تعرف على كيفية ضبط ساعتك على الوقيت الصيفي    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    التحالف يتصدى لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون    هل يبيع الزمالك زيزو لحل أزمة إيقاف القيد؟.. عضو الأبيض يكشف التفاصيل    مواعيد أهم مباريات اليوم الخميس 25- 4- 2024 في جميع البطولات    حالة الطقس غدًا.. أمطار رعدية ونشاط الرياح المثيرة للرمال والأتربة    تغير مفاجئ في حالة الطقس.. «الأرصاد» توضح سبب انخفاض درجات الحرارة    رحلة عطاء فنية| الاحتفاء بالفنان الراحل أشرف عبد الغفور بالمسرح القومي    فريد زهران: «رقمنة» دار الكتب الحل الجذري لاستيعاب زيادة عدد الناشرين    وفاء وايتن عامر في حفل زفاف ابنة بدرية طلبة    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    الاحتلال يعتقل فلسطينيًا من بيت فوريك ويقتحم بيت دجن    الهلال الأحمر يوضح خطوات استقبال طائرات المساعدات لغزة - فيديو    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    ثلاثة منتجات توابل مستوردة من الهند تسبب السرطان.. ما القصة؟    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    لبنان.. طيران إسرائيل الحربي يشن غارتين على بلدة مارون الرأس    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    الآن.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بعد آخر انخفاض    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    وزير الرياضة يتفقد استعدادات مصر لاستضافة بطولة الجودو الأفريقية    خبر في الجول – الأهلي يتقدم بشكوى ضد لاعب الاتحاد السكندري لاحتساب دوري 2003 لصالحه    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أخبار الفن|طلاق الفنان أحمد جمال من زوجته سارة قمر.. وشريف منير يروّج ل«السرب».. وهذه الصور الأولى من زفاف ابنة بدرية طلبة    مصير مجهول ينتظر "مؤتمر المصالحة الليبية" ..تحشيد عسكري روسي وسيف الإسلام مرشحا للقبائل !    مراقبون: فيديو الأسير "هرش بولين" ينقل الشارع الصهيوني لحالة الغليان    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    «زي النهارده».. بداية الحرب الأمريكية الإسبانية 25 إبريل 1898    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    تجديد اعتماد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ب«أزهر الاسكندرية»    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التهديد التركى لأمن البحر الأحمر ومغزى تنازل السودان عن «سواكن»
اللواء متقاعد حسام سويلم يكتب:
نشر في الوفد يوم 05 - 01 - 2018

أثارت الزيارة التى قام بها الرئيس التركى أردوغان للسودان يوم 25 ديسمبر الماضى، وإبرام اتفاقية بين البلدين تعطى بمقتضاها السودان الحق لتركيا فى إدارة جزيرة «سواكن» جنوب بورسودان ب60 كم بالبحر الأحمر، الشكوك حول حقيقة النوايا التركية تجاه البحر الأحمر، لا سيما بعد أن أعلن أثناء الزيارة عن اجتماع يضم رؤساء أركان تركيا والسودان وقطر. لاسيما وأن قادة الدول الثلاثة: أردوغان، البشير، تميم، تجمعهم أيديولوجية دينية واحدة يشتركون فيها هى عقيدة الإخوان المسلمين، وذلك أن الثلاثة ينتمون بصورة أو بأخرى لجماعة الإخوان المسلمين وهو ما انعكس فى استضافة