انخرطت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في رواية إدانة الفلسطينيين وأعلنت أنه لا يمكن الوثوق بهم، لأنهم ملتزمون بتدمير إسرائيل. وهناك عدد متزايد من الإسرائيليين مقتنعون تماما بهذه الرواية العدائية. وهو ما أدي إلي انتشار حالة من الرضا العام واللامبالاة في الشارع الإسرائيلي تجاه موضوع السلام مع الفلسطينيين. وحتي أحزاب المعارضة التي كانت تدعو إلي السلام أصبحت مترددة في التحدث عن الحاجة لإنهاء الاحتلال خوفا من وصفها بالخيانة. وأصبح الخطاب الأمني والعسكري المتشدد تجاه الفلسطينيين هو المسيطر، لدرجة انه لم يستطع أي من الأحزاب والشخصيات السياسية الأخري أصحاب التوجهات العلمانية الديمقراطية والاجتماعية، مثل حزب «يوجد مستقبل» بزعامة يائير لبيد، وكذلك موشي كحلون وغيرهما، مجاراة الخطاب الأمني المهيمن علي المشهد الانتخابي الإسرائيلي. وبينما يواجه نيتانياهو اتهامات تتعلق بتقصيره في الحفاظ علي أمن اسرائيل، بسبب تصاعد الهجمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، الا أن نيتانياهو في المقابل يعرف سيكولوجية الإسرائيليين جيدا، ولذلك فانه يركز علي الأمن علي حساب القضايا الاجتماعية والاقتصادية، من خلال تعظيم التهديدات الأمنية علي جميع حدود اسرائيل لصالح حملته من أجل البقاء، سواء الحدود مع لبنان وسوريا أو في الضفة الغربية وقطاع غزة ، حيث يدفع نيتانياهو الإسرائيليين باتجاه التصويت لصالح الأمن. كما تم توظيف ملف القدس في الانتخابات الإسرائيلية، فالتطرف سيكون سيد الموقف. وانطلقت الوعود، وارتفعت التوقعات، فلا مجال للمنطق في نقاش انتخابي . نيتانياهو وحزبه يذكّران جمهور الناخبين بإنجاز نقل السفارة الأمريكية إلي القدس، ويضيفان إليه مزيدا من الوعود بإنجازات تتجاوز كل التفاهمات السياسية ومنطق التسوية. العداء لعرب 48 اصبحت الانتخابات فرصة للتنفيس عن الكراهية للعرب والفلسطينيين وأداة لحصد الاصوات. وقبل الانتخابات لجأ نيتانياهو إلي الشعبوية اليمينية التي تصل إلي حد وصم وشيطنة عرب إسرائيل «فلسطينيي 48» لتوسيع قاعدة مؤيديه. ويمثل عرب إسرائيل نحو 17.5 بالمائة من سكان إسرائيل. قال نيتانياهو، إن إسرائيل «ليست دولة لجميع مواطنيها» ويقصد بذلك عرب إسرائيل. وكتب علي موقع انستجرام «طبقا لقانون الجنسية الاساسي الذي أقره الكنيست، فإن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي وحده». فما الذي سيؤدي له هذا التحريض علي الأرض وفي الشوارع ضد العرب؟ وفي مثال علي انتهازية نيتانياهو، يشير المراقبون إلي اتفاق أبرمه مع «حزب القوة اليهودية» اليميني المتطرف، الذي يعتبره كثيرون عنصريا، سعيا لتسهيل طريقه لدخول البرلمان. ومالت السياسة الاسرائيلية بشكل حاد إلي اليمين في السنوات القليلة الماضية، في وقت يشعر فيه العديد من الناخبين بخيبة الأمل إزاء فشل محاولات السلام مع الفلسطينيين. مما انعكس علي الملعب الانتخابي العربي وسادت حالة اللامبالاة بصورة كبيرة، وهناك تخوفات من احتمالات انعكاس ذلك علي عدم تجاوز إحدي القوائم ، خاصة تحالف الحركة الإسلامية والتجمع الديمقراطي، الذي يعلي من خطاب آخر بإظهار نيتانياهو يطيح بأمن بلاده ويعمق مشاعر العداء لها، بسبب رعونته في التعامل مع الأمن، فهو يؤلب شعوب العالم العربي والإسلامي والشعوب المحبة للسلام ضد إسرائيل، ويظهر إسرائيل دولة دينية متطرفة بات اليمين فيها صاحب الكلمة العليا .. ولكن هذا الخطاب لا يحدث أثرا في الخريطة الانتخابية المتشددة. اختفاء الوسط السياسات الامريكية المنفلتة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن تخدم مشاريع التسوية في المنطقة، وانما ستعزز من حالة الكراهية وفقدان الأمل وستدفع باتجاه العنف في المنطقة ، خاصة ان ترامب قام بعقد صفقة تجارية مع نيتانياهو قام بموجبها بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وانهي قضية اللاجئين واعترف بالجولان أرضا اسرائيلية، قبل أن يقوم بإلزام نيتانياهو بأي التزامات، ويعتقد ترامب أن بإمكانه ان ينهي الحلم الفلسطيني بالإعلان عن إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة وحكم ذاتي للتجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية مع بعض التسهيلات الاقتصادية الإنسانية. متوافقا في تلك التوجهات مع أطروحات اليمين الاسرائيلي ، محاولا فرض أجندة دولية جديدة. فأصبح لا يوجد تيار وسط في إسرائيل، لأن كل الأحزاب تتوزع ما بين اليمين واليسار. وهذا يمكن رؤيته في مواقف الأحزاب تجاه قضايا الهوية، والمسألة الاقتصادية الاجتماعية، والسياسية الأمنية. ولا يوجد في كل الأحزاب مواقف وسط في هذه الملفات الثلاثة. فمثلا حزب «كلنا» بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، هو حزب يميني واضح ويتمسك بمقولة «لا يوجد شريك» فلسطيني، ويتمسك بنظرة اقتصادية نيوليبرالية، تؤيد سياسة دعم الشرائح الفقيرة. ومن حيث الهوية فهو يؤيد قانون القومية، علي حساب المساواة العامة وعلي حساب حقوق الأقليات. في المقابل فإن حزب «يوجد مستقبل»، وعلي الرغم من تصريحات يائير لبيد، قاد خلال مشاركته في حكومة نيتانياهو 2013- 2015، سياسة اقتصادية يسارية، أيدت تدخل الدولة لمصلحة المستشفيات الحكومية، وجهاز التعليم العام، والعدل الاجتماعي، إلي جانب دعم موقف العودة الفورية إلي طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين والدول العربية، أما من ناحية الهوية فقد اعترض علي قانون القومية، وقاد وجهة نظر إسرائيلية، وليست إثنية دينية.