كانت مصر غاضبة وحزينة فى ذلك الوقت من عام 1919، غاضبة بسبب نفى سعد زغلول، وحزينة لأنها لم تستطع أن تتوصل إلى أى نتيجة بعد الإفراج عنه ودخوله فى مفاوضات مع دولة الاحتلال. وجاء الألم الأكبر عندما قامت بريطانيا بتثبيت الحماية على مصر فى 14يوليو 1919، واعتبرت هذا اليوم عيدا، تعطلت فيه الدواوين وتبادل سلطان مصر التهنئة مع ملك بريطانيا بهذه المناسبة. وأطلقت المدافع ابتهاجا بهذا الحادث. كما يذكر حسين مؤنس فى كتابه «دراسات فى ثورة 1919». وفى هذه اللحظة ظهر الشباب الفدائى، الذى رأى أن ما يقوم به سعد زغلول ورفاقه من تفاوض لن يصل إلى نتيجة، فقام ثلاثة شباب بتكوين أول جمعية فدائية فى يوليو 1919، وهم الدكتور سيد محمد باشا، وعبدالفتاح عنايت، وعريان يوسف سعد. وذلك لتخويف الانجليز وعملائهم. وبعد أن تدربوا على صناعة القنابل قرروا أن يقوموا بعملية كبيرة يكون لها دوى، وهى عملية اغتيال رئيس الوزراء يوسف وهبة. وجاءت الفرصة عندما استقال رئيس الوزراء حسين رشدى احتجاجا على تجاهل بريطانيا مطالب سعد زغلول ورفاقه، وتصميمها على إرسال لجنة ملزمة فى نوفمبر 1919 إلى مصر للتفاهم مع الحكومة فى وضع مصر تحت الاحتلال. فى هذه اللحظة الحالكة من تاريخ مصر رفض الجميع الاشتراك أو قبول الوزارة فى ظل هذه الظروف إلا يوسف وهبة باشا الذى تقدم وقبل بتشكيل وزارة تقوم بالتوقيع على محضر تسليم مصر للإنجليز. وغضب الشعب واعتبر يوسف وهبة ووزراءه خونة، وعقدت الكنيسة المرقسية اجتماعا كبيرا تبرأت فيه من يوسف وهبة وأفعاله وطلبوا منه أن يستقيل ليوارى عاره. كما قررت الجمعية الفدائية اغتيال يوسف وهبة، وتصدى للقيام بهذا العمل الطالب القبطى عريان يوسف سعد الذى كان يدرس فى كلية الطب، حتى لا يستغل الاحتلال الحادث للوقيعة بين عنصرى الأمة. وفى صباح 15ديسمبر 1919 انتظر عريان يوسف قرب النادى الإيطالى بشارع سليمان باشا ومعه قنبلتان صناعة منزلية وكانت خطته، كما يذكر دكتور حسين مؤنس أن يلقى القنبلتين على سيارة يوسف وهبة ثم يقتل نفسه. ومرت سيارة رئيس الوزراء وألقى عريان القنبلة الأولى فالثانية، ورغم ذلك لم يصب رئيس الوزراء بأذى! وأسرع الجنود لإمساك الفدائى عريان قبل أن يقتل نفسه. وتم تقديمه للمحاكمة وحكمت عليه بالسجن 10سنوات أشغالا شاقة. وقد أفرج عن عريان عام 1924 ثم عينه سعد زغلول فى سكرتارية مجلس الشيوخ ثم انتقل للعمل بجامعة الدول العربية. وسوف يظل هذا الطالب المسيحى الفدائى رمزا من رموزنا الوطنية نحكيه لأولادنا بفخر كلما أردنا أن نستشهد على تماسك أبناء هذا الوطن ووحدته فى مواجهة جلاديه. لمزيد من مقالات محسن عبدالعزيز