تركيا وقطر قادة الإخوان المسلمين بعد أن هربوا من مصر عقب ثورة 30 يونيو 2014، يديرون من أنقرة والدوحة مخططاتهم العدوانية تجاه تحالف الدول العربية الأربع: السعودية والإمارات والبحرين ومصر على وجه الخصوص، وهو ما انعكس فى تمويل قطر معظم التنظيمات الإرهابية التابعة للإخوان لتنفيذ عمليات إرهابية ضد مصر، خاصة فى سيناء انطلاقاً من قطاع غزة وفى غرب مصر انطلاقاً من ليبيا، أما الدور التركى فقد انعكس فى تجنيد وتدريب وترحيل الارهابيين العائدين من سوريا والعراق وتصديرهم بحراً وجواً الى مصر عبر صحراء ليبيا الشرقية، اما السودان فقد انكشف وتأكد عداؤه لمصر مؤخراً من خلاف تكثيف شكاواه ضد مصر فى مجلس الأمن، ومطالبتهم باستعادة مدينتى حلايب وشلاتين على البحر الأحمر، المصريتين أصلاً من قديم الزمان، فضلاً عن مساندة السودان لإثيوبيا ضد مصر بشأن سد النهضة الذى يحرم مصر من نسبة «30٪» من مياه النيل، ناهيك عن سماحه لإيران بإنشاء مصنع «اليرموك» للصواريخ فى غرب الخرطوم، وقيام الشاحنات السودانية بنقل هذه الصواريخ وغيرها من الأسلحة الى الإرهابيين فى سيناء، فضلاً عن جعل السودان معبراً لمقاتلى حزب الله وأسلحته الى الإرهابيين فى سيناء بواسطة قوافل عبر درب الأربعين بصحراء مصر الغربية، وهى القوافل التى كشفتها إسرائيل وقامت بضربها جوداً عدة مرات قبل عبورها الحدود المصرية الجنوبية، لذلك فإن اجتماع رؤساء أركان الدول الثلاث فى الخرطوم أخيراً، إنما ينم عن نوايا عدائية ليس فقط ضد مصر ولكن أيضاً ضد السعودية التى لها سواحل طويلة على البحر الأحمر، وتخوض معارك مستمرة وطويلة منذ عامين ضد جماعة الحوثيين الإيرانية فى اليمن والبحر الأحمر، وهى الجماعة التى كشفت عن هدفها فى السيطرة على مضيق باب المندب، وتمارس هجمات مسلحة ضد السفن والموانئ السعودية على البحر الأحمر.
كما تسعى تركيا لمحاصرة مصر فى أفريقيا وخنقها اقتصادياً عبر استهداف موارد الدخل القومى المصرى وعلى رأسها قناة السويس، حيث كشفت مصادر عسكرية تركية فى بداية عام 2016 عن توقيع اتفاق بين الحكومتين التركية والصومالية لإنشاء قاعدة عسكرية على الأراضى الصومالية، اضافة لإنشاء مركز تدريب تركى للقوات الصومالية سيصبح نواة لتدريب القوات الافريقية فى المنطقة، وسيتم تدشين هذه القاعدة فى العاصمة مقديشيو، وقد أكد ايميل بيكين المسئول بالخارجية التركية، ان مركز التدريب التركى داخل القاعدة سيقيم به حوالى «200» عسكرى تركى وسيقومون بتدريب 1400 جندى صومالى وتعد السفارة التركية فى الصومال هى الأكبر فى افريقيا وقد زار أردوغان الصومال ثلاث مرات وله علاقات مؤثرة فى الصومال، يكشف عنها إغلاق مدارس رجل الدين المعارض لأردوغان «فتح الله جولن»، أمام محاولات تركيا لإبعاد الصومال عن محيطه العربى، فإنها تستهدف مصر ومصالحها فى القرن الأفريقى، حيث لعب الصومال فى وقت سابق ورقة ضغط كبيرة على الجانب الإثيوبى من اجل الحفاظ على موارد مصر المائية، وبحسب المراقبين يبدو أن الحكومة التركية بدأت فى تغيير استراتيجيتها العسكرية باتخاذها منحنى انشاء قواعد عسكرية خارج حدودها لاستهداف مصر، حيث أنشأت أول قاعدة عسكرية له عابرة للبحار فى قطر بناء على اتفاق وقع بين الجانبين، حيث تستضيف هذه القاعدة حوالى 3000 جندى تركى للدفاع عن نظام أمير قطر.
