنوب، ليتوحدوا مع القادمين من سورياوالعراق عبر تركيا كما أسلفنا، بالاضافة الى الفارين من الجنوب عبر مالى والنيجر وتشاد من الطوارق والتبو.. وهو ما تكفل به حفتر فى الشرق ثم الجنوب وأخيرا استهداف طرابلس. وبعد تدخل مجلس الامن لوقف القتال، يريد كل طرف أن تكون لديه اوراق ضغط خلال المفاوضات المتوقعة، والمنتظر ان تبدأ ولكن بعد فترة توتر وإحجام، وستستمر مصر فى دورها لتقريب وجهات النظر لتحقيق التوحد الليبى ولصالح الامن القومى المصرى الليبى. ثالثا: الجزائر: هى احدى اكبر وأقوى الدول العربية اقتصاديا وعسكريا، وان استهدافها بعد كل من العراقوسوريا يعد تهديدا للأمن القومى العربى، ويبدو أنها على طريق التصاعد السودانى ورفع سقف المطالب، حتى بعد عدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وان تفجر الموقف بالجزائر قد يكون عاصفا. إذن هى مرحلة دقيقة وفارقة فى الامن القومى الوطنى (المصرى- السودانى- الليبى- الجزائرى ) وتحديا وتهديدا فى إطار الامن القومى العربى الشامل. لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. محمد عبد الخالق قشقوش