يحبس الكثير من الأمريكيين أنفاسهم هذه الأيام انتظارا لصدور تقرير المحقق روبرت مولر، الذي يحقق في ادعاءات التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016. وقد ركزت تحقيقات مولر علي موضوعين، الأول هو مدي وجود تواطؤ أو تورط لترامب و شركائه في التدخل الروسي في حملة الانتخابات، أما الثاني فهو مدي إعاقة الرئيس ترامب للقانون بشأن منع التحقيقات بهذا الشأن أو التدخل فيها. وينتظر عدد من الديمقراطيين من أعضاء الكونجرس إعلان تقرير مولر لبدء إجراءات لعزل الرئيس ترامب، ويري هؤلاء أنه إذا جاء مولر إلي الشعب الأمريكي بأدلة ملموسة علي أن الرئيس قد ارتكب جرائم، فمن واجب الكونجرس أن يعاقبه ويحاكمه. ويتيح الدستور الأمريكي إمكانية عزل الرئيس من منصبه بسبب الخيانة أو الرشوة أو غيرها من الجرائم الكبري والجنح، و بالرغم من وضوح التعريف القانوني لجرائم الخيانة والرشوة، فإن الجرائم الكبري والجنح لاتزال محل جدل كبير، وتتيح مساحة ضخمة لاستخدامها لأغراض سياسية، وهو ما يستهدفه الديمقراطيون. وتتم عملية العزل من خلال الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ، حيث يتولي مجلس النواب توجيه الاتهام للرئيس بواحدة من تلك الجرائم. أي يتولي دور المدعي العام، ويتم إقرار الاتهام بالأغلبية البسيطة. ولكن هذا التصويت لا يعني الإدانة، حيث يتطلب الأمر طرح قرار الاتهام علي مجلس الشيوخ، ويكون دوره هو القاضي وهيئة المحلفين، وإذا صوت أعضاؤه بأغلبية الثلثين علي قرار الاتهام يتم عزل الرئيس. وبرغم حماس بعض الديمقراطيين لفكرة العزل القانوني للرئيس، فإن هناك فريقا آخر منهم يتشكك في جدوي عزل ترامب وذلك لسببين أساسيين، الأول هو الاعتقاد بأنه في حالة عزله فسوف يحله بعده نائب الرئيس مايك بنس، وهو بالنسبة للديمقراطيين قد يكون أسوأ من ترامب، وسوف يستمر في تنفيذ الأجندة نفسها. أما السبب الثاني فيتعلق بصعوبة عزل ترامب من الناحية الإجرائية، فالأمر سوف يتطلب في البداية الحصول علي الأغلبية في مجلس النواب، والديمقراطيون ليس لديهم مشكلة في هذا الأمر (يوجد حاليًا 235 ديمقراطيًا و 197 جمهوريًا وثلاثة مقاعد شاغرة في مجلس النواب)، أي يمكن للأغلبية الديمقراطية أن تصوت لمصلحة عزل ترامب. ولكن العقبة سوف تظهر في مجلس الشيوخ (يتألف مجلس الشيوخ حاليًا من 53 جمهوريًا و 45 ديموقراطيًا واثنين من المستقلين الذين يتوافقون عادة مع الديمقراطيين)، وإذا كان عزل الرئيس في مجلس الشيوخ يتطلب موافقة الثلثين أي 67 صوتًا، فالأمر سوف يتطلب بالإضافة لتصويت الديمقراطيين و المستقلين إلي مايقرب من 20 صوتا إضافيا من الجمهوريين (حزب الرئيس) يصوتون ضد ترامب، وهو أمر صعب حدوثه. أي أن عزل الرئيس لن يمر من مجلس الشيوخ حتي لو تمت الموافقة عليه في مجلس النواب، وإذا بدأت عملية الإدانة للرئيس في مجلس النواب، فسوف تنتهي بالبراءة في مجلس الشيوخ. وقد أشارت الزعيمة الديمقراطية ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلي أنها لا تعتقد أن البلاد يجب أن تمر بعملية عزل للرئيس، وذكرت: «مالم يكن هناك سبب مقنع وجذاب ويلقي دعما من الحزبين، فلا أعتقد أننا يجب أن نسير في هذا المسار، لأنه يقسم البلد» بالإضافة لذلك فهناك من يري أن إجراءات إقالة الرئيس يمكن أن تأتي بنتائج عكسية للديمقراطيين لأنها قد تحفز الجمهوريين المترددين وتجعلهم أكثر تأييدا للرئيس، ويري هؤلاء أنه من الأفضل مواجهة ترامب في صناديق الاقتراع. ومع استبعاد الخيار القانوني لعزل ترامب، فسوف يركز الديمقراطيون علي الخيار السياسي، من خلال شن حملة علي الرئيس باستخدام الأدوات التشريعية و الرقابية المتاحة لهم في الكونجرس، تستهدف في الأمد القصير حرمانه من أي إنجازات جديدة يمكن أن تضاف إلي سجله، و تشتيت الانتباه عن التركيز علي تنفيذ أجندته، أما الهدف الأكبر فهو انتخابات الرئاسة عام 2020، حيث يسعي الديمقراطيون إلي تقويض أي شرعية سياسية أو أخلاقية للرئيس ترامب، وبما يؤدي إلي عدم عودته الي البيت الأبيض لفترة رئاسة ثانية من خلال صناديق الانتخابات. باختصار ما تبقي من فترة ترامب سوف يشهد تعميق الانقسام السياسي والمجتمعي بالولايات المتحدة، ويفتح الباب لاحتمال أي نتيجة لانتخابات الرئاسة المقبلة. لمزيد من مقالات محمد كمال