وحيث إن قطر لا مصالح لها فى البحر الأحمر، حيث تكفيها مواجهة مشاكلها فى منطقة الخليج بالنظر لمقاطعتها من قبل الدول العربية الخليجية الثلاث: السعودية والإمارات والبحرين، فضلاً عن مصر، فإن إشراكها فى مؤتمر ذى طابع عسكرى مع تركيا والسودان فى وقت تشتد فيه المعارك فى البحر الأحمر بين الحوثيين المدعومين من إيران، وبين دول التحالف العربى بقيادة السعودية، انما ينم عن بروز تحالف عسكرى يضم الدول الثلاث: تركيا وقطر والسودان ضد التحالف العربى، بالقطع سيكون له فى المستقبل مردودات عدائية جديدة على الساحة العسكرية بمسرح البحر الأحمر من جانب الدول الثلاث ضد السعودية ومصر، وبتمويل قطرى ومساندة غير مباشرة من ايران، كما ان اغداق المال القطرى على السودان الضعيف اقتصادياً ويعانى مشاكل على كل المستويات والأصعدة سيكون له ثمن على السودان أن يدفعه لقطر للحصول على أموالها، وهذا الثمن سيكون بالقطع على حساب مصر وأمنها فى مجال مواجهتها للإرهاب الذى يهددها من الشرق والغرب والجنوب، وعلى حساب المصالح المصرية فى البحر الأحمر وإفريقيا، كما أن قطر تسعى فى مواجهتها للمقاطعة المفروضة عليها من الدول العربية الأربع إلى أن تخترق السوق الأفريقى، واقامة بنية اقتصادية لها على البحر الأحمر، وهو ما تمثل فى تشغيل قاعدة «سواكن» السودانية بقوات تركية وتمويل قطرى، وتفتح لها أسواقا جديدة فى أفريقيا، وهو ما تمثل أيضاً فى مجلس التعاون الاقتصادى الذى تم تشكيله بين الدول الثلاث.
وليس بخافٍ على أحد أن أحد أهداف تركيا هو الظهور كدولة اقليمية كبرى تمارس سياسة خارجية متعددة الجبهات.. حيث ذهبت مؤخراً الى اليونان، وما لذلك من دلالة فى الصراع الدائر فى منطقة البلقان، واليوم ها هى تركيا فى البحر الأحمر تدق باب مصر من الجنوب والشرق، وبإقامة تركيا قواعد عسكرية فى البحر الأحمر والصومال، وأيضاً فى قطر بالخليج والسودان، فإن هذا الانتشار العسكرى التركى لا شك فى أنه يرتبط باستراتيجية تركية تستهدف خلق مراكز نفوذ لها فى مناطق متعددة من الشرق الأوسط، وفى ذلك ينبغى الا نتغافل عن التماهى العقائدى الذى يربط تركيا والسودان وقطر، ويفرض بالتالى فى المقابل تعزيز القوات المصرية وتحالفها مع السعودية فى الاتجاه الاستراتيجى الجنوبى من مصر وفى البحر الأحمر.
ولكى نتفهم حقيقة الموقف التركى ينبغى أن نربطه برفض الاتحاد الأوروبى انضمام تركيا له، ويأس النظام الحاكم فى أنقرة من ذلك، ما دفع هذا النظام الى خطوة انتقامية تمثلت فى محاولة احياء أوهام الإمبراطورية العثمانية، ولكن من خلال انشاء قواعد عسكرية فى عدة مناطق استراتيجية.. مثل القرن الأفريقى فى الصومال، والمنطقة الكردية بشمال سوريا وقطر فى الخليج.. والآن فى جزيرة سواكن بالبحر الأحمر، ومن المعروف أن الأطماع التركية فى المنطقة العربية قديمة وجديدة، يحاول أردوغان تغطيتها بمسميات واتفاقيات تتماشى مع السياسة الدولية، لكن دون جدوى يكشف عن هذه الأطماع تصريح أخير ل«أردوغان» خلال خطابه فى السودان كشف فيه عن «وجود ملحق لن يتحدث عنه الآن» فى اتفاقية تسليم الجزيرة، وهو ما فسره خبراء أتراك عن وجود معلومات أمنية تفيد اعتزام «أردوغان» إنشاء قاعدة عسكرية على الجزيرة تتضمن ممرا عسكريا بطول 4 كم يسمح للطائرات بنقل قوات عسكرية وتشكيلات إرهابية مقاتلة للتمركز والتدريب فى الجزيرة. وتوقعت هذه المصادر أن تحوى القاعدة مدمرتين ومنصات صواريخ وقوات خاصة بهدف حماية مركز تدريب الإرهابيين وتهديد السفن والشاحنات فى البحر الأحمر.
