«الزراعة» : منتجات مبادرة «خير مزارعنا لأهالينا» الغذائية داخل كاتدرائية العباسية    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    المصري يفوز على الطيران بهدفين نظيفين استعدادًا لمباراة الداخلية بالدوري    حفل ختام برنامج «دوى» و«نتشارك» بمجمع إعلام الغردقة    أزمة الضمير الرياضى    مونفيس يودع بطولة مدريد للتنس مبكرا    هاني شاكر يحيي حفل عيد الربيع في دار الأوبرا (تفاصيل)    «سعيد بوجودى في هذا الصرح العظيم».. الملك السابق أحمد فؤاد يزور مكتبة الإسكندرية صور    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    وزارة التخطيط وهيئة النيابة الإدارية يطلقان برنامج تنمية مهارات الحاسب الآلي    المرصد الأورومتوسطي: إسرائيل منعت دخول المساعدات لغزة منذ بدء العدوان    خبير سياسات دولية: اللوبي الإسرائيلي ما زال يضغط على الولايات المتحدة (فيديو)    جمعة فى مؤتمر رابطة العالم الإسلامى بالرياض: نرفض أى محاولة لتهجير الشعب الفلسطينى وتصفية قضيته    سيناء من التحرير للتعمير    تنمية شاملة بعد عقود من الإهمال| مشروعات زراعية وصناعية وبنى تحتية فى كل شبر من أرض الفيروز    تحرير سيناء.. «قصة كفاح نحو البناء والتنمية» ندوة بمجمع إعلام قنا    البورصة المصرية.. أسعار الأسهم الأكثر ارتفاعًا وانخفاضًا اليوم الأربعاء 24-4-2024    مباراة حسم لقب الدوري الفرنسي.. مبابي يقود باريس سان جيرمان أمام لوريان    إخماد حريق نشب داخل مصنع بالوراق    ارتفع صادرات الصناعات الهندسية ل1.2 مليار دولار بالربع الأول من 2024    البورصة تقرر قيد «أكت فاينانشال» تمهيداً للطرح برأسمال 765 مليون جنيه    عاجل.. تنبيه مهم من البنوك لملايين العملاء بشأن الخدمات المصرفية    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    عناوين مكاتب تطعيمات الحج والعمرة بمحافظة كفر الشيخ ومواعيد العمل    عاجل من الصحة بشأن منع هذه الفئات من الخروج في الموجة الحارة (فيديو)    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    العروسة في العناية بفستان الفرح وصاحبتها ماتت.. ماذا جرى في زفة ديبي بكفر الشيخ؟    طلاب كولومبيا: لن ندخل في مفاوضات مع إدارة الجامعة    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    قريبا.. مباريات الدوري الإسباني ستقام في أمريكا    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    حكم الاحتفال بشم النسيم.. الإفتاء تجيب    هل هناك أذكار وأدعية تقال في الحر الشديد؟.. رد واضح من الإفتاء    أدعية التوفيق والتيسير في الدراسة.. الأخذ بالأسباب مفتاح النجاح    إجازة شم النسيم 2024.. موعدها وعدد أيامها بعد قرار مجلس الوزراء بترحيل الإجازات    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    بلطجة وترويع الناس.. تأجيل محاكمة 4 تجار مخدرات بتهمة قتل الشاب أيمن في كفر الشيخ - صور    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    حزب الحركة الوطنية يناقش خطة عمل المرحلة المقبلة والاستعداد لانتخابات المحليات    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    نصيحة الفلك لمواليد 24 إبريل 2024 من برج الثور    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق مستقل بشأن المقابر الجماعية في غزة    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    بشير التابعي: أتوقع تواجد شيكابالا وزيزو في التشكيل الأساسي للزمالك أمام دريمز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آليات فض التشابكات المالية بين التأمينات والخزانة العامة

* النظم التأمينية تقوم أساسا على فكرة التوازن بين الاشتراكات وما يتولد عنها من عوائد استثمار وبين ما يستحق من معاشات فى حالة بلوغ سن المعاش أو فى حالات العجز أو الوفاة. ويؤدى التراجع فى الاشتراكات إلى المزيد من الضغوط على الخزانة العامة.
