أنا ابن وحيد لأسرة متوسطة مكونة من أب وأم وأختين صغراهما متزوجة والكبرى لم تتزوج حتى الآن، بالإضافة لي, ولا تظن لأننى الابن الأوحد أننى كنت مدللا. ولكن كان حرص والدىّ علىّ زائدا عن اللزوم وكانت تعليماتهما: لا تصاحب فلانا ولا تسهر ولا تخرج ولا تذهب إلى مدرسة بعيدة عن البيت والأفضل لك دخول كلية معينة, ولكنى تمردت ودخلت كلية أخرى غير التى اختاراها لي. وكانت مشكلتى الثانية أننى تربيت وسط بنات فأنا الأخ الأكبر وابن الخال الأوحد والمطلوب منى حماية كل بنات العائلة وعدم التفكير فى حب إحداهن, لأننى فقط أخ أكبر ولا أعيب كثيرا على والدى فى ذلك حيث أحسن تربيتى دينيا وخلقيا ولكننى كنت أحتاج إلى مزيد من الحرية والانطلاق والاعتماد على النفس.. وأما المشكلة الثالثة فهى مرض والدى واحتياجه لى رحمة الله عليه للرعاية ولم أقصر معه وأديت واجبى نحوه ولو احتاج إلى أكثر من ذلك لفعلت, وقد تزوجت فى أثناء فترة مرضه التى بلغت نحو سبع سنوات ولم تقصر زوجتى معه أو مع أهلى فى تلك الفترة إلا فى القليل والذى لم يكن مؤثرا فى أى شىء, ولكن فى نظر أختى وأمى كان هناك تقصير كبير, وتبين لى أن زوجتى انطوائية إلى حد ما وتفضل أهلها لأبعد الحدود ولا تستطيع الاندماج بسهولة مع من حولها مما جعلها عرضة لانتقاداتهم, وحاولت منذ اليوم الأول لزواجنا التقريب بين وجهات نظر أهلى وزوجتى لإدخال مزيد من روح التعاون والمودة بينهم وقد توفى أبى، وتفاقمت المشكلات أكثر وأكثر, وهذا كله لأننى وحيد وزاد الاعتماد علىّ بصورة رهيبة ولم أشك أو أتذمر, واعتبرنى أهلى ملكا خالصا لهم وحدهم, أى أننى لا يجوز لى أن أخرج مع زوجتى وأولادى بدونهم أو على الأقل بدون علمهم, كما لا يمكننى الخروج مع أهل زوجتى وإذا حدث ذلك صبوا لعناتهم عليها هى وأهلها، وأنا لا أستطيع المقاومة أو النقاش خوفا من إغضاب أمى منى وعملا بقول الله عز وجل «ولا تقل لهما أف ولاتنهرهما» ولذلك كثيرا ما أضغط على زوجتى وأُحمل عليها وأطلب منها الصبر والتحمل من أجل البيت والأولاد وهى فى بعض الأحيان صابرة متحملة, وفى الكثير شاكية متضررة ومكتئبة مما يزيد الضغط علىّ من جميع الاتجاهات. ومن جانبى أحاول بشتى الطرق إرضاء جميع الأطراف حتى إن كان ذلك على حساب نفسى مما يسبب لى مشكلات نفسية وصحية ومعنوية سواء بالعمل أو بالمنزل مما جعلنى دائما مكتئبا. إن أهلى ولهم كل الاحترام يقولون ويفعلون أشياء متضاربة, فهم يريدون أن يندمج زوج أختى معهم ويرون أنه يميل أكثر إلى أهله، وإذا فعلت ذلك لامونى باندماجى مع أهل زوجتى فهم يريدوننى لهم فقط ويلومون زوج أختى ويريدون أن تندمج زوجتى معهم وتبتعد قليلا عن أهلها ويرفضون ذلك لأختى المتزوجة مما يجعلنى فى حيرة وفى وضع المقارنة المستمرة وفى وضع الملام دائما من زوجتي! هل أخطأت لمجرد الزواج؟.. فأنا لم أتزوج بمن أحب ولكنى تزوجت زواجا تقليديا بموافقة أهلى وبرغبة منى فى إدخال السعادة والبهجة إليهم برغم أننى كنت أرفض الزواج، ولكننى تزوجت لإرضائهم أيضا ولم أستطع نيل هذا الرضا حتى الآن. وهل كان علىّ أن أظل أسيرا لأسرتى إلى الأبد وأن أظل بجوارهم ولا أتحرك إلا بإذن منهم؟، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا وافقوا على زواجي؟ وهل كان على زوجتى أن تكون أسيرة وخادمة لهم ولا ترى غيرهم ولا تخرج إلا معهم؟ ثم لماذا يعارضون أختى المتزوجة إذا فعلت هذا ويعترضون على زوجها إذا لم يفعل ما يريدون؟! لقد رفضت كثيرا من فرص العمل المتميزة لأنها فى مواقع بعيدة عن أهلى حتى لا أبتعد عنهم ولا أغضبهم وأكون راعيا لهم دائما, وأنا الآن فى حيرة ولا أعرف ماذا يمكننى أن أفعل, فلقد حاولت بشتى الطرق الموازنة بين الأضلاع الثلاثة أهلى وزوجتى وأنا, فحرمت نفسى من استكمال الدراسات العليا والسفر وممارسة هواياتى والخروج مع أصدقائى بعيدا عن الأهل لتلبية رغبات الجميع.. وكل هذا لم يعجب أحدا!. إننى سئمت الزواج والأسرة والعمل والجميع, وفكرت جديا فى الهجرة أو السفر إلى مكان آخر للعمل هربا من هذه المشكلات ولكنى أتراجع فى كل مرة خوفا من غضب الله عز وجل, كما فكرت فى الطلاق لكى أريح أهلى ونفسى وزوجتي, ولكنى أيضا أخاف الله وأخاف على أبنائى من التشرد والضياع وأجدنى فى حيرة فماذا أفعل؟ ولكاتب هذه الرسالة أقول: إنها المشكلة الأزلية التى تتكرر فى معظم البيوت, وليس فى الأسر التى بها إبن وحيد فقط, ولا أدرى لماذا لا تراعى كل أم ميزان العدل فى علاقتها بابنها, وعلاقته بأهل زوجته, فهو ليس ملكا خاصا لها إلى الأبد, وعليها أن تتقبل فكرة زواجه واستقلاله بحياته, وعلى كل زوجة أن تطيع زوجها وتستمع إلى كلامه ونصائحه وأن تكون لينة فى مواقفها مع أهله لكى تحوذ ثقته وثقتهم، كما ينبغى على كل أخت ألا تكون ضرة لزوجة أخيها, وعلى كل زوج أن يفكر ألف مرة فى المواقف والأحداث التى تواجهه قبل أن يتخذ فيها أى قرار, وباستطاعتك أن تنثر بذور الحب على أهل بيتك وأسرة زوجتك على حد سواء, وأن تراعى الخيط الرفيع فى العلاقة بين الطرفين وكما قال إبراهام لنكولن, فإن نقطة من العسل تصيد من الذباب أكثر مما يصيد برميل من العلقم, وهذا يدعونى إلى مطالبتك بأن تكون مرنا فى معالجتك الأمور حتى لا تفقد أهلك وأسرتك, وأن تفهم عقلياتهم وتستوعبها وتجعل الجميع يلتفون حولك وعليك أن تحول حالة الاحتقان إلى حب يظلل الجميع. أما زوجتك فينبغى أن تفهم الحياة كما هي, وأن تعلم أن الواجب يحتم عليها أن تكون بارة بأهل زوجها وأن تعامل حماتها كما تعامل والدتها, ففى يديها مفتاح الحل للأزمة التى عصفت بحياتك باعتبارك الإبن الوحيد, ومن الضرورى أن تتفهم الدوافع النفسية وراء إحساس والدتك الدائم بتقصيرك نحوها, وأن تتلمس رضاها بقليل من الحكمة والصبر, ومداومة زيارتها والجلوس معها وأخذ رأيها فى بعض الأمور العامة التى تكون دائما مثار حديث أفراد الأسرة مع بعضهم. وإذا كانت الأحجار العثرة تقطع الطريق أمام الضعفاء فإن الأقوياء يتخطونها ويواصلون مسيرتهم فى الحياة, ولذلك أنصحك بأن تواصل سعيك وإصرارك على مد جسور الود بين زوجتك ووالدتك, وأن تحرص على الزيارات المتبادلة مع أسرة زوج أختك وزوجتك, فهذا وحده هو الطريق إلى تليين القلوب. ولا تيأس وكن على يقين بأن الصبر مفتاح الفرج وتقرب إلى الله. وحاول قدر إمكانك رأب الصدع الذى أصاب حياتك, واعلم أن كونك الابن الوحيد يزيد من قدرتك على تحمل الشدائد والصعاب ويجعلك قويا متماسكا فى مواجهة الرياح والأعاصير التى تعصف بكل إنسان فى مختلف مراحل حياته.