- وقد رأى موقع «بيزنز انسايدر» البريطانى أن الوضع العربى - التركى متوتر للغاية، وذكر أن «الإمارات ومصر فى عداء مباشر مع تركيا»، لافتا إلى أن السعودية ستلحق بهما قريبا، وذلك فى اشارة إلى زيارة وزير الخارجية المصرى إلى العاصمة الإماراتية «أبوظبى» للقاء نظيره الإماراتى، وأن الزيارة تأتى فى إطار تشكيل حلف بين البلدين لمواجهة التحركات التركية فى البحر الأحمر.
وقد عبر عن هذه الفكرة وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتى «أنور قرقاش» الذى شدد على «أن العالم العربى لن يسمح بقيادته من قبل طهران أو أنقرة». وحذر «قرقاش» من أن النظام العربى فى مأزق، وأن الحل يكون فى التكاتف والتعاون أمام الأطماع الاقليمية المحيطة»، مضيفا «فى ظل التنافس الجيواستراتيجى الجارى، تكون الحاجة أكثر إلحاحا لتعزيز المحور العربى وعمودية الرياض والقاهرة»، وقد سلط مركز «ستراتفور» الأمريكى الضوء على هذه التصريحات وأنها تعكس مدى قوة التحالف المصرى السعودى الإماراتى لمواجهة النفوذ التركى الإيرانى فى المنطقة»، معتبرا أن تلك التصريحات «تزيد من الأزمة بين تركيا وإيران والدول العربية التى ترفض بشكل واضح التدخل الشيعى فى أمورها الداخلية». وأوضح المركز أن مصر ترفض تركيا بسبب انحيازها الواضح إلى جماعة الإخوان، وهو نفس السبب الذى تؤكده الإمارات التى ترى فى مصر حصنا ضد جميع أشكال الإسلام السياسى وفى مقدمته الإخوان. وأضاف المركز أن التشديدات الأمنية والمداهمات فى شمال سيناء والصحراء الغربية على الحدود الليبية دفعت الرئيس التركى للبحث عن جبهة ثالثة يمكن فيها تدريب الإرهابيين على تنفيذ عمليات إرهابية ضد مصر انطلاقا من جزيرة سواكن.
- وقد كشفت صحيفة «الراكوبة» السودانية عن قرب عودة العلاقات السودانية الإيرانية، رغم ما سبق أن صرح به الرئيس السودانى عن قطيعة سودانية إيرانية، ما يشير إلى حدوث تطورات جذرية فى السياسة السودانية تدعم بناء تحالف رباعى «سودانى - تركى - إيرانى - قطرى». وقد تلاقت مصالح «أردوغان» مع «البشير» الذى يسعى إلى تعديل دستورى وحشد دعم حزبى له لتهيئة الأجواء الشعبية لتعديل الدستور وبما يكفل له الترشيح مرة أخرى كرئيس للسودان كما فعل رئيس تركيا، وبما يضمن ل«البشير» الترشح مرة أخرى فى عام 2020 كرئيس للسودان لمدة عشر سنوات قادمة، رغم ما سبق أن أعلنه فى انتخابات 2015 بأنها ستكون آخر انتخابات رئاسية يخوضها، هذا رغم بروز معارضة سودانية من جانب أقطاب سياسية معارضة، أبرزها الصادق المهدى زعيم حزب الأمة، الذى ذكر أنه ليس من سلطة «البشير» التنازل عن جزيرة سودانية لتركيا، خاصة وأنها ستستخدم بمعرفة تركيا لجلب عناصر إخوانية تشن عمليات إرهابية ضد مصر والسعودية، وبتمويل من قطر التى تعتبر مصر والسعودية هما ألد أعدائها. وقد أكد مركز «المزماة» للدراسات والبحوث كيف حاولت قطر فى نوفمبر الماضى تقديم عرض للسودان لإنشاء ميناء فى جزيرة سواكن بهدف توسيع دائرة النشاط الإخوانى الإرهابى فى إفريقيا، وصولا إلى الموافقة على إسناد إدارتها ل«أنقرة»، إلا أن «البشير» رفض تسليمها لقطر خوفا من ردة فعل السعودية والإمارات، باعتبار أن إعطاء هذه الجزيرة لقطر يعنى عداء سافراً للسعودية والإمارات، فضلاً عن مصر، مما جعل قطر تقدم رشاوى لتسهيل عملية سيطرة تركيا على هذه الجزيرة، كما عبر حزب الشعب الجمهورى التركى أيضا عن معارضته لحصول تركيا عن حق إدارة سواكن لما يشكله ذلك من استفزاز للدول العربية، ويزيد من حدة العداء بين تركيا من جهة ودول الخليج ومصر من جهة أخرى، ويؤكد تدعيم تركيا لعصابات الإخوان الإرهابية التى يدعمها «أردوغان».