* ارتفاع نسب الاشتراكات أدى إلى زيادة التهرب من النظام ناهيك عن تشوه التشريعات التأمينية نتيجة كثرة التعديلات التى أدخلت عليها وكلها أمور تتطلب البحث عن آليات جديدة تضمن له الاستمرار والاستقرار والأمان وتحقق المزايا التأمينية القائمة نفسها.
فى إطار العمل على تحسين أوضاع الشرائح الاجتماعية المتوسطة والفقيرة أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى عن زيادة قيمة المعاشات بنسبة 15% وبحد أدنى 150 جنيها، وهى الزيادة السابعة فى عهده، وبذلك يصل إجمالى الزيادات فى المعاشات إلى 85% خلال هذه الفترة. فضلا عن ذلك تم رفع الحد الأدنى للمعاش الى 900 جنيه مقابل 750 فى العام الماضى، ونحو 500 جنيه فى عام 2016. ولذلك ارتفعت قيمة المعاشات المنصرفة من نحو69 مليار جنيه عام 2012/2013 الى 151 مليارا عام 2017/، 2018 وكان قد سبقها بطلب من الحكومة بسحب الاستشكال على حكم المحكمة الإدارية العليا بأحقية أصحاب المعاشات فى إعادة تسوية معاش الأجر المتغير باحتساب العلاوات الخاصة غير المضمومة للأجر الأساسى وبنسبة 80% من قيمتها. وهى قرارات مهمة وضرورية تساعد على تحسين معيشة نسبة لا بأس بها من المواطنين حيث يبلغ عدد المؤمن عليهم نحو 17 مليون فرد فى نهاية يونيو 2018 بالإضافة الى 9.6 مليون صاحب معاش.
وفى هذا السياق جاء القرار الخاص بدراسة أفضل السبل لإعادة جدولة مستحقات التأمينات طرف الخزانة العامة وبنك الاستثمار القومى ووضع جدول زمنى لردها وفقا للحسابات الاكتوارية وبعد مراجعة الجهاز المركزى للمحاسبات، وهى مسالة غاية فى الأهمية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن إجمالى العلاقة المالية بين أجهزة الموازنة العامة للدولة والصندوقين وصلت الى نحو 524 مليار جنيه فى نهاية يناير 2019 (منها نحو 369 مليارا عبارة عن سندات صادرة لصالح الصندوقين بالإضافة الى 2 مليار صكوك ونحو 153 مليارا اذونا وسندات خزانة مشتراة بمعرفة الصندوقين). هذا فضلا عن اقتراض بنك الاستثمار بنحو 56 مليار جنيه، ناهيك عن مديونية مستحقة للصندوقين ولم يتم إثباتها بصكوك على الخزانة العامة دون حساب عوائد استثمار عليها، وهى الناجمة عن الفرق بين الالتزامات المقررة بالقوانين الصادرة لتحسين أحوال أصحاب المعاشات وما يدرج لها من اعتمادات بالموازنة العامة فى ضوء الأوضاع المالية للدولة، ومن ثم تراكمت هذه المديونية ومازالت محلا للنقاش والخلاف بين الطرفين، وكلها أمور توضح خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه.
وفى إطار التفاعل الإيجابى مع المقترح المذكور والهادف الى ضمان أفضل استثمار ممكن لهذه الأموال، وفقا للمعايير الدولية التى تشير الى مراعاة الأمان والسيولة والربحية، فإننا نشير بداية إلى انه يجب ألا تكون هناك أى تخوفات بشأن مستقبل النظام التأمينى وهذه الأموال لأنها مضمونة أصلا بالدستور وفقا للمادة (17) التى تنص على أن «تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعى، هذا فضلا عن «أن أموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة تتمتع بجميع أوجه واشكال الحماية المقررة للأموال العامة، وهى وعوائدها حق للمستفيدين منها وتستثمر استثمارا آمنا وتديرها هيئة مستقلة، وفقا للقانون وتضمن الدولة أموال التأمينات والمعاشات» وأضافت المادة(27) النص على «ضرورة وضع حد ادنى للمعاشات يضمن الحياة الكريمة» ولهذا نص قانون التأمينات الاجتماعية فى مادته الثامنة على «أن الخزانة العامة ملتزمة بأداء آى عجز فى أموال الصناديق» وبهذه النصوص وغيرها تصبح المسألة واضحة لا لبس فيها ولأخلاف، ولايمكن التلاعب فيها بأى حال من الأحوال.
