فجأة وبدون مقدمات موضوعية بدأ الكلام الرسمي يتردد عن قرب إعادة تمثال ديليسبس إلي قاعدته التي مازالت قائمة عند المدخل الشمالي لقناة السويس بمدينة بورسعيد الباسلة.. في منطقة يعرفها الأهالي والزوار بمنطقة ديليسبس.. وهي من أرقي وأجمل مناطق بورسعيد إن لم يكن مناطق مصر بأكملها لموقعها الفريد عند التقاء القناة بالبحر الأبيض. أقول فجأة وأؤكد أن الكلام رسمي ومنسوب للواء سماح قنديل محافظ بورسعيد ونشرته الزميلة الأهرام.. وأعني ما أقول.. فالذين أزالوا التمثال منذ 58 عاماً هم أهالي بورسعيد بعد العدوان الثلاثي علي مصر عام ..1956 ولم تكن الإزالة بقرار رسمي وبالتالي فالذين يجب أن يؤخذ رأيهم في إعادة التمثال من عدمه هم ايضا أهالي بورسعيد وليس أحداً غيرهم ولا يجب أن يكون القرار الرسمي إلا ترجمة لرغبة شعبية إن وجدت!! العودة للتاريخ هنا مهمة للتذكرة وتوضيح الأبعاد ولو باختصار.. فديليسبس هو الدبلوماسي الفرنسي الذي حصل من الخديو سعيد علي فرمان عقد امتياز قناة السويس والذي يشمل الحفر والاستفادة من عائد القناة لمدة 99 عاماً.. وكانت غايته تعكس غاية دولته فرنسا بتمكينها من السيطرة علي مصر أي غاية استعمارية.. لكن البطل الحقيقي لحفر القناة هو الفلاح المصري.. فقد أتي الفلاحون لتلك البقعة من كل مصر وعاشوا ظروفاً بالغة القسوة ومات منهم أعداد لا تحصي في مدة الحفر التي استمرت عشر سنوات حتي تم افتتاح القناة عام .1869 في عام 1899 أقيم تمثال لهذا الدبلوماسي الفرنسي ووضع في المكان المعروف باسمه واقفاً يشير بإصبعه إلي مدخل القناة.. ظل التمثال قابعاً في مكانه وعقد الامتياز أو الإذعان كما درسناه في التاريخ سارياً حتي وقعت أحداث شديدة الأهمية. رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي حلم مصر والمصريين عقاباً لمصر وزعيمها الخالد جمال عبدالناصر علي الاتجاه شرقاً لشراء السلاح.. وجاء الرد المدوي من عبدالناصر في يوليو 1956 بتأميم شركة قناة السويس وإلغاء الامتياز الشهير الذي اغتصب حقوق المصريين.. قالها عبدالناصر سوف نبني السد من عائد القناة الذي سيكون كاملاً لمصر وللمصريين. تكتمل القصة بالعدوان الثلاثي الشهير علي مصر عقاباً علي استقلال قرارها.. وتبع العدوان هبة من أهالي بورسعيد البواسل أزالوا خلالها تمثال ديليسبس عن موقعه وإن بقيت قاعدته موجودة وإن ظلت المنطقة تحمل اسمه. لذلك عندما يقول محافظ بورسعيد إن التمثال سيعود ولكن في إطار جديد حيث سيجاوره تمثال للخالد جمال عبدالناصر وآخر يرمز للفلاح المصري الأصيل علي أن يتواري ديليسبس للخلف قليلاً فإن ذلك من قبيل وضع السم في العسل خاصة أن باقي الخبر يقول إنه ترويج للسياحة في بورسعيد فإن فرنسا سوف تتحمل تكاليف تطوير منطقة التمثال وتزويدها بالصوت والضوء الذي يحكي قصة القناة علي مر العصور مع التزامها بإرسال وفود سياحية علي مدار العام. أقول للمحافظ.. عفواً.. أنا شخصياً اتحفظ علي أن يجاور عبدالناصر وفلاحنا الأصيل دبلوماسي فرنسي وصفته كتب التاريخ بأنه كان ذا نزعة استعمارية.. ارجعوا إلي أصحاب الشأن الأصيل وهم أهالي بورسعيد صانعي التاريخ علي مر العصور.. وأزيد إن الترويج السياحي لبورسعيد مطلب وهدف نبيل وأساليب تحقيقه سهلة وكثيرة وليس بالضرورة أن يكون أولها إعادة ديليسبس إلي مدخل قناة السويس.