منذ الإعلان عن بدء إعداد مشروع قانون جديد للتأمينات الاجتماعية والخبراء ينتظرون ان تشتمل نصوص المشروع علي بند لفك التشابك بين أموال التأمينات والمعاشات, وأموال وزارة المالية. كما انتظروا أيضا تطوير أساليب تمويل النظام التأميني وطرق استثمار هذه الأموال التي يملكها المؤمن عليهم ولا تعد ملكية عامة أو يمكن مصادرتها تحت أي مسمي.. أعتراضات الخبراء والمتخصصين سجلناها في هذا التحقيق: ي البداية تقول الدكتورة ماجدة شلبي استاذ الاقتصاد بجامعة بنها ان قضية نظم التأمينات الاجتماعية في مصر من أكثر القضايا الاقتصادية جدلا بين الاقتصاديين خلال السنوات الأخيرة في ظل العلاقات التشابكية بين صندوقي التأمينات الاجتماعية وبنك الاستثمار القومي والموازنة العامة للدولة, كما اثبتت الدراسات ان أغلب الحكومات تفضل الأستفادة من أموال المعاشات باعتبارها وعاء ادخاريا أقل تكلفة حيث يخضع لأسعار فائدة منخفضة نسبيا لتمويل النفقات العامة والمشروعات التنموية والتي تعد ثاني أهم مصادر التمويل الطويل الأجل بعد مدخرات البنوك, وكان مثار الجدل بين الاقتصاديين يتعلق بما يكتنف نظم التأمينات الاجتماعية من مخاطر تتعلق بترحيل الأعباء من الأجيال الحالية الي الأجيال القادمة, واعتماد الحكومة علي هذه الأموال في تمويل الفجوة التمويلية بين موارد الدولة المتاحة والإنفاق العام المطلوب لتنفيذ مشروعات الخطة, مما يمثل تهديدا كبيرا لمصالح المستفيدين والمشتركين في صناديق التأمينات الاجتماعية. كما أثير الجدل بين جمهور الاقتصاديين حول كيفية تطوير الأسلوب المتبع في تمويل النظام التأميني وأثره علي الخزانة العامة للدولة والطرق التي تستثمر بها أموال التأمينات والمعاشات سواء بأسلوب نظام الموازنة السنوية بأستخدام الاشتراكات التي تقوم الحكومة بتحصيلها من العاملين المشتركين في نظام المعاشات, وعندما تكون الأشتراكات المحصلة غير كافية لسداد ما يستحق من معاشات فإن الحكومة تتحمل عبء تغطية هذا العجز أو تلجأ لتعديل معدل الاشتراك مما قد يؤدي للتهرب من سداد الاشتراكات المستحقة. وفي أسلوب النظام المحمول بالكامل حيث يتم استثمار اشتراكات العاملين استثمارا أكفأ في أصول متنوعة لتحقيق عائد حقيقي عليها مما يجعل القيمة الحالية للأشتراكات مساوية للقيمة الحالية للمعاشات المستحقة مع عمل دراسة وافية للمناخ الاستثماري في مصر, حتي لا تتعرض أموال المؤمن عليهم لنسبة عالية من المخاطر وبذلك يكون النظام قادرا علي الأستدامة المالية في الأجل الطويل دون الحاجة لدعم حكومي مما يساهم كذلك في تطوير سوق المال. وأضافت الدكتورة ماجدة انها طرحت العديد من الأقتراحات لاصلاح وتطوير نظم التأمينات الاجتماعية في مصر وحل مشكلة العلاقة التشابكية المشار اليها من خلال تحقيق الأستقلالية للصناديق في الإدارة لأموالها ورسم سياسة استثمارية تعظيم العائد من خلال النظام الممول بالكامل أو من خلال مبادلة الديون المستحقة لصناديق التأمينات الاجتماعية بملكية عدد من الشركات والمؤسسات الأقتصادية أو توريق هذه الديون خاصة ان الأموال ليست مملوكة لشخص من أشخاص القانون العام بل هي مملوكة للمؤمن عليهم وليست منفعة عامة. الا أنه قد حسم هذه القضية والجدل لصالح الحكومة من خلال ضم صناديق التأمينات الاجتماعية لوزارة المالية بحيث تتولي وزارة المالية إدارة النظام التأميني دون عرض علي أصحاب المصلحة العامة وممثليهم في مجلس الشعب واتحاد العمال والنقابات والخبراء والمختصين. مصادرة لأموال التأمينات! الدكتور أسامة عبد الخالق استاذ الفلسفة في المحاسبة بجامعة عين شمس يري ان هناك احجافا جديدا للمواطن المصري خلال سنوات عمر هذه الحكومة ووزارة المالية, والآن بصدد قانون يعطي الحكومة حق مصادرة اموال التأمينات الاجتماعية البالغة نحو400 مليار جنيه مصري( أربعمائه مليار جنيه مصري) ليغطي عجز الحكومة