وهنا تجدر الإشارة الى ان استخدام المال الاحتياطى للتأمينات قد تطور خلال العقود الماضية بدءا من إنشاء صندوق مستقل عن الخزانة العامة، يتولى استثمار هذه الأموال وفقا للقانون رقم 419 لسنة 1955، ثم صدر القرار الجمهورى رقم 273 لسنة 1962 بالإذن لوزير الخزانة باستثمار هذه الأموال على ان تؤدى وزارة المالية مقابلا بواقع 3.5 % سنويا يضاف اليه نسبة 1 % من قيمة الأموال المستثمرة سنويا، كمساهمة من الحكومة فى التأمين الاجتماعى للعمال. كما تؤدى وزارة المالية مقابلا للأموال المحولة شهريا لحسابها، صكوكا غير قابلة للتحويل مدتها سنة قابلة للتجديد تلقائيا ما لم يتقرر استهلاكها تبعا للظروف. وتم بعد ذلك إنشاء صندوق الاستثمار وفقا للقانون رقم 45 لسنة 1966، لتؤول إليه فوائض إيرادات القطاع العام والأموال المتجمعة فى أوعية ادخارية مختلفة والقروض الأجنبية والمحلية وتوجيهها لتمويل الاستخدامات الاستثمارية، وسد العجز الجارى لموازنتى الخدمات والأعمال مقابل فائدة سنوية 4.5%، وبعد ذلك صدر القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة والذى نص فى مادته رقم (21) على إنشاء صندوق استثمار الودائع والتأمينات كبديل عن صندوق الاستثمار، على أن تكون له الشخصية الاعتبارية المستقلة ويرأسه وزير المالية، ويختص بتوظيف الأموال المتاحة للاستثمار من الأوعية الادخارية وهيئات الادخار والتأمينات، وبجمع الأموال وما فى حكمها، ما عدا الودائع الادخارية لدى البنوك. ثم صدر القرار الجمهورى رقم 1743 لسنة 1974 والذى اعتبر صندوق استثمار الودائع والتأمينات هيئة عامة يديرها مجلس إدارة برئاسة وزير المالية على أن يستثمر هذه الأموال فى تمويل المشروعات الاقتصادية وإقراض الجهات الداخلة فى الموازنة العامة للدولة.
واستمر صندوق استثمار الودائع والتأمينات فى أداء مهامه إلى أن صدر القانون رقم 119 لسنة 1980 بإنشاء بنك الاستثمار القومى، والذى آل إليه رصيد هذا الصندوق والبالغ 3848 مليون جنيه فى ذلك الوقت، وبدأ نشاطه اعتبارا من السنة المالية 1980/1981.
وطوال هذه الفترة لم تتمكن صناديق التأمينات من الاستفادة بعوائد استثمار أموالها لدى بنك الاستثمار القومى، وبالتالى عجزت عن توفير التمويل اللازم لسداد الفجوة بين الاشتراكات والالتزامات المستحقة عليها، خاصة مع التزايد المستمر فى الثانية وازدياد الفجوة بينهما، الامر الذى أدى الى تدخل الخزانة العامة لتغطيتها. وهو ماأدى الى العديد من المشكلات، لذا قررت الدولة فك التشابكات المالية بين الصناديق والخزانة العامة وفى هذا السياق تم تحويل جانب كبير من مديونية بنك الاستثمار القومى تجاه الصناديق والتى أعيد إقراضها لأجهزة الموازنة العامة إلى وزارة المالية مباشرة بلغت قيمتها نحو 204 مليارات جنيه فى نهاية يونيو 2011 مقابل إصدار صك بكامل قيمة المبلغ وبمعدل فائدة 8%، والالتزام بسداد الفوائد المستحقة عليه والتى قدرت بنحو 16 مليار جنيه سنويا وعلى دفعات شهرية،مما أنعش الصناديق ووفر لها السيولة اللازمة بعد حرمان طويل. وبحيث تقوم الحكومة باقتراض أى فوائض قد تتولد لدى الصناديق فى صورة سندات جديدة على الخزانة العامة.
