أبى أن يرى طفلا يغرق و حيدا وكل من حوله يشاهدون الموقف دون أن يحاول أحدهم اتخاذ موقف، فلم يتردد لحظة فى أن ينقذ روح طفل لا تربطه به أى صلة سوى تلك الدقائق التى جمعتهما فى الأتوبيس النهرى بالحوامدية، لم يفكر لحظة فى حياته أو مستقبله وحتى عروسه التى تنتظره بعد أن انتهى من ترتيبات الزواج إنه قرار اتخذه فى لحظة غلبت عليه الشهامة وتخلى عن كل شيء، فلم يهتم سوى بأن طفلا ذا 13 عاما على وشك الموت غرقا وهو فى إمكانه أنه ينقذ حياته وأن الطفل كان يمكن أن يكون شقيقه أو أحد أقاربه، فكيف له أن يشاهده وهو يغرق ولا يحاول إنقاذه؟!، فقفز وراءه إلى المياه لكن التيار جرفهما معا ليغوصا فى أعماق النيل ليلقيا مصرعهما غرقا. والشاب الشهم هو «محمد فتح الباب» الشهير ب«حمادة الشيخ» البالغ من العمر 31 سنة وهو يعمل محاسبا بإحدى الشركات وكان يحب ممارسة الرياضة و منتظم فيها بشكل كبير، فكل يوم بعد عودته من العمل يأخذ دراجته ويتوجه إلى أحد الأندية فى المعادى وكان يستقل الأتوبيس النهرى بمعدية الحوامدية لأنها أيسر طريق بالنسبة له. ويوم موعده مع القدر، خرج من منزله كعادته متوجها إلى الأتوبيس النهرى بالحوامدية، وتحرك السائق متوجها إلى البر الثانى بالمعصرة وفى منتصف النيل وفى أثناء وقوف تلميذ على الباب، انزلقت قدماه وسقط فى المياه وصرخ مستقلو الاتوبيس ولم يجرؤ أحد على محاولة إنقاذ الطفل الذى راح يصارع الغرق ولكن عندما شاهده محمد، أبت كل جوارحه وضميره الحى أن يشاهد روحا تزهق والجميع يشاهد ذلك دون حتى محاولة إنقاذه فترك متعلقاته و قفز خلفه فى محاولة لإنقاذه من باب الشجاعة، لكن لم يتمكن من إنقاذه وغرق الاثنان معا!!. مات محمد دون أن يعلم من هو هذا الذى ضحى بحياته من أجله ليضرب مثلا سيظل خالدا فى الوفاء و التضحية لا من أجل شيء سوى الشهامة الراسخة فى داخل الكثير من المصريين. و يظل محمد كما كان محبوبا من كل من حوله من زملائه فى العمل وجيرانه فى السكن بالحوامدية وشهد له الجميع بالأخلاق الرفيعة ولماذا لا؟! و هو الذى ضحى بحياته من أجل شخص لا يعرفه فهو الشخص المجتهد الرياضى الخلوق الذى اعتمد على نفسه و كان قد فرغ من إعداد مستلزمات زواجه و انتهى من تجهيز شقة الزوجية منتظرا تحديد موعد زواجه خلال الأشهر القادمة، إلا أنه زف إلى الآخرة شهيدا ليكون عمله شاهدا له أما الطفل، فهو أحمد رجب محمود يقيم مع أسرته بعزبة النخل بالمعصرة. ولم يكن والد محمد يعلم بوجهة ابنه إلا بعدما تلقى اتصالا هاتفيا يخبره بالحادث و أنه كان مع أحد أصدقائه بالحوامدية عند أحد أقارب أصدقائه. وكان اللواء رضا العمدة مدير الادارة العامة لمباحث الجيزة قد تلقى بلاغًا من الأهالى بالحادث وعلى الفور أمر اللواء محمد عبدالتواب نائب مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، بسرعة الانتقال إلى مكان الحادث، حيث انتقل الرائد محمد أبو القاسم رئيس المباحث وتبين للعميد عبدالرحمن أبوضيف رئيس مباحث قطاع الجنوب، أنه فى أثناء ركوب التلميذ أحمد رجب على الأتوبيس النهرى انزلقت قدماه وسقط بالمياه وجرفه التيار وغرق لعدم إجادته السباحة وعندما شاهده محمد فتح الباب، قفز فى مياه النيل فى محاولة لإنقاذه إلا أنه لم يتمكن من إنقاذه و توفى هو الآخر غرقًا وقد تم إخطار اللواء مصطفى شحاتة مساعد الوزير لقطاع أمن الجيزة بالحادث.