فى المقالين السابقين عرضت ببالغ الاعتزاز للموقف الوطنى لمجموعة من شباب بورسعيد من أحفاد شهداء وأبطال معركتهم الباسلة الذين هزموا فيها القوات البرية والبحرية والجوية الإنجليزية عندما أرادوا إعادة الاستيلاء على قناة السويس واتخاذ احتلال بورسعيد معبراً لإعادة احتلال مصر كلها وكان إسقاط أبطال المقاومة عام 1956 لتمثال ديليسبس الذى وضعته الشركة الفرنسية فى مدخل القناة رمزاً من أهم رموز ملكيتها وسيطرتها على القناة والتى بعقدى الإذعان اللذين خدع بهما ديليسبس الخديو سعيد ليحول القناة والمدن والمنطقة حولها إلى ملكية كاملة للشركة وهكذا وقف فى مدخل قناتنا رمزاً من أكبر رموز جرائم الاستعمار والاستغلال والامتهان للكرامة الوطنية فى تاريخنا. فوجئت بعد نشر مقالى الأسبوعين الماضيين بأن الكثير من الحقائق المخزية التى ارتكبت بحق المصريين وقناتهم غائب عن أعداد كبيرة منا ليس فقط من الأجيال الصغيرة التى تتوالى خطايا تغيبهم عن وعيهم بتاريخهم الوطنى ونضال أجدادهم وما ارتكبه الاستعمار القديم والحديث فى حقهم وكيف أهينت كرامتهم واستنزفت ثرواتهم وصناعة أبطال وبطولات مزيفة اعتبار المهندس ديليسبس الذى لم يكن مهندسا أبدا وعمل عبر علاقات أسرته بالسلك الدبلوماسى وطرد منه وأدين وحكم عليه بالسجن فى أكثر من قضية فساد أنه صاحب فكرة وفضل حفر قناة السويس دون وعى بتاريخ محاولات لم يكن وراءها أطماع استعمارية بدأت منذ عصر الفراعنة.. وضعت المجموعة المحترمة من شباب بورسعيد ما استطاعوا التوصل إليه من وثائق عربية وأجنبية أمام القاضى الفاضل رئيس محكمة بورسعيد الذى استمع إليهم وأجل إصدار حكمه العادل والمنصف لكرامة المصريين الى الثلاثاء 16 أبريل بعد غد بإذن الله وبعد ان يدرس آلاف الدراسات والوثائق التى وضعها أبناء بورسعيد بين يديه ابتداء من عقد الإذعان 1854 والثانى يناير 1856 وما جعل ديليسبس الخديو سعيد يوقعه من تنازل الحكومة المصرية دون مقابل عن جميع الأراضى التى تلزم لتنفيذ المشروع وكذلك الأراضى اللازمة لشق ترعة المياه العذبة التى تصل النيل بموقع القناة وحق الشركة فى تحصيل مبالغ من الأهالى اذا استخدموا مياه الترعة وحق الشركة فى استغلال المناجم والمحاجر الداخلة فى أملاك الدولة دون مقابل وتكليف جميع موظفى القطر المصرى بمساعدة الشركة فى أعمالها دون مقابل وأربعة أخماس العمال اللازمين للحفر من المصريين وأسقط حق الأفراد فى مطالبة الشركة بتعويض عن أراضيهم التى تستولى عليها الشركة وحقها فى الاحتفاظ بالامتياز لمدد متوالية كل منها 99 سنة أى ليس 99 سنة مرة واحدة أى إلى الأبد !!! بين وثائق شباب بورسعيد التى قدموها إلى قضائنا الشامخ لفتنى تصريح لجاك جورج بيكر مدير عام الشركة قبل التأميم مباشرة «أنه بعد فشل ضغوط الشركة سنة 1909 لمد عقد الامتياز أربعين سنة بعد سنة 1968 استأنفت الشركة تلك الجهود بعد أن قامت حكومة الوفد بإلغاء معاهدة 1936 فى أكتوبر 1951 وأنه فى نوفمبر 1951 وفبراير 1952 أرسلت الشركة مذكرات الى فرنسا وبريطانيا وأمريكا وايطاليا تحذر من المصاعب التى ستنشأ عند نهاية الامتياز وتطلب إليهم الدخول فى مفاوضات دولية حول الموضوع قبل أن يتطور التيار الوطنى المصرى ويجعل من الصعب إجراء تلك المفاوضات! وبرغم ماارتكب بحق مصر وقناتها فى هذه الحقبة السوداء من التاريخ الاستعمارى التى امتدت لأكثر من مائة عام يقول الرافضون لإهانة المصريين باعادة وضع التمثال المهين فى مدخل قناتهم بوضعه فى المتحف القومى ببورسعيد مع توثيق جرائم هذا التاريخ واستكماله بكل ما يبقيه حيا فى ذاكرة الأجيال حتى لا تأتى أجيال أخرى يدفعها غياب الذاكرة الوطنية إلى تمجيد ووضع تماثيل ورموز لمن احتلوهم واستعمروا بلادهم.. ولم يقل أحد من رافضى أعادة تمثال ديليسبس الى مدخل القناة باتخاذ موقف نرد به على تمثال العار والمهين للحضارة المصرية للمثال الفرنسى برتولدى يصور شامبليون يضع حذاءه فوق رأس واحد من عظماء ملوك مصر القديمة !! وعرفت أن بعض مسئولى الثقافة فى مصر طالبوا كثيرا من الحكومة الفرنسية برفعه احتراما للعلاقات الوثيقة بين البلدين. انتظر مع شباب بورسعيد الذين تجرى فى عروقهم دماء الفخر والاعتزاز بحضارة وكرامة وطنهم الحكم العادل والمنصف لقضائنا الشامخ الذى أثق أنه سينتصر فى موقف وحكم تاريخى بعد غد بمشيئة الله ويرفض إعادة تمجيد رموز وتماثيل من استعمروهم وسرقوا قناتهم لأكثر من مائة عام. قضاؤنا الوطنى لن يقبل بادعاءات جماعة من أحفاد من أداروا المشروع الاستعمارى والصراع ضد مصالح المصريين.. وبعض المصريين المؤيدين لهم للأسف يجهلون تاريخ ومعاناة بلادهم فيها وما جعل الأبطال يسقطونه كرمز من أهم رموز انتصارهم فى العدوان على بلادهم عام 1956 واسقط أيضا آلاف الشهداء ويطالبوننا بأن نعتبر التمثال المهين من الآثار والتراث كأننا لا نملك أعظم تراث وآثار فى الدنيا !! لمزيد من مقالات سكينة فؤاد