وجدير بالذكر انه وفى عام 2004 صدر القانون رقم 88 والقاضى بتحميل الخزانة العامة، بالعبء الفعلى للزيادة فى الحقوق التأمينية الناجمة عن ضم العلاوات الخاصة إلى الأجر الأساسى خلال الفترة من 1/7/1992 حتى 30/6/2004، وهو ما يؤدى إلى تخفيف عبء المديونية المستحقة على الخزانة العامة حيث كانت القوانين السابقة تقضى بمحاسبة الخزانة العامة، على أساس القيمة الرأسمالية لهذه الزيادات لمدد مستقبلية كبيرة. وبمقتضى هذا التعديل تتم المحاسبة على أساس العبء الفعلى للزيادة دون أن ينتقص ذلك من المزايا التأمينية للمؤمن عليهم وأصحاب المعاشات. وعلى الجانب الآخر، تحملت صناديق التأمينات الزيادة السنوية التى قُررت لأصحاب المعاشات بدءا من الأول من يوليو 2005 لأول مرة فى تاريخها بعد أن ظلت الخزانة العامة للدولة تتحمل قيمة هذه الزيادات السنوية، منذ أن قُررت فى عام 1987. حيث صدرت القرارات الجمهورية ارقام 176 لسنة 2005 و160 لسنة 2006 و169 لسنة 2007 و147 لسنة 2009 والتى تنص على ان تتحمل الصناديق هذه الزيادات، مع ملاحظة ان هذا الوضع لم ينطبق على علاوة عام 2008، حيث نص القانون رقم 114 على ان تتحمل الخزانة العامة هذه الزيادات. ولكن هذه العملية أثرت على حجم السيولة النقدية المتوافرة لدى الصندوقين، والاهم من ذلك ان هذه القرارات تخالف المادة 148 من قانون التأمينات الاجتماعية رقم 79 لسنة 1957 والتى تنص على ان الصناديق تتحمل فقط الحقوق التى تتقرر طبقا لأحكام هذا القانون أما القوانين الأخرى أو القرارات فإن الخزانة العامة هى التى تلتزم بها، ولذلك تم العدول عن هذه المسألة.
من المعروف أن النظم التأمينية تقوم أساسا على فكرة التوازن بين الاشتراكات وما يتولد عنها من عوائد استثمار، وبين ما يستحق من معاشات فى حالة بلوغ سن المعاش او فى حالات العجز أو الوفاة. ويؤدى التراجع فى الاشتراكات إلى المزيد من الضغوط على الخزانة العامة. خاصة انه فى ظل أحكام القانون الحالى يتحمل صندوقا التأمين الاجتماعى بالمعاشات جميع المزايا التأمينية الأخرى التى يقررها القانون، وذلك فى ضوء الاشتراكات التى يدفعها المؤمن عليهم واصحاب الأعمال، وأما ما يزيد على تلك التى يقررها القانون وتقررها قوانين أخرى فتتحمل بها الخزانة العامة،حيث إنها مزايا ليست لها موارد. ومما زاد من تعقيد المشكلة ان النظام الحالى يقوم فى حساب المعاش على عدد سنوات الخدمة وراتب المستفيد فى السنوات الأخيرة، اى عدم الاستناد إلى المدخرات الفعلية التى أسهم بها الأفراد. وبناء على ذلك تتحمل الخزانة العامة جميع الزيادات والمزايا السنوية التى تقررها الحكومة لأصحاب المعاشات والمستحقين عنهم منذ صدور قوانين المعاشات المختلفة وحتى الآن.
