أتذكر أنه قال لى يوم أن جاءه النبأ الحزين منذ أربعة عشر عاما والألم يعتصر قلبه وكانت المرة الأولى التى أراه فيها بتلك الصورة من الحزن والغضب وهو المعروف عنه التفاؤل والابتسامة الدائمة والثقة المدركة بالنجاح مهما تكن العقبات والحواجز أنه ما ضاع حق وراءه مطالب وبلغة الحزم والحسم قتلة السفير إيهاب الشريف فى العراق سيتم القصاص منهم مهما يطل الزمن مستطردا يومها: العقلية المصرية لا تحب الهزيمة أو الانكسار، وسأذكرك يوما ما والأيام بيننا. كان ذلك هو حديث وزير الخارجية المصرى أحمد أبو الغيط يوم 3 يوليو فى مدينة سرت الليبية يوم اصطحبنى معه فى طائرة عسكرية صغيرة من أحد المطارات المصرية الخاصة، حيث كنا أربعة أشخاص فى تلك الطائرة هو أبو الغيط وزير الخارجية فى ذلك الوقت، والأمين العام الحالى للجامعة العربية وكل من سامح شكرى وزير الخارجية الحالى، حيث كان أحد كبار مساعدى وزير الخارجية حينذاك، والسفير عمرو رشدى من طاقم مكتبه، وكاتب هذه السطور، حيث كنت الصحفى الوحيد معه لحضور أعمال قمة الاتحاد الإفريقى فى مدينة سرت الليبية. وبمجرد وصولنا سرت بعدة ساعات جاءه نبأ اختطاف واغتيال السفير المصرى فى العراق إيهاب الشريف، حيث كان يوما بحق داميا اتصالات وتحركات غير عادية ومطاردات طيلة أيام القمة لشخصه من كبار الصحفيين ووكالات الأنباء وتليفزيونات عديدة تطارده وتلاحقه من أجل الوصول إلى معلومة، وماذا ستفعل مصر لمجابهة هذا الحادث الدموى، ولعل العودة إلى الذاكرة فى هذا الشأن تسعف أحيانا، أبلغته يومها بأن مصر أخطأت عندما أرسلت سفيرا إلى بلد به فوضى ومنفلت وأن دم هذا السفير قد ذهب سدى وأن عصابات القتل الجوالة فى العراق التى تعد بالمئات قد خطفته وقتلته مثل المئات الذين يلاقون المصير نفسه يوميا فى العراق، لكنه رفض يومها الاستسلام وقال سنقتص من القتلة مهما تمر الأيام. وبالفعل نجحت السلطات العراقية الأيام الماضية فى التوصل لقتلة السفير الشريف وأصدرت أحكام الإعدام بحقهم، وعلى الفور هاتفت السياسى المخضرم وأمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط لأعتذر منه وأذكره بحديثه وموقفه من قتلة السفير إيهاب الشريف وأقدم له التهنئة بمناسبة إصدار الترجمة الإنجليزية لكتابه الأثير «شاهد على الحرب والسلام» الذى أقيمت له ندوة التوقيع مساء أمس فى مقر الجامعة الأمريكية بميدان التحرير بحضور كوكبة من السياسيين والدبلوماسيين وشخصيات فكرية وثقافية وإعلامية متميزة، خاصة أننى شاركته منذ أيام فى معرض الكتاب لتوقيع الطبعة السابعة لكتابه الأول «شهادتى»، حيث كانت الجامعة العربية ضيف الشرف لمعرض الكتاب هذا العام. فأدرك أبو الغيط الغرض فى الحال وذكرنى بساعات وأيام هذا الحادث وصدق وصوابية موقفه ورؤيته وإيمانه العميق الذى لم يتزعزع للحظة أن قتلة السفير الشريف سيتم الإيقاع بهم والانتقام منهم. وبالرغم من حجم النجاحات والإنجازات العديدة التى استطاع أن يحققها بالجامعة العربية فى الآونة الأخيرة ولأول مرة منذ عام 2011 منذ أن تركها عمرو موسى، رغم صعوبة المهمة والسمعة النمطية التى ارتبطت باسم الجامعة العربية مصريا وعربيا وفقدان الثقة التى تولدت منذ سنوات طويلة لدى المواطن العربى من عجز دورها، حيث ذكرته بالإنجاز الأخير للجامعة فى عقد القمة العربية الأوروبية، وما أحدثته من حراك وسمعة طيبة للجامعة والعرب، ودوره ونجاحاته المتفردة خلال هذه القمة. ولكنه بادرنى على الفور بأن النجاح الحقيقى لهذه القمة كان عائدا فى المقام الأول والأخير لمصر والرئيس السيسى، فهو الذى اقترح منذ عامين عقد واستضافة مصر هذه القمة، وأنه هو الذى وفر الرعاية والاهتمام من قبل الدبلوماسية المصرية لعقدها فى شرم الشيخ، حيث وفرت القيادة المصرية لهذه القمة نجاحات متعددة للدولة المصرية أعادت سنوات النجاح والإنجازات التى كانت غائبة فى السنوات الأخيرة بعد أحداث 25 يناير وحتى وقت مضى، حيث تعرضت مصر لمرحلة تخريب متعمد وممنهج وكانت من أسوأ الفترات فى تاريخ الدولة المصرية ومؤامرات ومناورات مغرضة إلى أن جاء الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أرى أنه كان المنقذ العاجل لهذا الوطن. وبلغة الواثق المطمئن عاد يحدثنى:انظر ماذا قال السيسى فى ندوة يوم الشهيد التثقيفية الأخيرة للقوات المسلحة وما كشفه من حجم المؤامرة وما كان يحاك بالقوات المسلحة والشرطة فى أحداث محمد محمود وماسبيرو وغيرها، واتفق أبو الغيط معه فى القول بضرورة أن تقوم لجنة متخصصة لكتابة أحداث تلك الفترة حتى يعلم المصريون ماذا كان يحاك بهم وما يخطط ويدبر لهم، وكيف كانت أحوال مصر فى تلك الفترات، وكيف أصبحت الآن بعد أن تم إنقاذها؟، حيث تحولت إلى دولة للنجاح وبلد للفرص الواعدة قادرة على تجاوز التحديات والعقبات بفضل وعى وتخطيط قيادة سياسية تقود الأمور إلى النجاح والريادة، ولذا أصبح وضع مصر واستعادة دورها الكامل أمراً جيداً يوضع فى الاعتبار من كل دول الإقليم. وعاد أبو الغيط للقول عاتبا وهو الذى دخلت أفعاله وكلماته ومواقفه الذاكرة الوطنية من شدة صدقيته وهو صاحب تاريخ طويل وخبرة لا متناهية وفريدة فى العمل السياسى والدبلوماسى اكتسبها فى محطات دولية وإقليمية وعربية وإفريقية منذ سنوات عمله بالخارجية المصرية، حيث كان ومازال يفضل العمل بصمت وكتمان وهدوء والعبرة عنده بالنتائج والأفعال، عاد عاتبا ومذكرا بأن العرب الذين وقع فى بلدانهم ما يسمى «الربيع العربى» خدعوا وضحك عليهم، حيث تسببت تلك الأحداث فى تدمير دولهم وتراجع وتأخر صورة العرب وعاد للتذكير والتنبيه إلى أين هى الآن. لمزيد من مقالات أشرف العشرى