- ومما يزيد من شكوك مصر تجاه نوايا تركيا فى استخدام هذه الجزيرة لتصدير الإرهاب إلى مصر من الجنوب، ما أعلن فيه الرئيس التركى من أن بلاده وفرت
ممراً آمناً لعدد 4000 مقاتل داعشى، تم إخراجهم من محافظة الرقة فى سوريا لإرسالهم إلى سيناء.. ثم إطلاق قذيفة مضادة للدبابات «كورونيت» ضد مطار العريش حال وصول وزير الدفاع والداخلية المصريين لمطار العريش، ثم ضبط كميات ضخمة من المخدرات «6 أطنان» مرسلة من سوريا، وحوالى 4.5 مليون قرص مخدر مرسلة من تركيا إلى مصر لتوزيعها خلال فترة أعياء الميلاد، ناهيك عن إحباط عدة عمليات إرهابية متتابعة فى كل من شمال سيناء وصحراء مصر الغربية قادمة من ليبيا.
- ولا يقتصر التهديد الثلاثى الجديد- السودان وتركيا وقطر- لأمن مصر فقط على دعم السودان لسد النهضة الإثيوبى، والمطالبة بحلايب وشلاتين، ودعم الإرهاب وميليشيات التكفير، ولكن لأن الأمر بلغ حداً لا يمكن السكوت عليه فى تهديد أمن مصر القومى يتمثل فى كون هذه الدول الثلاث المؤدلجون بعقيدة الإخوان الإرهابية برز بتصميمهم على محاصرة مصر بؤر إرهابية من الجنوب ومن الغرب والشرق، وهو ما برز فى زيارة «أردوغان» ليس فقط لجزيرة سواكن ولكن أيضا تشاد بالنظر لحدودها المشتركة مع ليبيا التى تشكل مصدر تصدير الإرهابيين إلى مصر عبر صحاريها الغربية بواسطة أولئك العائدين من سوريا والعراق وتنبأ «أردوغان» باتجاههم نحو سيناء، ويعنى فى الخلاصة إحاطة مصر إفريقيا، سواء فى تشاد أو ليبيا أو السودان، حيث تتحرك الدول الثلاث بنشاط فيها جميعا، ويفرض فى المقابل تحرك مضاد من مصر لإقامة قواعد عسكرية فى دول جنوب وغرب مصر إزاء ما تواجهه من أخطار، لاسيما وأن جزيرة سواكن هى التى ضربها الطيران الإسرائيلى أكثر من مرة لكونها طريق قوافل إمدادات إلى غزة وسيناء والخرطوم تحاول بتحالفها العلنى مع تركيا أن تؤمن هذه المنطقة بكل ما سوف تشهده من أنشطة بما فيها دعم الإرهاب. إن القواعد التركية فى «باعشيت» بالعراق، و«أدلب» فى سوريا، وفى قطر، وأخيرا فى «سواكن» بالسودان، تجبر أى إنسان ينظر للخريطة على إدراك أنها تستهدف مصر، التى هزمت تركيا ودحرت مشروعها لإحياء الخلافة العثمانية عبر إطلاقها ثورة 30 يونية التى أطاحت بحكم وأحلام الإخوان.