وبالتالى فان التزامات الخزانة العامة تجاه صناديق التأمينات تتم بموجب أطر قانونية منظمة سواء القانون رقم 79 لسنة 1975 وهى عبارة عن مساهمة فى تمويل الشيخوخة والعجز والوفاة، وبمقتضى ذلك تقوم الخزانة العامة بدفع 15% من الأجور الأساسية والمتغيرة للعاملين بالحكومة، تمثل حصتها كصاحب عمل فى التأمين ضد الشيخوخة والعجز والوفاة، كما تدفع 3 % من الأجور الأساسية والمتغيرة للتأمين ضد المرض، بالإضافة إلى 1 % من الأجور الأساسية والمتغيرة إصابة عمل لجميع العاملين فى الدولة، وبالتالى تبلغ حصتها 19 % من الأجور الأساسية والمتغيرة، هذا بخلاف 2 % حصتها كصاحب عمل فى نظام المكافأة للعاملين بالحكومة عن الأجر الأساسى فقط. وكذلك القيمة الرأسمالية للحقوق التأمينية التى تؤديها الهيئة نيابة عن الخزانة العامة، فضلا عن الزيادات الصادرة بقوانين او قرارات خاصة بخلاف الحقوق المقررة بقانون التأمين الاجتماعى، يضاف الى ذلك مساهمة الخزانة العامة فى تكلفة ضم العلاوات الخاصة الى الأجر الأساسى (طبقا للقوانين الصادرة فى هذا الشأن) والعجز الاكتوارى الناتج عن فحص المركز المالى للصندوقين وبعض الموضوعات الأخرى.
وهكذا تزداد نسبة مساهمة الخزانة فى دعم موارد التأمين الاجتماعى وهى فى تزايد مستمر نظرا لزيادة أعداد العاملين بالدولة وأجورهم. وبالتالى أصبحت الدولة تدعم وتسهم فى المعاشات بنسبة تصل الى 65 % من موارد الصندوقين وتلقى بأعباء ثقيلة على الخزانة العامة.
حيث وصلت أعباء المعاشات التى تتحملها الخزانة العامة إلى نحو 52 مليار جنيه فى العام المالى 2017/2018 بالإضافة الى ما تتحمله الخزانة فى موارد صندوقى التأمين الاجتماعى كصاحب عمل. وفى حالة وجود مستحقات تتم مراجعتها وجدولتها وفقا لما يتم الاتفاق عليه بين وزارة المالية والتأمينات. ونظرا لان الزيادة السنوية تحسب على أساس تراكمى بالإضافة إلى تكاليف ضم العلاوات الاجتماعية إلى الأجر الأساسى عند خروج العامل إلى المعاش بطريقة اكتوارية، كلها أمور تؤدى إلى تحمل الدولة أعباء مالية لا يتحملها الصندوقان. ما يعنى ببساطة شديدة ان من كل مائة جنيه يحصل عليها صاحب المعاش هناك 65 جنيها من الخزانة العامة. وبعبارة اخرى فإن القيمة الأكبر فى المعاشات لا تخضع للحسابات الاكتوارية لصناديق التأمينات.
عموما فقد أصبح النظام القائم متشابكا، حيث تقوم الخزانة العامة للدولة بالمساهمة فى نظام التأمينات والمعاشات. كما يقوم النظام التأمينى بإقراض الفائض لديه إلى بنك الاستثمار القومى بعائد بلغ 11 % سنويا فى الوقت الراهن. ويقوم بنك الاستثمار القومى بإقراض هذه الأموال مرة أخرى لتمويل الاستثمارات العامة.
وهنا يتعين الوقوف على حقيقة الدور الذى يلعبه بنك الاستثمار القومى فى المجتمع، إذ إنه ووفقا للمادة الثانية من قانون إنشائه «يقوم البنك بتمويل جميع المشروعات المدرجة فى الخطة العامة للدولة، وذلك عن طريق الإسهام فى رؤوس أموال تلك المشروعات أو عن طريق مدها بالقروض أو غير ذلك من الوسائل». وهكذا ووفقا لأحكام القانون المنظم لعمل البنك، فقد قام بنك الاستثمار القومى باستخدام فائض أموال كل من صندوقى التأمين والمعاشات، بالإضافة إلى حصيلة صندوق توفير البريد وشهادات الاستثمار فى تمويل الأغراض التنموية بالبلاد، وتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للدولة عن طريق تحسين البنية الأساسية والمادية وتوفير البيئة المناسبة لانطلاق العملية الإنتاجية.
وقام بنك الاستثمار القومى بتوظيف الأموال المودعة لديه فى تمويل الاستثمارات الواردة فى خطة الدولة وفى العديد من مشروعات البنية الأساسية من طرق وكبارى وصرف صحى وخلافه. فضلا عن تمويل مشروعات خدمية وإنتاجية وتوفير القروض الميسرة لمشروعات استصلاح الأراضى والإسكان الاقتصادى، والمساهمة فى رؤوس أموال العديد من الشركات الاستراتيجية المهمة، ناهيك عن تمويل الهيئات الاقتصادية، والمشروعات التصديرية ومشروعات المناطق الصناعية.