عن مجاراة الواقع وعن قدرتها علي البحث عن مصادر بديلة للموارد السيادية ليس فقط لتغطية العجز المزمن والمتزايد في الموازنة العامة للدولة بل الدين العام المحلي والاجنبي. علما بأن هنا ميزتين يقابلهما عديد من العيوب: رفع سن المعاش إلي65 عاما يعد بعدا انسانيا لمن له القدره علي العمل والاحتفاظ بالمستوي المعتاد للدخل. منح إعانة بطالة أو معاش في المرحلة الانتقالية للعامل من عمل لآخر. أما العيوب في هذا القانون فكثيرة, لدرجة تعكس النيات المبيتة وراء طرحه والسعي إلي إقراره وأهمها كما يري الدكتور اسامة عبد الخالق: مصادرة أموال التأمينات برغم خصوصيتها مما يمثل إجراء غير دستوري. أن رفع سن المعاش إلي65 عاما يقلل من فرص العمل المتاحة للاجيال من الشباب ويزيد من مشكلة البطالة. طول فترة العمل حتي65 عاما يحمل العامل عبئا تأمينيا أكبر. إعانة البطالة لن يحصل عليها إلا المؤمن عليهم وهؤلاء نسبتهم ضئيلة للغاية. وجود تعتيم علي المستحقات والمزايا التي سيحصل عليها المؤمن عليه. استحدث القانون احقية المؤمن عليه في زيادة قيمة معاشه ولكن ليس عن طريق وزارة المالية بل عن طريق اللجوء لشركة تأمين خاصة تعمل بالنظم التجارية حيث تعطي معاشا أعلي ولكن مقابل اقساط أعلي ويمكن الاتفاق معها علي التوريث. محدودية قيمة وأثر الزمن لاعاله البطالة, ضمن ناحية تمنح الاعانة لمدة ستة أشهر أو الالتحاق بعمل جديد ايهما أقرب الي جانب انها تقدر بنحو60% من اجر الاشتراك مع انخفاضها شهريا بنسبة4%, ولما كان هناك اختلاف كبير بين أجر التأمينات وبين أجر التعاقد الفعلي فمن هنا يكون للمعونة أثر ضعيف في دعم الباحث عن عمل. ويري الدكتور أسامة عبد الخالق أنه ربما وضح بذلك السبب الرئيسي في ضم وزارتي المالية ذات العجز مع وزارة التأمينات ذات الفائض في يد وزير المالية وللتخفيف من الآثار الضاره يقترح الآتي: البعد عن سرعة إقرار هذا القانون وطرحه للمناقشة علي نطاق واسع. ضرورة الافصاح والشفافية فيما يتعلق بأموال التأمينات سواء من حيث قيمتها ووضعها الحالي بمعني: هل هي الآن موجودة بالفعل أم أنها تبخرت منذ زمن والمسألة مجرد إسدال الستار عليها نتيجة استخدامها بالفعل والمضاربة بها ؟! رفع سن إعانة البطالة بما يحقق الحد الادني للحياة الآدمية للأسرة دون ربطها بأجر المؤمن عليه فالامر يحتاج إلي بعد إنساني للتعامل مع هذه الحالات. مد مدة فتح إعانه البطالة لمدة سنة أو الحصول علي عمل آخر أيهما أقرب تماشيا مع ظروف البطالة. تساؤلات وقضايا للنقاش ويتساءل محمد أبو العينين عضو مجلس الشعب عن بعض النقاط حول مشروع التأمينات منها: ما هو الوضع بالنسبة للتكاليف الادارية لفتح الحسابات النقدية واستثمارات الاموال ؟ حيث أنه في كثير من الدول تستنفد التكلفة الادارية( المتمثلة في تكلفة فتح الحسابات النقدية واستثمار الاموال وحفظ السجلات والاتصال باستمرار بالعاملين أصحاب الحسابات والتسويق لجذب الافراد من خلال الاعلان مثلا) نسبة كبيرة للغاية من معدل العائد علي الاموال المستثمرة في الحساب النقدي ولهذا يجب تحديد هذه التكلفة بنسبة معينة, فهي شيلي مثلا علي الرغم من نمو الاشتراكات بمعدل عائد سنوي حقيقي10,29% إلا أن الرسوم الادارية استنفدت اكثر من خمس الرصيد المتراكم. ما هو الوضع بالنسبة لمن يبتعد عن سوق العمل لفترة محدودة مثل رعاية الأم لأطفالها أو البطالة ؟ فهل يمكن أن تتحمل الدولة نيابة عنهم الاشتراكات المستحقة عليهم في حساباتهم الدفترية خلال هذه الفترة ؟ وذلك اسوة بالعديد من الدول مثل السويد وبولندا. ما هي المزايا التي سيقدمها هذا النظام الجديد لتحفيز المشتركين علي الدخول فيه ؟ حيث تشير بعض التجارب لتقديم حوافز للمشتركين مثل حصولهم علي قروض ميسرة لتمويل شراء مسكن أو تعليم الابناء. ويضيف ابو العينين أن استراتيجية تطوير صناديق الاستثمار الخاصة في مصر ترتكز علي ثلاثة محاور رئيسية هي: الاصلاح التشريعي من خلال إعداد مشروع قانون جديد للإشراف والرقابة علي صناديق التأمين الخاصة والمعاشات الاختيارية لأن القانون الحالي لايضمن تعريفات واضحة ولايفرق بين النظم المختلفة لصناديق التأمين, كما لايوجد به نص يلزم جهة العمل بسداد مساهماتها في اشتراكات الصندوق. رفع كفاءة الصناديق فنيا واداريا وذلك عن طريق تدريب وتأهيل الكوادر الادارية والفنية وتنظيم دورات تدريبية للقائمين علي ادارة الصناديق, ورفع كفاءة العمل والمعلومات. والتوعية واستقطاب الصناديق غير المسجلة لمظلة الاشراف والرقابة وذلك عن طريق إصدار نشرات تثقيفية عن أهمية صناديق التأمين الخاصة والمزايا التي تقدمها للمشتركين وتعميم هذه النشرات علي الجهات التي ليس لديها صندوق خاص, عقد الندوات للترويج لهذه الصناديق. آلية لزيادة المعاشات سنويا لمواجهة نسب التضخم وسياسات استهدفت التضخم حيث تعد إحدي الآليات لا تحافظ علي القيم الحقيقية للمعاش هي ربط المعاشات بالتضخم, بالاضافة إلي تطبيق سياسة نقدية تستهدف معدلا منخفضا للتضخم حتي يمكن السيطرة علي الاسعار وحتي لا يتحمل المواطن عبء تمويل زيادة المعاشات من حسابه الشخصي. وتقترح الدكتورة ماجدة شلبي عدة نقاط يجب ان يشتمل عليها القانون منها: تخفيض الأعباء المالية علي الخزانة العامة للدولة بالاستفادة من تجارب بعض الدول والتحول نحو النظام الممول بالكامل باشتراكات محددة تودع في حسابات شخصية للأفراد المشتركين وبحيث تتولي شركات خاصة إدارة أموال المعاشات وهو ما يمكن تطبيقه في ظل القانون الجديد خاصة مع التحسن في معدلات توقع الحياة. علاج مشكلة ارتفاع معدلات الاشتراكات والتهرب التأميني حيث يعتبر نظام التأمين الاجتماعي الحالي من أغلي نظم التأمين في العالم بالنسبة للعاملين وأصحاب الأعمال كما يعاني هذا النظام كذلك من مشكلة ارتفاع معدل الاشتراكات بشكل لا يتناسب مع قيمة المعاش المصروف عند التقاعد مما يؤدي إلي تزايد حالات التهرب الجزئي أو الكلي من سداد الاشتراكات. رفع الكفاءة الاقتصادية وربط المعاش بالتغير في توقع الحياة: حيث يجب تحديد قيمة المعاش بطريقة الاشتراكات المحددة من خلال الحساب الشخصي والتكافلي بالقدر الذي يحقق التناسب بين الاشتراكات التي يسددها الأفراد والمعاشات التي يحصلون عليها, مما يحفزهم علي المزيد من العمل والادخار والاستثمار مع مراعاة أن يتم ربط المعاش بالتغير في توقع الحياة ومعدل نمو الناتج. تحقيق قدر أكبر من العدالة في توزيع الدخول باستمرار دور الدولة في إعادة توزيع الدخول لتحقيق التكافل الاجتماعي. حيث يظل دائما للدولة الدور الرئيسي في إعادة التوزيع وتوفير حد أدني من المعاش لمن لا معاش له مع دمج العمالة غير المنظمة في نظام المعاش الأساسي. تعزيز قدرة النظام علي الاستدامة المالية في الأجل الطويل باعتماد أسلوب التمويل علي النظام الممول بالكامل باشتراكات محددة تودع في الحساب الشخصي علي أن تديره شركات خاصة أو صناديق الاستثمار وأن يتم استثمار أموال المعاشات في أصول أكثر تنوعا والعمل علي تعظيم العائد عليها بأقل قدر ممكن من المخاطر. إدارة النظام التأميني من خلال عودة وزارة التأمينيات الاجتماعية لتصبح لها سلطة ادارة النظام وتوظيف المال الاحتياطي: إجراء تعديلات تشريعية لقانون بنك الاستثمار القومي لسنة1980 تعزز قدرة الحكومة علي الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين. تطبيق قواعد الرقابة الصارمة والمشددة لضمان عدم المغالاة في المخاطرة بأموال المعاشات وأهمية وضع ضوابط للرقابة الصارمة علي الشركات أو الجهات أو الصناديق التي ستتولي إدارة أموال صناديق المعاشات بالاعتماد علي معايير الأداء والربحية خاصة, أن الاتجاه نحو الاستثمار في الأوراق الحكومية فقط يحقق عوائد منخفضة ويحول دون تنمية وتطوير سوق رأس المال.