- وإذا نظرنا فى البداية إلى المناطق التى اختارتها تركيا لإقامة قواعد لها فى البحر الأحمر نجد أنها مواقع استراتيجية مهمة، مثل القاعدة فى الصومال باعتبارها دولة من دول القرن الإفريقي، والتى تضم أيضا إثيوبيا وأريتريا وجيبوتى، وبالطبع جميع تلك الدول ضمن المجال الحيوى لكل من مصر والسعودية، باعتبار منطقة القرن الإفريقى سواء بحدودها الضيقة أو الواسعة، منطقة استراتيجية، كونها تطل على خليج عدن وتشرف على باب المندب، مقابلة لآبار النفط فى شبه الجزيرة العربية والخليج العربى وملاصقاً لإقليم البحيرات العظمى فى وسط افريقيا، أحد روافد نهر النيل، ويتميز بغناه بموارده المائية والنفطية والمعدنية، ولهذا كانت المنطقة محلا للتنافس الاستعماري الذي عمل علي تأجج الصراعات بداخلها لتحقيق مصالحها.
- ولتنفيذ الاستراتيجية التركية في منطقة البحر الأحمر والقرن الافريقي، أنشأت الحكومة التركية ما يسمي ب«وكالة التعاون التنسيق (تيكا)» تتبع رئيس الوزراء مباشرة لتكون الوجه الخفي لتنفيذ الاستراتيجية التركية في هذه المناطق. وقد نجحت هذه الوكالة في تنفيذ عدة آلاف من المشروعات التنموية- اقتصادية واجتماعية وثقافية وإدارية- في إفريقيا، يشرف عليها 24 مكتباً في دول افريقيا، وبحجم تمويل بلغ 3 مليارات دولار، وهو ما يضع علامات استفهام عديدة أمام الدور الحقيقي الذي تلعبه هذه الوكالة «تيكا» لتنفيذ الاستراتيجية التركية في إفريقيا.
- وقد عمل أردوغان علي تكثيف العمل لإنشاء «المنظمة الاقتصادية التركية في جيبوتي» ويستخدم أردوغان ورقة المنح والمساعدات للتيسير علي دول القرن الافريقي، وحيث تعد تركيا ثالث أكبر مانح للمساعدات في القارة الافريقية بإجمالي 800 مليون دولار في عام 2016. وبجانب مؤسسة «تيكا» توجد مؤسسات أخري مثل «الاغاثة الإنسانية» و«جان سيو» و«يارد ملي» وبعض المراكز الصحية الأخري في محاولة مفضوحة ومغلفة بوجه إنساني لشراء الولاء والتأثير في هذه الدول. ورغم معاناة إريتريا كبلد فقير ومحدود الموارد فإن تركيا وجدت فيها سوقاً رائجاً للسلاح التركي، خاصة في فترة الحرب الاثيوبية- الإريترية، وهو ما جعلها مركزاً لتجارة السلاح التركي الذي يتم تصديره عبر البحر الأحمر للحوثيين في اليمن. وتشير التقارير علي أن تركيا تدعم اثيوبيا من خلال تمويل سد النهضة انتقاماً من مصر وأنها قد وقعت اتفاقيات عسكرية لحماية السد وزودت إثيوبيا بصواريخ لهذا الغرض.
- ومن السودان لإثيوبيا نجد ما تقوم به شركة «بابي» التركية لإنشاء خط حديدي يربط اثيوبيا بميناء جيبوتي ويبلغ طوله 400كم ويعمل بهذا المشروع 7500 عامل بينهم 2200 تركي وتبلغ تكلفته 1.7 مليار دولار. أما الصومال فقد أنشأت تركيا فيه قاعدة عسكرية خارجية للتدريب خارج أراضيها، وتم في الأسبوع الماضي تخريج أول دفعة من الضباط الصوماليين ورفع العلم التركي أثناء حفل تخرجهم. أما في قطر فقد أنشأت تركيا قاعدة «الريان» وتضم 3000 جندي تركي.