وتكمن المشكلة الأساسية فى كون هذه المشروعات إما أنها لا تدر عائدا ماليا يتناسب مع المنفق عليها، أو أنها لا تدر أى عائد مالى على الإطلاق، رغم أهميتها الاقتصادية أو الاجتماعية. حيث يلتزم بنك الاستثمار فى أحوال كثيرة بتمويل مشروعات غير ذات مردود مالى، رغم ارتفاع العائد الاجتماعى والاقتصادى لها، مما يزيد من تكلفة القروض التى يتحملها بها والذى يحملها بدوره إلى الخزانة العامة للدولة. وهذا أمر طبيعى ومنطقى ومرغوب فيه أيضا نظرا لما يعنيه من تزايد فى استخدام المدخرات المحلية طويلة الأجل لتمويل الاستثمارات العامة للدولة. وبمعنى آخر، فإن التمويل الأفضل للاستثمارات يجب أن يأتى أساسا من مدخرات المجتمع طويلة الأجل، وهى بالأساس ودائع صناديق الادخار والمعاشات بالإضافة إلى الودائع طويلة الأجل لدى الجهاز المصرفى. أما الموارد السيادية والجارية للدولة والمتمثلة فى الضرائب والجمارك والإيرادات السيادية الأخرى وغيرها فهى تقوم بالأساس بتمويل الإنفاق الجارى فى الموازنة،والمتمثل فى الأجور والدعم وأعباء المعاشات ومستلزمات التشغيل والصيانة...الخ.
من هنا كان من الضرورى أن يضطلع بنك الاستثمار بدوره الاستثمارى ولكن بطريقة اقتصادية تضمن له الحصول على عائد مربح، وتمكنه من سداد الديون المستحقة عليه لهذه الأوعية الادخارية، وهو الأمر الذى لا يمكن تحقيقه فى ظل استمرار مسئولية البنك عن تمويل مشروعات استثمارية غير ذات عائد مالى مناسب، إما بسبب العقبات التى صادفت بعض المشروعات فى التنفيذ، وإما لأن هذه المشروعات جاءت فى إطار التوجهات التنموية للبلاد.
وهنا يصبح التساؤل هل يتم ذلك على حساب أموال التأمينات والمعاشات أم لا؟ وقبل الإجابة على هذا التساؤل نشير إلى أن الاستثمارات المالية لأموال التأمينات قد بلغت 582 مليار جنيه فى نهاية العام المالى 2017/2018، منها 193 مليارا تخص صندوق العاملين بالقطاعين العام والخاص و389 مليارا تخص الصندوق الحكومى منها 347 مليارا صكوكا على الخزانة ونحو 57 مليارا طرف بنك الاستثمار القومى فضلا عن نحو 138 مليارا استثمارا فى الاذون والسندات
مع ملاحظة أن مجلس إدارة بنك الاستثمار القومى قد وافق، منذ عام 1998، على قيام صندوقى التأمينات بالاستثمار الحر فى حدود 25% من الاحتياطات النقدية السنوية، ولذلك صدر القرار الوزارى رقم 8 لسنة 1998، والذى تكونت بمقتضاه اللجنة الفنية للاستثمار لصياغة السياسة الاستثمارية لهذه الأموال، ثم صدر القانون رقم 57 لسنة 1998 والذى أنشا اللجنة العليا لاستثمار هذه الأموال برئاسة الوزير المعنى بالتأمينات الاجتماعية.
