بإمكان المدرسة أن تغير المجتمع إلي حد معين, وهذا عمل تعجز عنه سائر المؤسسات الاجتماعية الأخري, مقولة لجون ديوي الفيلسوف التربوي وهو يشير إلي أهمية الدور التي تلعبه المدرسة كمؤسسة تربوية في تشكيل وإعداد أجيال المستقبل والذي يؤدي بالتبعية إلي تغيير المجتمع. فالمدرسة في الاتجاهات التربوية الحديثة يجب أن تقوم بدورها في بناء السمات الشخصية وأشكال الوعي وبناء الأفراد وإكسابهم سلوك وقيم وعادات وتنمية اتجاهات مشتركة وتفكير مشترك وتوجيه التلاميذ للأدوار الاجتماعية في المستقبل وهذا ما يسهم في تشكيل الشخصية المتكاملة القادرة علي بناء المستقبل وإحداث التغيير. والسؤال المهم هنا يتعلق بمدي امتلاك مدارسنا القدرة علي التغيير. فالمدرسة كمؤسسة تربوية منوط بها إعداد أجيال المستقبل يجب أن تتوافر بها مبان مناسبة وتجهيزات ومعامل ومكتبات وملاعب, وهذا لا يمثل سوي 30% من متطلبات العملية التعليمية, لأن أهم ما تحتاجه المؤسسات التعليمية هو توافر المناخ المدرسي المناسب والبيئة المربية, التي تتمثل فيما تحتويه من إجراءات رسمية وقواعد للعمل وتنظيم الفصول وطرق التدريس والأنشطة المختلفة, وأداء المدرسين والأشكال الجمالية بالمدرسة, حيث يؤثر هذا المناخ التربوي والثقافي في حياة التلاميذ وثقافتهم مما ينعكس بشكل تلقائي علي شخصية الإفراد وهذا ما يطلق عليه التربويون المنهج الخفي الذي يشمل كل تفاصيل الحياة المدرسية وهذا المنهج هو المسئول الأول عن تشكيل شخصية الأفراد وليس المقررات الدراسية التي يدرسها الطلاب ولا الكتب المكدسة علي أرفف المكتبات, فالتفاعل الذي يتم بين الإدارة المدرسية والمعلمين وسلوكهم وتفاعلهم مع الطلاب هو ما نطلق عليه بيئة مربية, ويتم تهيئة هذا المناخ التربوي المناسب عن طريق أولا: بتوافر الإدارة المدرسية الجيدة التي تعتبر أهم أركان النظام التعليمي فهي المسئولة عن رسم وتخطيط البرامج الدراسية وتوفير الوسائل المعينة علي التدريس وتهيئة الجو العام في المدرسة, فالإدارة الجيدة قادرة علي الاستثمار الأمثل للموارد المادية والبشرية في المدرسة وليس تسييرا روتينيا لأمور المدرسة أو المحافظة علي النظام والتأكد من سير الدراسة والمنهج وفق الجدول. وثانيا: المعلم فمهما تعددت مظاهر وشواهد التطوير المدرسي في المناهج والمباني المدرسية والتجهيزات والمعامل والوسائل التعليمية فإنها ستظل معطلة ما لم يتم تهيئة المعلم بما يتناسب وهذه الاستعدادات وترجمتها إلي ناتج ايجابي, فقد تكون هناك مدارس مجهزة علي أعلي مستوي وتتوافر بها جميع الإمكانات ولكن لا يوجد معلمون مدربون علي استخدام هذه الأجهزة. السؤال الآن ما هي قدرة مدارسنا علي تحقيق أهدافها؟ لقد فقدت المدرسة كمؤسسة تعليمية وتربوية جميع أدوارها ولم تعد قادرة علي تحقيق أكثر الأهداف بساطة وهو تنمية مهارات الطلاب, فحين أنفقت ملايين الدولارات التي تأتي كمعونة للتعليم علي مؤتمرات وتطوير المناهج وتعديل الثانوية العامة ومشروعات غير مجدية أو مؤثرة علي المدارس, لم يوجد اهتمام بالمعلم سواء من النواحي المادية أو العلمية ولا يوجد اهتمام بتوفير الإدارة المدرسية الجيدة, وكثير من المدارس تفتقر إلي أساسيات قيام العملية التعليمية, حيث تفتقر إلي الأثاث والحمامات والمياه النظيفة والملاعب والآلات الموسيقية والمعلمين المؤهلين والاخصائين المدربين والرعاية الصحية. ما يزعجني حقا أنه علي رغم قيام الثورة والإشارة إلي أهمية التعليم والدور الذي يمكن أن يقوم به, فإن هذه الثورة لم تمس التعليم إلا مسا شكليا سطحيا, وما زال اختيار المدرسين يتم بطريقه روتينية ومازال المعلمون غاضبين والقائمون علي التعليم يبحثون في تطوير المناهج وحذف وإضافة بعض الموضوعات وتغيير وتعديل نظام الثانوية العامة وإنفاق الأموال علي تشكيل لجان لدراسة المشكلات والاستعانة بالمستشارين. أما المؤسسات التعليمية التي تمثل البوتقة التي تنصهر فيها جميع عناصر النظام التعليمي فلا تقع في مجال الاهتمام. فهل يدرك القائمون علي العملية التعليمية أن تطوير التعليم يبدأ من المدرسة ؟ المزيد من مقالات د. بثية عبد الرؤوف