- ولمعرفة أبعاد اللعبة الكبري، والتي ليست مقصورة فقط علي تنازل السودان عن جزيرة سواكن لتديرها تركيا، حيث لا ينطلي علي أحد ما صرح به أردوغان من أن الهدف هو ترميم الآثار التي تركتها الدولة العثمانية في الجزيرة، لا سيما بعد أن استتبع هذا التصريح عقد اجتماع لرؤساء أركان الدول الثلاث، وأن هذا الاجتماع خصص لبحث كيفية استغلال هذه الجزيرة لتحقيق أهداف استراتيجية لتركيا في منطقة البحر بتمويل قطري، خاصة وقد سبق لقطر أن قدمت في نوفمبر الماضي عرضا للحكومة السودانية لإنشاء ميناء بنفس الجزيرة، أعقب ذلك تشكيل لجنة سودانية برئاسة قاضي محكمة عليا بولاية البحر الأحمر- هو أبوالفتوح عثمان- لمناقشة تعويض أهالي الجزيرة عن التنازل والأراضي التي يتم شراؤها منهم ليتم عليها إقامة المنشآت اللازمة للقاعدة البحرية.
- لذلك فإن وجود تركيا عسكريا بهذه المنطقة- خاصة سواكن والصومال- يشكل تهديداً للأمن القومي العربي، لا سيما مصر التي تناصبها تركيا العداء في الوقت الحالي بشكل مباشر، والسعودية بشكل غير مباشر خاصة ما ظهر في سرعة إرسال تركيا لقوات عسكرية إلي قطر عقب قرارات المقاطعة العربية لها في تحد مباشر للسعودية، في حين أكدت الأخيرة أكثر من مرة أنه لا تحرك عسكرياً من جانبها ضد قطر يستدعي هذا التواجد العسكري التركي فيها، ومن ثم فإن إنشاء قاعدتين في البحر الأحمر والصومال يعتبر محاولة من تركيا لإظهار قدرتها في أي وقت للسيطرة علي هذا المجري الملاحي المهم، فضلا عن محاصرة السعودية بقاعدة تركية من الغرب في سواكن، وأخري من الشرق في قطر.
- الأهم من ذلك أيضا أن تركيا عضو في حلف الناتو، وقد أقر حلف الناتو في قمته المهمة بأسطنبول عام 2004، عندما أقر مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي قدمه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش «الابن»، كان يضع من بين خططه الوجود بشكل كبير في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، وكان الحلف قد أرسل بعض القطع البحرية في المياه الإقليمية بخليج عدن، تحت مسمي حماية الملاحة البحرية من عمليات القرصنة، التي كانت تتم في خليج عدن من عناصر صومالية، إذن فمن المرجح أيضا وبما أن تركيا عضو فاعل في الحلف أن يتم استغلال القاعدتين من بعض عناصر الناتو بجانب القوات التركية التي تسعي إلي التمركز هناك، وحتي تحتمي بحلف الناتو في حالة أي هجوم علي تلك القواعد، وباعتبار أن أي هجوم علي أي دولة من دول الحلف اعتداء علي دول الحلف مجتمعة. وهو بالطبع ما تتحسب له روسيا جيدا وترفض استئثار حلف الناتو بالسيطرة علي البحر الأحمر ومخرجه عند باب المندب، لذلك من المؤكد أنها ستسعي للحصول بدورها علي قاعدة أو أكثر في البحر الأحمر بدعوي أيضا حماية مصالحها، وقد وجدت روسيا بالفعل ذلك متاحاً في العرض الذي قدمه الرئيس السوداني مؤخراً لروسيا بإقامة قاعدة بحرية في السودان.