وفى هذا السياق يصبح من الضرورى البحث عن أفضل السبل لتنويع مصادر استثمار الأموال الاحتياطية للنظام، خاصة أن الخبرات الدولية أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن إدارة الأموال فى ظل نظام التمويل الكامل تعد من العمليات المعقدة والتى تحتاج إلى الكثير من المهارات الاقتصادية والمالية، وليس فقط الحسابات الاكتوارية. وأمام ضخامة هذه الأموال غالبا ما تتدخل الحكومات فى إدارتها بغية تحقيق أفضل عائد ممكن يضمن لها الفاعلية والحفاظ على قيمتها، وهى أمور بالغة الأهمية. وتظل المشكلة الأساسية تكمن فى عدم قدرة النظام بوضعه الحالى، على تمويل المزايا الممنوحة على المديين المتوسط والطويل، بالإضافة إلى تنامى العجز السنوى لصناديق التأمينات وتزايد الالتزامات عليها، وكلها أمور أدت إلى زيادة الأعباء على الخزانة العامة، ومن ثم زيادة الدين العام وتحميل الأجيال المستقبلية لمزايا الأجيال الحالية، فضلا عن محاباته لأصحاب الدخول المرتفعة على حساب غيرهم. كما أن ارتفاع نسب الاشتراكات أدى إلى زيادة التهرب من النظام، ناهيك عن تشوه التشريعات التأمينية نتيجة كثرة التعديلات التى أدخلت عليها، وكلها أمور تتطلب البحث عن آليات جديدة تضمن له الاستمرار والاستقرار والأمان، ويحقق المزايا التأمينية القائمة نفسها.
من هذا المنطلق كان لابد من العمل على تحسين موارد النظام التأمينى وضمان حصول الأفراد على حقوقهم التأمينية، من هذا المنطلق يمكن اقتراح مجموعة من السياسات المتعلقة بهذه المسألة يأتى على رأسها ضرورة الاتفاق مع وزارة المالية على ادراج المخصصات المالية للصندوقين بالموازنة العامة سنويا وفقا للفعليات، وبالتالى الحد من ظاهرة الدين غير المثبت، والعمل على سداد المديونية التى تنشأ بعد ذلك بمعدل عائد يتماشى مع العائد على الأوراق الحكومية. وثانيا العمل على جدولة مديونية الخزانة على ان يصدر بها سندات على الخزانة وزيادة العائد المستحق لها بما يماثل متوسط الفائدة على اذون الخزانة بعد استبعاد الضرائب، وبما لا يقل عن معدل العائد الذى روعى عند الحساب الاكتوارى وبما يحافظ على هذه الاموال.
ثالثا ضرورة السماح لصناديق التأمينات بتملك جانب من الأصول المملوكة للخزانة العامة كمقاصة مع جانب من مديونية الخزانة العامة لبنك الاستثمار القومى عن الأموال المستخدمة من صناديق التأمين والمعاشات. على ان تظل تبعية الإشراف والإدارة على هذه الهيئات والشركات الاقتصادية للوزارات المعنية.
ومن مزايا الاقتراح المذكور وهى عديدة تحسين الموارد المالية المتاحة للتأمينات،حيث يضمن لها المساهمة فى ملكية أصول مربحة تدر عائدا ولها مستقبل اقتصادى واعد بحيث ترتفع قيمة هذه الأصول تدريجيا. كما أن عوائد استثمار هذه الشركات ستعود إلى هيئة التأمينات، بالإضافة إلى انتقال القيمة البيعية لأسهم هذه الكيانات الاقتصادية إلى صناديق التأمينات عند التصرف فيها مستقبلا.
وبمعنى آخر فانه يحول الدين من حقوق ورقية مستحقة على الخزانة العامة وبنك الاستثمار لهذه الجهات إلى أصول عينية ملموسة ورابحة. الأمر الذى يمكن هذه الصناديق من استئداء حقوقها قبل الغير ويعلى من قيمة الأصول المملوكة لها. كما انه سيؤدى إلى تدعيم المركز المالى لهذه الصناديق مما يساعدها على أداء دور قوى وفعال فى المجتمع. وهنا يرى البعض ان هيئة التأمينات لا تملك الكفاءات الإدارية التى تمكنها من حسن ادارة هذه الأصول إذا ما آلت إليها. وهذا القول مرود عليه ببساطة بأن المقترح هو نقل حقوق الملكية وليس الإدارة، إذ ستظل هذه المشروعات تدار وفقا لما هو قائم مع تطوير ما يحتاج منها إلى تطوير. وفى هذه الحالة يقتصر دور الهيئة على المشاركة فى مجالس الإدارة والجمعيات العمومية بما يتيح لها المشاركة والفاعلية فى ضمان حسن سير عمل هذه الهيئات.
