برغم إحباطات واضطرابات عديدة عاشها اللبنانيون في معظم فترات عام2009 الذي سينتهي بعد ساعات وما قبله من أعوام, فإنه أبي أن يتركهم مثل غيره حياري في معرفة مستقبلهم. .. فقد اختتم العام أيامه بنهاية سعيدة للشعب اللبناني, وهاهم الآن يستقبلون بشاير العام الجديد وهم يتملكهم شعور عام بالارتياح والتفاؤل, فأخيرا.. امتلك لبنان جميع مقومات الدولة المستقلة, فلدي اللبنانيين حكومة وحدة وطنية حازت علي ثقة البرلمان وبيان وزاري متفق عليه من جميع الفرقاء, وإن كان لم يقترب من مناطق الألغام.. وهو بند المقاومة, والمقصود هنا بطبيعة الحال هو سلاح حزب الله, بالاضافة إلي خطوة سياسية جريئة قام بها رئيس الوزراء سعد الحريري باتجاه دمشق أظهرت نضجا كافيا لان يثق اللبنانيون في قدرة زعيمهم الشاب علي قيادة حكومة حقيقية قادرة علي النهوض بمقدرات البلاد. وفي هذا الإطار تبرز عدة تساؤلات عن طبيعة التحديات التي ستواجه لبنان حكومة وشعبا؟. ولن نجافي الحقيقة إذا وصفنا زيارة الحريري إلي دمشق بأنها الحدث العربي الأكثر متابعة, فالعالم راقب بقلق زيارة من المفترض أنها روتينية خاطفة تأتي في إطار الواجبات البروتوكولية لأي رئيس وزراء تتخللها عبارات معتادة عن أهمية العلاقات بين البلدين الشقيقين, وتمادي البعض وتوقعوا ربما إلغاءها علي خلفية الاستدعاءات السورية بحق عدد من المسئولين اللبنانيين المهمين, ثم جاءت المفاجأة وقد بدأتها دمشق بإدراك الزيارة ضمن سياق الزيارات الرئاسية وكان في استقبال الحريري وزير شئون الرئاسة منصور عزام, ومنذ لحظة دخول الحريري قصر تشرين, بدا اللقاء بين الزعيمين حميميا تخلله سلام حار وقبلات, ثم إعلان رغبة مشتركة في فتح أفاق جديدة للتعاون وحل الأمور بشكل هادئ وصريح. وحتي يتم الكشف عما دار في الاجتماعات المغلقة, تبقي في الصدارة النتائج المعلنة للحدث, فهي أول لقاء بين رجلين كثيرا ما تبادلا الاتهامات حول مسئولية كل طرف عن تدن خطير وصلت إليه الأوضاع بين البلدين, كما أنها حققت أكثر من مجرد إذابة للجليد وإنما شكلت حجر الأساس لتفعيل التعاون بين البلدين الشقيقين, وهو ما يحمل المتابعين للشأن اللبناني والسوري إلي توقع أن يتبع اللقاء عدة خطوات ايجابية أخري ربما في اتجاه ترسيم الحدود بين البلدين, بالإضافة إلي ضرورة البعد عن أي خطاب عنيف ومتشنج, خاصة مع بدء أعمال المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ومخاوف حول انعكاسات سلبية علي الوضع السياسي والأمني في لبنان. ولا يمكننا مناقشة أي نتائج ايجابية للزيارة المهمة من دون ربطها بعدة عوامل أخري شكلت وستمثل في مجملها غطاء مستقبليا مناسبا لأي تطور ايجابي في بيروت, ومن بين هذه العناصر فوز الأكثرية بواحد وسبعين مقعدا نيابيا, ففي حال فوز المعارضة بالأغلبية لكانت العلاقات مع الجارة دمشق امتدادا طبيعيا للدعم السوري لفريق8 مارس, في المقابل كانت ستصبح الأجواء أكثر توترا مع فريق14 مارس, كما أن تشكيل الحكومة العتيدة بعد مخاض طويل وعسير استمر4 أشهر كاملة, لهو أمر غير منطقي أو حتي مستحيل في أي بلد في العالم, ولكننا مع مرور الوقت, تعلمنا ألا يتحقق أي استحقاق سياسي بدون صعوبات في لبنان. وبعد انتهاء معضلة التشكيل مد الحريري الذي قدم تنازلات عديدة للتجاوب مع مطالب المعارضة, يده لجميع الفرقاء متعهدا بفتح صفحة جديدة عمادها المصالحات علي الصعيدين الداخلي والخارجي فرصة لتجديد ثقة اللبنانيين في مبدأ حكومة الوحدة الوطنية, وأيضا لا يمكننا إغفال مسألة انتظام الحياة السياسية في بيروت مع إقرار البيان الوزاري ونيل الحكومة الثقة, فقد انتهي الجدل السياسي حول مسألة سلام المقاومة, وبند العلاقات مع سوريا. وبعد هذا الايجاز عن شكل العلاقة مع سوريا مرورا بكيفية التعامل بين الحكومة والمعارضة.. ليس أمام اللبنانيين سوي الاختيار بين أمرين لا ثالث لهما وهم علي اعتاب جديدة, فإما طي صفحة الماضي بكل أزماتها ومآسيها, وبالتالي الاحتكام إلي منطق العقل وتغليب المصلحة الوطنية العليا علي المصالح الشخصية, أو أن تكون الفترة المقبلة مجرد امتداد لسنوات عجاف يحتكم فيها الفرقاء إلي التدخلات الخارجية والتعصب والتشنج كسبيل وحيد لحل الأزمات.