- إن أخطر ما في هذا الموضوع هو محاولة أردوغان استغلال تلك القواعد التي حصل عليها في الصومال والسودان لنقل عناصر تنظيم داعش الإرهابي إليها بعد نقلهم من العراق وسوريا، كمحطة قبل إعادة نشرهم مرة أخري، حيث سبق لأردوغان أن اعترف بأن عناصر تنظيم داعش الموجودين في الرقة سيتم نقلهم إلي سيناء، كما تم رصد العديد من أعضاء تنظيم داعش في الصومال خلال الفترة الأخيرة بعد خروجهم من سوريا والعراق في محاولة لتجهيز أنفسهم مرة أخري، الأمر الذي بالفعل يعد تهديداً صريحاً للأمن القومي المصري بشكل خاص، وللأمن القومي العربي بشكل علام، حيث بواسطة هؤلاء الإرهابيين في القواعد العسكرية التركية في البحر الأحمر والصومال يمكن لتركيا إبتزاز دول الخليج العربية وفي مقدمتهم السعودية.
خاتمة
- من المفترض أن دولة اليمن تعد بمثابة حائط الصد في درء المخاطر المحتملة التي تهدد دول الخليج ومصالحها الاقتصادية، لا سيما خطوط نقل النفط الخليجي إلي الأسواق العالمية، الأمر الذي يحمل دول الخليج مسئولية عودة الاستقرار للدولة اليمنية. كما أن تهديد أمن مضيق باب المندب من قبل الحوثيين المدعومة من إيران، يحتم تضافر الجهود الخليجية ومصر والأردن والسودان لحماية البحر الأحمر ومضيق باب المندب، من خلال تكثيف عمليات التحالف ضد الحوثيين، فضلا عن تكثيف التواجد العسكري في البحر الأحمر، وتعزيز التعاون والتنسيق بين القوي الإقليمية مثل مصر، والدولية مثل الولايات المتحدة بشأن حماية مضيق باب المندب لمواجهة أطماع الحوثيين وإيران، كما يتطلب الأمر أيضا تعظيم التواجد العربي في شرق افريقيا والقرن الافريقي.
- أما مظاهر هذا التعاون فهي تتمثل في تبادل المعلومات والتقارير الاستخباراتية حول النشاط البحري الإيراني والحوثي وحديثاً النشاط التركي والقطري والسوداني في منطقة البحر الأحمر، والتوصل إلي تقييم سليم لنوايا إيران وحلفائها المستقبلية تجاه البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وذلك للتحسب لها مستقبلا بإجراءات مضادة استباقية. ويستتبع بالتالي وضع خطط التعامل المشترك ضد هذه النوايا المعادية، وتشكيل الحجم المناسب من القوات البحرية والجوية العربية المشتركة القادرة علي مواجهة هذه النوايا، والتدريب المشترك علي تنفيذ مهام المواجهة، وتنظيم وتعزيز التعاون مع دول شرق افريقيا غير الشكوك في صدق تعاونها مع العرب ضد إيران وإثيوبيا، ومن خلال تواجد بحري عربي قوي ومستمر في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب يمكن إحباط المخططات الإيرانية والإسرائيلية والاثيوبية المعادية في البحر الأحمر وباب المندب.
- وفي إطار السيناريوهات المحتمل حدوثها مستقبلاً من جانب الحوثيين عملاء إيران، والتي يجب التخطيط والتدريب علي مواجهتها، ما كشف عنه رئيس تحرير مجلة «كابهان» الإيرانية- شريعتمداري- والمقرب من المرشد علي خامينئي- عن تحرض الأخير لميليشيات الحوثي علي التعرض لناقلات النفط التابعة لدول التحالف العربي وفي مقدمتها السعودية، وشن هجمات بالألغام والصواريخ ضدها.
- وخلاصة القول في موضوع تنازل السودان عن جزيرة سواكن لتركيا، إن هذه الصفقة لها عدة مآرب إخوانية، وتعتبر خيانة قطرية سودانية للأمة العربية، وكشفاً للأطماع التركية ومساعي أردوغان لتوسيع نفوذ بلاده علي حساب الدول العربية، وتهدف في الدرجة الأولي إلي إضعاف التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الأطماع الإيرانية، ومحاولة لتطويق السعودية بقاعدة تركية شمالاً في قطر، وأخري جنوبها في سواكن، ولأجل توسيع دائرة النشاط الإخواني في إفريقيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.