وهنا نرى إن هذه الأصول يجب إن تتمتع بعدة مزايا أساسية أولاها أن تحقق عائدا مجزيا ومستمرا، وثانيتها أن يكون لها مستقبل واعد يضمن لها الحفاظ على أصولها المستثمرة، وثالثتها أن تتفق الأطراف على جدواها الاقتصادية. وهذه الشروط تنطبق على مجموعة لا بأس بها من المشروعات والشركات العامة. وهنا يمكن ان تتم هذه المبادلة بشكل تدريجى وعلى مراحل مما يساعد على تقييم التجربة لتقرير إمكانية الاستمرار فيها من عدمه. الأمر الذى من شأنه إزالة جميع الهواجس والمخاوف التى يثيرها البعض.
وعن الكيفية التى ستقيم بها الأصول التى ستتم مبادلتها؟ فمن الضرورى ان يتم عبر تشكيل لجنة مشتركة من كل من الجهاز المركزى للمحاسبات وبنك الاستثمار القومى ووزارتى المالية والتضامن والجهة المعنية بالتقييم. مع وضع جميع الشروط التى تؤدى إلى التقييم الأمثل لهذه الأصول وبما يضمن الحقوق الأساسية للأطراف المختلفة دون إجحاف أو ظلم لأى طرف من الأطراف. وبالتالى فان استبدال الديون المستحقة لهيئة التأمينات الاجتماعية بجزء من الأصول المملوكة للخزانة العامة، سوف يحقق العديد من الأهداف للأطراف الثلاثة المشاركة فى الموضوع، فصناديق التأمينات سوف تضمن المشاركة فى أصول جيدة ذات عائد مضمون. والهيئات الاقتصادية والشركات سوف تستفيد من دخول طرف ثالث فى العملية الإدارية بما يعود بالنفع عليها ويضمن لها المزيد من الفاعلية والحيوية مع تحسين اقتصادات التشغيل مما يحقق النماء والضمان لأموال التأمينات. وبعبارة أخرى فإن الاقتراح المذكور سوف يعود بالنفع على جميع القطاعات المعنية ويضمن الحفاظ على أموال التأمينات بالصورة التى تحقق منفعة المؤمن عليهم واصحاب المعاشات. شريطة أن يتم ذلك وفقا للشروط السابق الإشارة إليها.
كل هذه الأمور وغيرها يجب أن تتم فى إطار رؤية تنموية متكاملة ومن منظور شامل وواسع يأخذ بعين الاعتبار علاج الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد القومى، ويدفع عجلة التنمية إلى الأمام، وذلك عن طريق العمل على اعتماد النظام على ذاته وإعادة النظر فى القوانين الحالية، ودمجها جميعا فى قانون موحد للتأمينات يأخذ بعين الاعتبار علاج جميع المثالب والمشكلات فى النظام الحالى والتى ظهرت من خلال التطبيق العملى والفعلى على مدى السنوات الماضية، وبما يسمح بامتداد الحماية التأمينية إلى جميع المؤمن عليهم، والمستحقين من جميع الفئات من حيث قواعد وأسس حساب المعاش وتحديد المستحقين والمزايا الاجتماعية الأخرى، وهو ما يتطلب بناء صحيحا ومتوازنا بين الدخول والاشتراكات التأمينية والحفاظ على المزايا التأمينية المستقرة للفئات المختلفة دون انتقاص. ويتعامل مع الأجر الشامل والوظيفى وليس الأجر الأساسى، ويفتح الحد الأقصى للأجر التأمينى، وينظر إلى مجمل سنوات الاشتراك، وإنشاء كيان مسئول عن استثمار أموال التأمينات والمعاشات بما يتوافق مع الدستور. وهى أمور سوف تسهم فى تبسيط النظام والحد من البيروقراطية الحالية وتوفير الجهد والوقت. وبما يسمح بزيادة قدرة الصناديق على تحصيل الاشتراكات من المؤمن عليهم لتتناسب مع المزايا الممنوحة لهم. والعمل على تحقيق التوازن بين المزايا التأمينية التى يكفلها النظام والتكاليف المترتبة على ذلك عبر معالجة ظاهرة الاشتراك عن الحد الأدنى لأجر المشترك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.